معاناة الحديدة بين التجاهل والتسول
✍️/ سامي الحميري
محافظة الحديدة عروس البحر الأحمر الغنية والأصيلة أرضًا وإنسانًا، والتي تحتل المركز الأول بين محافظات الجمهورية في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية والخضراوات والفواكه والأعلاف، فضلاً عن نشاط الاصطياد السمكي الكبير بحكم وقوعها على شريطٍ ساحليٍّ طويلٍ غنيٍّ بالأسماك والأحياء البحرية.
كما أنَّ المحافظة تمتلك ثاني ميناء رئيسيٍّ في الجُمهورية اليمنية، وله نشاط تجاري متميز في عمليتي الاستيراد والتصدير، ويوجد بها العديد من المنشآت الصناعية، من أهمِّها مصنع أسمنت باجل، وبعض الصناعات للمواد الغذائية والمشروبات الغازية، وتمتلك أرضها من المعادن: الجرانيت، والرمال السوداء، والأصباغ، والسيراميك، والملح الصخري، والجبس وبعض المعادن الطينية الأخرى.
تخيل أن تلك الثروات والمقومات التي تتمتع بها الحديدة لم تشفع لها ولأبنائها في أن يعيشوا حياة كريمة، ولا نقول رفاهية، بل يعاني أهلها من انعدام وتدهور أبسط مقومات الحياة ويعيشون في شظف لا يطاق، بينما تذهب خيرات هذا الثغر الباسم إلى هوامير الفساد، وبدلًا من أن تقوم السلطات الحاكمة المتمثلة بمليشيات الحوثيين بواجبها ومسؤولياتها القانونية والأخلاقية تذهب للتسول باسمهم والبحث عن تبرعات لهم عبر شخصيات محسوبة عليها، وكأن ما تجنيه المحافظة من دخل وإيرادات ملك للنافذين الفاسدين فقط.
فالقطاع الصحي متدهور ولا يوجد مستشفى واحد مكتمل التخصصات في الوقت الذي تنتشر فيه الأمراض والأوبئة، وتُعَدُّ الحديدة من أشد المحافظات فقراً في اليمن، فقد توقفت العديد من المرافق الصحية عن العمل فيما عَلَّقَت بعض المرافق خدماتها بسبب المشاكل الأمنية، وتضررت أنظمة المياه والصرف الصحي، ما زاد من خطر انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا.
كما تنعدم خدمات الكهرباء في معظم المناطق وهو الأمر الذي يؤثر على استمرار المرافق الصحية والمستشفيات، وتحت ضغط ارتفاع درجة الحرارة وانتشار الأمراض، تزداد الاحتياجات الصحية بشكل كبير.
أمَّا قطاع الكهرباء في الحديدة الذي يجني منه الحوثيون ما يزيد على 34 مليار ريال سنوياً كإضافة رسوم جمارك من دخل الميناء على الوقود والطرود التجارية، فإنَّه قطاعٌ شبه مدمَّر ويعيش الناس في لهيب الصيف تحت الأشجار.
وكذا تضرَّر قطاع المياه في الحديدة بسبب الحرب، وتدمَّرت غرفة التشغيل والتحكم والمولَّدات والمحولات بشكل كلي، وخرجت المحطة عن الخدمة تمامًا، كما تضرَّرت مضخَّات رفع مياه الصرف الصحي، والخزان التجميعي للمياه العادمة بالمدينة، وأدَّى استهداف الموقع الشرقي لحقل آبار مياه البيضاء إلى قطع الخط الناقل للمياه وتضرر المباني وانقطاع المياه عن المواطنين، وتدمير الخزانات مع ملحقاتها ومحطة التحلية بمشروع مياه جزيرة كمران وخزانات مياه الشرب لفرع مياه الصليف.
الحديدة تعاني مثل سائر المدن اليمنية، لكنَّها الأشدُّ معاناةً، والمنسيَّة من قبل وبعد الحرب التي اندلعت قبل ثماني سنوات، ولا تزال معاناة أبنائها مستمرَّة، ويجب أن تنتهي، لا سيَّما أنَّ لها من المقوِّمات والدَّخل ما يُمكِّنها من النهوض بالقطاعات الخِدميَّة كافَّة.