إتاوات واختطافات وشركات وسيطة مزارعو اليمن يواجهون خبث الحوثي
الرشادبرس..
خياران لا ثالث لهما، “إما دفع الإتاوات أو الاختطاف والسجن”، هذا هو النهج الذي تعتمده ميليشيا الحوثي، ذراع إيران، تجاه المزارعين من أبناء المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
أصبح الخُمس الذي أقرته
الميليشيات الحوثية بعد استحواذها على السلطة مدخلاً من أجل نهب المزارعين وأخذ محاصيلهم بالقوة، وسط ادعاءات أن ما يأخذونه يأتي تنفيذاً للشرع والقانون.
المزارعون في اليمن يعانون أوضاعا صعبة خلفتها الحرب الحوثية العبثية في البلد، فهذا القطاع لم يكن بعيداً عن تأثيرات هذه الحرب التي تعصف بالبلد منذ سنوات. ولعل أبرز الصعوبات كانت أزمة المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، وغلاء الأسمدة والمبيدات الزراعية، وتراجع نسبة هطول الأمطار الموسمية، بالإضافة إلى ارتفاع الضرائب والجمارك التي تفرضها الميليشيات الحوثية على المزارعين، وملاك مزارع الخضروات والفواكه.
الإتاوات.. مقابل استمرار الزراعة
ولعل ما أثقل كاهل المزارعين هي الإتاوات والجبايات التي تفرضها الميليشيات الحوثية بين الحين والآخر، تحت مبررات وغطاءات متعددة هدفها نهب المحاصيل وأموال المزارعين.
في محافظة إب، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تعرض نحو 52 مزارعا في مديرية ذي السفال، جنوب المحافظة، إلى الاختطاف والسجن بصورة مهينة عقب رفضهم دفع إتاوات أقرتها قيادات حوثية على المحاصيل التي يزرعونها.
لم يدرك أبناء عزلة “حبير” في مديرية ذي السفال، جنوب إب، أنه سيأتي اليوم الذي ستسلب منهم أراضيهم بعد أن رفضوا عمليات الجباية والإتاوات الحوثية. الرد كان عنيفاً من قبل القيادات الحوثية التي هددت بسحب أراضيهم الزراعية تحت مبرر أنها أراضي دولة.
أبناء العزلة يعتمدون على الزراعة منذ سنوات طويلة، لم يستطيعوا الاستمرار في دفع الإتاوات في ظل قلة المحاصيل، الأمر الذي دفع بالميليشيات الحوثية وعبر مدير هيئة الأراضي المعين من قبل الحوثيين في إب بإرسال تهديدات لهم بسحب الأراضي الزراعية منهم بحجة أنها ملك للدولة.
وقال الناشط إبراهيم عسقين: إن مليشيا الحوثي خطفت 52 مزارعاً من أبناء عزلة “حَبِير” بمديرية ذي السفال جنوبي محافظة إب، بعد رفضهم دفع جبايات مالية. موضحا أن القيادي في ميليشيا الحوثي والمعين من قبلها مديرا للهيئة العامة للأراضي والمساحة بمديرية ذي السفال، حارث راوح، قام بخطف المزارعين في محاولة لاستلاب أراضيهم ومزارعهم بذريعة أنها أراضي دولة مع أنهم فيها أجراء للدولة من عشرات السنين.
واشار عسقين إلى أن القيادي الحوثي راوح، “فرض زيادة في الضمان قدرها 1000%، فمن كان يدفع 5000 ريال ملزم بدفع 5 ملايين ريال”.
وأضاف عسقين: “لم يتوقف الأمر هنا، بل إن مدير المديرية الحوثي أبو إسحاق وجيه الدين قام بإرسال شقيقه أبو الكرار وبعض مسلحيهم للمزارع وأخذ المحاصيل بالقوة وإتلاف بعضها باسم أنه حق الدولة، غير مكترثين بحقوق المواطنين”.
شركات حوثية مسيطرة
مزارعون من أبناء مديرية بني حشيش، أكدوا تراجع العائد المادي للمحصولات الزراعية التي يعتمدون عليها في معيشتهم. مرجعين السبب الرئيسي لسياسات الميليشيات الحوثية والقيود الجديدة التي فرضتها على الزراعة.
وأكد عدد من المزارعين، خصوصا العاملين في زراعة العنب، أن خسارتهم في الموسم الماضي بلغت مئات ملايين الريالات، بعد أن فرضت الميليشيات قيودا وإجراءات منعتهم من الترويج لمحاصيلهم في الأسواق المحلية والخارجية.
وأكد المزارعون أن الحوثيين يجبرونهم على تسليم محاصيلهم لشركات تسويق زراعية تابعة لقيادات وجهات حوثية، وذلك بهدف منعهم من التوجه للأسواق وبيع محاصيلهم. وتقوم تلك الشركات بشراء المحاصيل بأسعار زهيدة جدا من المزارعين، لتبيعها بأسعار مضاعفة في السوق.
واستحدثت الميليشيات الحوثية ما أسمته “الزراعة التعاقدية” وهو إجراء هدفه منع المزارع من التصرف بمنتوجاته ونقلها للسوق وبيعها بنفسه مباشرة. وبحسب تسجيل مصور تم بثه عبر صفحة “الإرشاد الزراعي- اليمن” على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تم توثيق عملية بيع كيلو العنب في منطقة بني حشيش بسعر 300 ريال يمني للشركة الحوثية الوسيطة، إلا أن سعر الكيلو يصل ما بين 1500 – 2000 ريال يمني.
في الجوف استولت قيادات حوثية على أكثر من 1,500 مزرعة في مديريات: “المتون” و”الخب والشعف” و”اليتمة”، وغيرها، بطرق وحيل متعددة، بينها النهب المباشر، أو عبر ما يسمى “الحارس القضائي”، أو حتى عبر الصفقات التجارية الخادعة. لتقوم الميليشيات بإنشاء شركة وسيطة في مديرية الغيل، بهدف احتكار شراء المنتوجات الزراعية من المزارعين، وبالتالي البيع إلى تجار الجملة والأسواق.
وأكدت المصادر في وزارة الزراعة بصنعاء أن أرباح الشركات الحوثية الوسيطة ارتفعت بشكل كبير جدا، مقارنة بما يجنيه المزارعون الذين تكبدوا مشقة جني المحصول بسبب الأوضاع والظروف الصعبة.
من بين الشركات الوسيطة شركة تدعى” “شركة تلال اليمن للاستثمار الزراعي”، وهي إحدى الشركات التي جرى إنشاؤها في العام 2021، برأس مالي وصل إلى مليار ريال يمني، ومتخصصة في مختلف الحبوب والبقوليات، واستحوذت قيادات واتحادات تابعة للميليشيات الحوثية، على الشركة.
الشركات الوسيطة الحوثية تمارس أعمال فساد وإجراءات تعسفية للاستحواذ على أموال ومنتجات المزارعين، مستقوية بذلك بالأجهزة الرسمية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء ومناطق سيطرتهم. حيث يتعرض المزارعون الرافضون لإجراءات الشركة التهديد وحجز إنتاجاتهم الزراعية وفرض الإجراءات والضرائب في المنافذ الجمركية.
ملاحقة المزارعين.. بعد قطع المرتبات
بعد التدهور الاقتصادي والمعيشي في اليمن الناجم عن الحرب الحوثية العبثية، تضرر قطاع الزراعة بشكل كبير، حيث بلغت الخسائر منذ بداية الحرب وحتى نهاية العام 2022 أكثر من 7.5 مليارات دولار، في حين تجاوزت كلفة الأضرار والخسائر غير المباشرة في هذا القطاع 103 مليارات دولار، وهذه إحصائيات أكدتها تقارير صادرة عن وزارة الزراعة المختطفة من قبل الحوثيين في صنعاء.
ومؤخرا لجأ الكثيرون ممن قطعت مرتباتهم الحكومية خصوصا في المناطق الريفية إلى استصلاح المزارع التي يمتلكونها من أجل تأمين الغذاء لأفراد عائلتهم. بل وأصبحت الزراعة مصدراً رئيسياً للدخل رغم الصعوبات التي يواجهونها في هذا الجانب.
قبل الحرب الحوثية تخلى الكثيرون من أبناء الريف عن الزراعة، إلا أنهم عادوا إليها لتوفير لقمة العيش لأسرهم. الكثير ممن عادوا يقومون حالياً بغرس المحاصيل المتنوعة مثل: الذرة والقمح والبقوليات، وبيعها في الأسواق القريبة لمناطقهم أو في محافظات يمنية أخرى.
خبراء الزراعة يرون أن النشاط الزراعي أصبح يحتل المرتبة الأولى كمصدر دخل للأسر في اليمن، وهذا عكسته معدلات الإنتاج السنوية المتصاعدة من الحبوب والمحاصيل المتنوعة والتي عادت للتصدير للخارج مؤخرا. تنامي القطاع الزراعي دفع بالميليشيات الحوثية إلى تكثيف حملات الجباية والإتاوات تحت مسميات متعددة، وفي محاولة منها لتضييق الخناق على مصادر الدخل الرئيسية للمواطنين بعد نهبها للمرتبات وتخصيص فرص العمل للموالين لهم.
سياسة حوثية مدمرة
عودة الكثيرين إلى الزراعة رافقه أيضا تصعيد مستمر في السياسة والإجراءات الحوثية المدمرة لهذا القطاع الهام. وبحسب مسؤولين في القطاع الزراعي الخاضع للميليشيات، تراجعت نسبة العاملين في القطاع إلى ما دون 10 في المائة بعد أن كانت نسبتهم تصل إلى 54 في المائة خلال عام 2010. وأن هذا التراجع برز أيضا في مساهمة القطاع الزراعي بالناتج المحلي في مناطق سيطرة الميليشيات والتي تراجعت إلى ما دون 5 في المائة بعد أن كانت تصل إلى نحو 14 في المائة قبل سيطرة الحوثيين على السلطة.
الانتهاكات والجرائم الحوثية أدت إلى تراجع الإنتاج وقلّصت من حجم المساحة المزروعة وخفضت من أعداد الفلاحين العاملين بهذا القطاع عما كانت عليه في السابق. حيث بلغ إجمالي المساحة المزروعة في اليمن أقل من مليون هكتار، وهو ما أدى إلى تراجع ثلث الإنتاج الزراعي خصوصا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي.
في تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أوضح أن إنتاج الحبوب تراجع إلى أقل 365 ألف طن متري، أي أقل من نصف مستويات ما قبل الحرب، وهو ما ينذر بخطورة الوضع الغذائي في البلد.
وكان إنتاج اليمن من محاصيل الحبوب مثل: القمح والذرة والدخان والشعير يصل إلى نحو 700 ألف طن عام 2014. كما انخفضت أيضا المساحة المزروعة بهذه المحاصيل إلى 500 ألف هكتار من 727 ألف هكتار.
الكثير من التقارير الدولية دعت إلى حماية المزارعين من عبث الانقلابيين الحوثيين وتعسفهم، وتقديم المساندة والدعم العاجل لهم كي يتمكنوا من المساهمة في إنتاج السلع الزراعية، والابتعاد من المجاعة التي تهدد الشعب اليمني إلى مساعدة المزارعين لمحاربة الآفات الخطيرة، منها الجراد الذي يعد خطرا إضافياً إلى جانب الحوثيين.