إصابات جنود الاحتلال في حرب غزة: تلاعب بالأرقام وتعتيم متعمد
الرشـــــــــــــــــــــــــاد بــــــــــــــــــــــرس ـــــــــــ عربـــــــــي
بين المستشفيات العسكرية وغرف إعادة التأهيل، وبين تقارير الجيش الإسرائيلي وإفادات وزارة الدفاع وتقديرات الصحفيين، تتعاظم الفجوة التي تبتلع الحقيقة بشأن عدد الجنود الإسرائيليين الجرحى في الحرب على غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023.
تضيع الإحصائيات وسط جداول البيانات الرسمية المتضاربة، ومع تدقيق رصين في المعطيات، تتكشف تناقضات صارخة وتلاعب واضح يحجب عن الجمهور الإسرائيلي – والعالم – التكلفة البشرية الحقيقية لحرب لم تُطوَ صفحتها بعد.
تناقضات صارخة في الأرقام
عدد الجرحى؟ سؤال بسيط ظاهريًا، لكن إجابته تختلف جذريًا حسب الجهة التي تُسأل. الجيش الإسرائيلي أعلن أن عدد المصابين بلغ 5,881 جنديًا. بينما تشير إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع إلى رقم يقارب ثلاثة أضعاف هذا العدد، يصل إلى 15,000 جندي، يضاف إليهم 10% من عناصر قوات الأمن المصابين.
هذا التفاوت يثير تساؤلات مشروعة حول مصداقية التقارير الرسمية: هل يعمد الجيش إلى تقليص الأرقام لتقليل وقع الخسائر على الرأي العام؟ أم إن وزارة الدفاع تسعى لتضخيم الأرقام لتبرير الدعم والميزانيات؟
من التعتيم إلى الاعتراف التدريجي
في بداية الحرب، تجاهل المتحدث باسم الجيش ذكر الإصابات مكتفيًا بنشر أعداد القتلى. وحتى 27 نوفمبر 2023، لم يُصدر الجيش أي رقم رسمي عن الجرحى، حتى كشفت صحيفة هآرتس أن 1,000 جندي أُصيبوا حتى ذلك التاريخ.
وبعد أسبوعين، نقلت يديعوت أحرونوت أن أكثر من 5,000 جندي جريح وصلوا إلى المستشفيات، إضافة إلى 1,000 آخرين يتلقون العلاج ضمن وحداتهم العسكرية. وفي خطوة مثيرة للجدل، حُذفت نسخة النشر الإلكترونية التي تضمنت هذا الرقم، واستُبدلت بعنوان يشير إلى “نحو 2,000 جندي جديد باتوا معاقين”.
في 10 ديسمبر 2023، بدأ الجيش، تحت ضغط إعلامي، بنشر تحديثات يومية لعدد الجرحى، معلنًا أن العدد بلغ 1,593. بعد أسبوع، أعلن ليمور لوريا، رئيس قسم إعادة التأهيل، في الكنيست أن القسم استقبل 2,816 جريحًا – لا يشملون الجنود النظاميين.
فجوات متزايدة ومصادر متناقضة
لاحقًا، أفادت إدارة الموارد البشرية في الجيش أن عدد الجرحى بلغ رسميًا 5,881 حتى مارس 2025. لكن الصحفي العسكري يوآف زيتون، في موقع واينت، كشف أن “أكثر من 10,000 جندي غادروا الخدمة بعد الحرب”. واستنادًا إلى بياناته، فإن ما بين 11,000 إلى 12,000 جندي قد قُتلوا أو جُرحوا منذ اندلاع الحرب، ما يشير إلى آلاف الإصابات غير المعلنة.
وفي 9 مارس 2025، كشفت ليفي زيك، رئيسة وحدة توصيف الخدمات الطبية بوزارة الدفاع، أمام لجنة الكنيست، أن عدد الجرحى بلغ 78,000 منذ بدء الحرب، منهم 62,000 أُصيبوا خلالها، وأن أكثر من نصفهم دون الثلاثين، معظمهم من جنود الاحتياط.
تلاعب بالمفاهيم وتعريفات مشوهة
يكمن أحد أسباب التضارب في الأرقام في اختلاف تعريف “الجرحى”. الجيش لا يحتسب من أُجلوا لأسباب روتينية، أو من لم يُصنفوا رسميًا كمصابين، حتى لو عانوا من جروح طفيفة أو اضطرابات نفسية. الجندي الذي يفقد عينه في المعركة قد لا يُدرج كـ”جريح” ما دام لم يكن مهددًا بالموت أو لم يُحتجز في المستشفى.
في المقابل، تشمل إدارة التأهيل كل من يتلقى علاجًا أو دعمًا نفسيًا، بما فيهم المصابون باضطراب ما بعد الصدمة أو ردود الفعل القتالية. ومنذ ديسمبر 2023، بدأ تصنيف هذه الحالات كإصابات عقلية، وبلغ عدد طلبات الاعتراف بالإعاقة النفسية 7,300 حالة حتى أبريل 2025 – بزيادة 66% منذ أغسطس 2024.
إخفاء ممنهج وراء الإعلام الرسمي
تحت هذا التضليل، يبرز دور الإعلام العسكري، حيث اعتمد الكثير من الصحفيين على بيانات الجيش دون تمحيص، ناقلين الرواية الرسمية بحذافيرها. وبحسب موقع هاماكوم، فإن الإفصاح عن الحقيقة لا يحدث إلا بعد تسريبات من داخل وزارة الدفاع أو تحت ضغط برلماني.
المؤرخ الإسرائيلي لي مردخاي يربط هذا التضارب باختلاف الأجندات: الجيش يسعى لتقليل الأرقام للحفاظ على شرعية الحرب، بينما وزارة الدفاع تكشف الأعباء الحقيقية لضمان موارد أكبر للقطاع الطبي.
ختامًا
وراء الأرقام، تقبع معاناة بشرية هائلة لآلاف الجنود، كثير منهم يواجهون إصابات مستديمة جسديًا أو نفسيًا. لكن ما يتعرض له المجتمع الإسرائيلي – كما العالم – هو صورة مشوهة للواقع، مرشحة بتكتيكات إعلامية تهدف لحماية الرواية الرسمية.
في زمن الحروب، يصبح التلاعب بالمعلومة نوعًا من المعركة بحد ذاته، وجراح الجنود الإسرائيليين ليست فقط في أجسادهم، بل في صمت المؤسسة العسكرية التي ترفض الاعتراف الكامل بثمن العدوان الحقيقي على غزة
المصدر: القاهرة الإخبارية