تقارير ومقابلات

إسرائيل تمثل امام العدل الدولية ..سابقة تاريخية وخطوة في الإتجاه الصحيح

الرشاد برس | تقرير /صالح يوسف
عقدت محكمة العدل الدولية امس الخميس اولى جلساتها للنظر في طلب جنوب أفريقيا محاكمة الكيان الإسرائيلي بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة وبغض النظر على القرار الذي ستصدره المحكمة وامكانية تنفيذ هذا القرار من عدمه الا ان عقد المحكمة جلساتها لأول مرة يعد حدثا كبيرا وسابقة تاريخية ان يمثل الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية وكانت إسرائيل وافقت على المثول أمام المحكمة بذريعة أنها تريد”دحض” ما وصفتها بالاتهامات “السخيفة التي تفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني”. وبذلك يكون الاحتلال الاسرائيلي قد قبل ان يضع نفسه في قفص الاتهام لاول مرة ورغم أن إسرائيل تصف الاتهامات الموجهة إليها بأنها “تفتقر لأي أساس قانوني”، إلا أن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية قالت،، إن تل أبيب متخوفة من أن تصدر محكمة العدل الدولية، “قرارا بوقف الأعمال القتالية في قطاع غزة”.
-سابقة تاريخية
منذ عام 1948م والاحتلال الاسرائيلي يرتكب المجازر والقتل الجماعي والتهجير بحق الشعب الفلسطيني غير مكترث بكل الدعوات الدولية والقرارات الأممية ولذلك تعد هذه المرة الأولى التي تقبل إسرائيل فيها المثول أمام محمة العدل الدولية بعد أن رفضت عام 2004 حضور إجراءات التقاضي بشأن إجراءات جدار الفصل في الضفة الغربية، ثم تجاهلت الحكم النهائي متذرعة بعدم اعترافها بسلطة المحكمة.ويأتي ذلك رغم أن الفلسطينيين يؤكدون عادة أن “إسرائيل ارتكبت العديد من الجرائم الوحشية على مدار تاريخها بهدف ترويعهم وتجيرهم من أرضهم”.وتشير أبحاث لمراكز حقوقية فلسطينية إلى وقوع أكثر من 100 مجزرة كبرى منذ عام 1948″تتوفر فيها جميعا مقومات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي”، لكن لم يتم محاكمة إسرائيل بشأنها.وفيما يتعلق بالحرب في غزة الحالية، فإن معظم المنظمات الحقوقية وذات الطابع الإنساني والإغاثي مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر الدولي أكدوا على الطابع الإجرامي للأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد السكان المدنيين، وحتى ضد موظفي الهيئات الدولية.
وتجري تلك “الجرائم” في غزة عبر أدلة واضحة وموثقة بالصوت والصورة تؤكد أنها “تسبب عمدا معاناة كبيرة أو ضررا جسيما للسلامة الجسدية أو الصحة البدنية أو العقلية للسكان المدنيين بالقطاع”.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في تصريحات له بـ 8 يناير/ كانون الثاني الجاري، إن “إسرائيل ستقف أمام محكمة العدل الدولية، متهمة بارتكاب مجازر بهدف الإبادة الجماعية بحق شعبنا”.وأضاف اشتية، أن “إسرائيل لن تستطيع أن تستمر في خداعها العالم في لوم الضحية، فالعالم اليوم يعيش في عصر السوشال ميديا، يرى ويسمع ويعرف أنها دولة مجرمة ووجب تحميلها المسؤولية”.
وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية لن تعالج ملفات من الماضي، بل الجرائم التي تحدث اليوم أمام نظر كل العالم وسمعه، بما في ذلك قضاة المحكمة الـ15، معربا عن أمله أن يقفوا مع الحقيقة والحق وليس مع الضغوط السياسية.وفي السياق نفسه أكدت جامعة الدول العربية دعمها وتأييدها بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، معربة عن تطلعها إلى “حكم عادل يوقف الحرب العدوانية على قطاع غزة ويضع حدا لنزيف الدم الفلسطيني”.
وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في تصريحات صحفية سابقة، إن “الأمانة العامة للجامعة تدعم المسعى الجنوب إفريقي بكل السبل الممكنة من خلال الاستعداد لتقديم ما يخدم القضية ويعزز الموقف الفلسطيني”.
خطوة مهمة
يعد مثول الكيان الإسرائيلي امام محكمة العدل الدولة خطوة في الإتجاه الصحيح لاسيما وانها قدمت من دولة غير فلسطين ورفعت من دولة ضد اخرى وليس من منظمة اوهيئة حقوقية وعلى مدار السنوات الماضية قدّمت منظمات إنسانية وحقوقية عديدة لوائح طلبات إلى محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين للتحقيق بجرائم الاحتلال، لكن لم تصدر أي نتائج عنها.وعلى عكس المحكمة الجنائية الدولية التي لا تلتزم تل أبيب باختصاصاتها وأحكامها، تعدّ إسرائيل من الدول الموقّعة على معاهدة مناهضة الإبادة الجماعية، التي تستمدّ محكمة العدل الدولية بموجبها سلطتها للنظر في الشكوى المرفوعة ضدها؛ ولذلك، قررت تل أبيب في خطوة استثنائية المثول أمام المحكمة.وعن أهميّة الخطوة، يقول أستاذ مساعد للقانون في كلية ترينيتي في دبلن، مايكل بيكر، إنّ حجم الرد الإسرائيلي على عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفّذتها حركة حماس “يثير قلقاً عميقاً، وخاصة أنّ إسرائيل تنتهك قواعد القانون الإنساني الدولي على نحو فاضح”.ويضيف بيكر في حديثه لـTRT عربي، أنّ “الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي في غزة، ليس بالضرورة أن تفي بالتعريف القانوني المعقّد للإبادة الجماعية، لكنّ جنوب إفريقيا فعلت ما يكفي لإثبات أنّ سلوك إسرائيل يثير تساؤلات جدّية تتعلق بالامتثال بالتزاماتها بموجب الاتفاقية الموقعة عام 1948″، وفق قوله.ويعتقد أنّ التوصل إلى أنّ الفلسطينيين في غزة يواجهون خطراً حقيقياً يتعلق بالإبادة الجماعية قد يدفع الدول الأخرى إلى إعادة التفكير في نهجها تجاه الصراع أو علاقاتها مع إسرائيل.ومع ذلك، بينما سيكون من السهل نسبياً على جنوب إفريقيا إثبات تورّط إسرائيل في أعمال يمكن أن تشكّل إبادة جماعية، فإنّه من الضروري أيضاً إثبات أنّ أقوال تل أبيب وأفعالها تظهر نيّة التدمير الجسدي للسكان الفلسطينيين في غزة، بحسب تقديره.
ويوضح أنّه “يمكن استنتاج مثل هذه النية فقط من خلال مجموعة واسعة من الأدلة من المهم جداً أن نأخذ في الاعتبار أنّ إقناع محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة (ضد العدوان على غزة) يختلف تماماً عن إثبات أنّ إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية”.ويرى أنّه لا تحتاج محكمة العدل الدولية في الوقت الحالي أن تقرر ما إذا كانت الأحداث (الجرائم الإسرائيلية) التي وقعت منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مبيّناً أنّ القضية قد تستغرق من ثلاث إلى أربع سنوات.
وهذا يعني أنّ المحكمة قد تطلب من إسرائيل إيقاف “حملتها العسكرية” لتلافي الضرر على المدنيين حتى تصدر قرارها النهائي بشأن ما وقع.
ويبيّن الأكاديمي أنّ قبول إسرائيل للمشاركة في هذه القضية هو تطوّر جيّد وسيساعد على ضمان عدالة ودقّة الإجراءات.بينما رأت صحيفة الغارديان البريطانية أنّ الضرر الذي قد يلحق بسمعة إسرائيل نتيجةً لحكمٍ ما ضدّها سيكون كبيراً، وقد يؤدي على الأقل إلى تعديل حملتها العسكرية.
تنفيذ قرار المحكمة
وتثور تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية والحقوقية عن جدوى تلك المحاكمة وهل سينفذ قرار المحكمة! المعلوم ان الاحتلال دولة مارقة خارج اطار القانون الدولي بما تضفيه عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من السند والحماية والدعم ومع ذلك تسود مخاوف حقوقية في إسرائيل من إمكانية إدانتها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وهو ما استدعى قلق المؤسسة الأمنية ومكتب المدّعي العام.
وبحسب صحيفة هآرتس، حذّر خبير قانوني كبير (لم تذكر اسمه) في الأيام الأخيرة، ضبّاط الجيش بمن فيهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، من وجود خطر حقيقي بأن تصدر المحكمة أمراً قضائياً يدعو إسرائيل لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنّ الأخيرة ملتزمة بأحكام المحكمة.وقالت: “بدأ الجيش ومكتب المدّعي العام بالفعل الاستعداد للتعامل مع الشكوى”، مضيفةً أنّه وفقاً لخبراء القانون الدولي، فإنّ هذا الإجراء قد يعزّز مزاعم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، وبالتالي يؤدي إلى عزلتها الدبلوماسية ومقاطعتها أو فرض عقوبات عليها أو ضد الشركات الإسرائيلية.
وبدوره، كتب كينيث روث المدير التنفيذي السابق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” على منصة إكس عن أنّ القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا توفر الفرصة لإصدار حكم نهائي، معتبراً أنّ حجم القتل كافٍ لاعتبار إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة بالاستناد إلى حجم القتل، وأنّه يمكن إثبات ذلك “عبر عديدٍ من الشهادات”.بينما يقول الأكاديمي مايكل بيكر إنّ محكمة العدل الدولية تأخذ دورها على محمل الجد، وستتعامل مع الأسئلة المعقدة التي تثيرها هذه القضية بأقصى قدر من العناية.وسيُطلب من جنوب إفريقيا وإسرائيل التركيز على السؤال المحدّد المتمثل في ما إذا كان الفلسطينيون في غزة يواجهون خطراً عاجلاً يتمثل في إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالحقوق التي تحميها اتفاقية الإبادة الجماعية، بحسب قوله.ومن المحتمل جداً، من وجهة نظره أن تتمكن جنوب إفريقيا من إقناع محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات مؤقتة ضدّ إسرائيل، مرجّحاً أن تحثَّ هذه الإجراءات إسرائيل على التقيّد بالتزاماتها الدولية والتصرّف بمزيد من ضبط النفس.ويتابع: “قد تعالج إجراءات محكمة العدل الدولية أيضاً ضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة”.وفي حال اتخاذ قرار مثل هذا، يؤكّد أنّ محكمة العدل الدولية لا تملك الأمر التنفيذي، “لذا يقع على عاتق الدول الأخرى إقناع إسرائيل بأهميّة أخذ قرار المحكمة على محمل الجد”.ويمتلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأمور التنفيذية الخاصة بمحكمة العدل الدولية.
وتقول المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة إنّه “إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورةً لذلك أن يقدّم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى