مقالات

التعريف الحوثي لليمني المستحق للقتل!

ناصر يحيى
كاتب صحفي

  بقي من حوار الناطق الرسمي مع جريدة “الشروق” الجزائرية؛ الذي علقنا على بعض ما جاء فيه بالأمس؛ مما يلفت النظر ويستحق التعليق قوله: إن سلاحنا لا يمتد ولا يوجه إلى اليمني مهما كان (خلوا بالكم من: مهما كان لأنه سيلحسها قريباً باستثناءات!).. وهو -أي سلاح الحوثي- ضد من تدعمهم الجهات الخارجية (!) وضد الإرهاب بمختلف أشكاله (!).. ووفقاً لهذا الحكم الخطير فإن الحوثيين هم الذين يملكون الحق في تحديد من هو اليمني: الإرهابي؟ ومن هو اليمني المدعوم من جهات خارجية؟ الذي يستحق القتل! ويستحق أن يمتد إليه السلاح الحوثي ليقتله حلالاً بلالاً! ويملكون أيضاً الحق في تحديد من هي الجهة الأجنبية التي يؤدي دعمها إلى استحلال دم اليمني؛ فدعم أي جهة أجنبية ليمنيين لا يصير بالمناسبة سبباً لاستحلال دمائهم إلا بمواصفات موجودة في كتاب الجفر الجديد عند حكام صعدة الجدد، والجهات الأجنبية مقامات، وأموالها وسلاحها ودعهما أنواع منها: الحلال والمندوب والمستحب، ومنها الحرام! ومن يريد معرفة أي الجهات الأجنبية الحلال دعهما، ويريد أن يعرف الحلال والحرام وما بينهما في الدعم الخارجي لكيلا يضل أبدا؛ فعليه ركوب سفينة النجاة: أي أن يسأل المقام الحوثي حتى يتبين له السلاح والدعم الأبيض الحلال من السلاح والدعم الأسود الحرام!

     اتضح الآن حقيقة الزعم بإيمان الخُبرة بالاندماج السياسي، وحرصهم على مشاركة الجميع في حكم اليمن عندما يصلون إلى الحكم كما بشروا في الحوار! وهم يقتلون فقط الإرهابيين والمدعومين من الخارج، أما من يحدد: من هو الإرهابي؟ ومن هو المدعوم من الخارج؟ فالواضح القطعي أن الحوثيين يمنحون لأنفسهم هذا الحق؛ فهم- وليس القضاء أو حتى الدولة لأنها ضعيفة- الذين يقررون أن هذا اليمني إرهابي وراء جدار مدرسة تحفيظ القرآن أو في دار القرآن.. فاقتلوه يا أنصار الله! وهذا اليمني مدعوم من الخارج بالحرام وليس بالحلال؛ فدمه حلال ووجهوا إليه سلاح أنصار الله.. فاقتلوه!.. وسبحان الله؛ كل المتهمين بالإرهاب واستلام الدعم الخارجي الحرام الذين استحل الحوثيون دماءهم لذلك هم من خصومهم الفكريين، والرافضين لمشروعهم للهيمنة على صعدة وغيرها!

*****

استبق الناطق الرسمي للحوثيين ما يعرف أن الناس سوف يقولون: وأنتم ألستم أيضاً متهمين بممارسة الإرهاب، وبتلقي الدعم الأجنبي أيضاً من الخارج، وبالتحديد من جهات في إيران، والكويت، والعراق، ولبنان؛ مما يجعل مواجهتكم بالسلاح أمراً شرعياً وقانونياً وفقاً لفتواكم؟ استبق الناطق ذلك نافياً أنهم ينفذون أجندة خارجية رغم توافقهم مع إيران في بعض الرؤى؛ يعني مما يدخل فقط في توارد الخواطر فقط!

     المهم أن الناطق الرسمي للحوثيين وضع قاعدة يفترض أنها عامة، وتنطبق بالضرورة على جميع الإرهابيين والمدعومين من جهات خارجية لا فرق بين أحمر وأخضر، ولا عربي ولا أعجمي، ولا سني ولا شيعي.. فهؤلاء يستحقون القتل (أي أن يمتد إليهم السلاح!) إن مارسوا الإرهاب، وتلقوا الدعم من الخارج، ويكفي في إثبات التهمة، وتنفيذ الحكم بالقتل- بسبب ضعف الدولة- شهادة اثنين ولو من خصومهم!

    وكما هو منتشر جداً في البلاد اليمانية وغيرها؛ فإن هناك قناعة عند كثيرين في اليمن الرسمي والشعبي أن الحوثيين يمارسون أعمال القتل، والتدمير، وتفجير المنازل والمؤسسات العامة، والتهجير القسري كما حدث خلال الشهور الأخيرة فقط في صعدة وما يليها.. وهم أيضا مدعومون من الخارج (تذكروا الاتهامات اليمنية الرسمية لإيران بالتدخل في الشؤون اليمنية وإرسال دفعات متتالية من السلاح إلى اليمن، وبنسبة 99,99% فإن السلاح الإيراني مرسل لدعم الحوثين وليس السلفيين! بالإضافة إلى الدعم الإيراني الإعلامي الكبير وخاصة القناة الفضائية؛ الذي اعترفوا به وبرروه بأنه يشبه دعم قطر لقناة الجزيرة وأمريكا لقناة الحرة!).

     وبناءً على هاتين القناعتين الشائعتين فإن جماعة الحوثيين صارت عند الجمهور ووفقاً لفتوى ناطقها الرسمي: جماعة إرهابية محضة! ومدعومة من الخارج.. ومن ثم فإن مواجهتها عسكرياً أمر مشروع، وأي سلاح يوجه إليها هو سلاح حق وشرعي، ولا عمالة فيه ولا مؤامرة، ولا جناية على من يقوم به تماماً؛ كما أعطى الحوثيون لأنفسهم الحق في توجيه السلاح وقتل وتهجير من أتهموهم بأنهم إرهابيون ومدعمون من الخارج.. وكما تدين تدان!

*****

   كالعادة الحوثية، كان هناك اتهام مبطن للرئيس وصريح للحكومة بالعمالة لأمريكا والسعودية من خلال الاستعانة بهما في مواجهة أي تمرد سياسي أو عسكري.. وهذا الاتهام يضع الحوثيين أمام معضلة تاريخية وفقهية.. فمن حيث التاريخ، فالمعروف الثابت أن الأحزاب الرسالية الشيعية في العراق استعانت بالشيطان الأكبر لإسقاط نظام صدام حسين، وجاءت بالأجانب إلى العراق، وتعاون معظم الآيات وحجج الإسلام مع الاستعمار الأمريكي، ولم يجدوا في ذلك حرجاً في صدورهم، وسلموا له تسليماً.. ولم يعرف أن الحكومة الإيرانية مثلاً اعترضت على ذلك، وأمرت أحزابها ورجالها بإعلان الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي، ولو باللسان (أي الهتاف: الموت لأمريكا.. اللعنة على الأمريكان!).. أو أمرتهم بمقاطعة الاحتلال وعدم التعاون معه ومع أي حكومة عميلة تنشأ في ظله؛كما كان موقفهم القديم في أفغانستان الذي كانوا في الثمانينيات يبررون به للعرب المعجبين بالثورة الإيرانية الإسلامية موقفهم الرافض لدعم المجاهدين؛ لأنهم والعياذ بالله عملاء وصنائع لأمريكا التي تدعمهم في مواجهة الغزو السوفيتي!

     وصحيح أن الفتوى تتغير زماناً ومكاناً، لكن الشيطان الأكبر ظل هو القاسم المشترك في الفتويين؛ مع فارق أنه في أفغانستان كان يدعم بطريقة غير مباشرة.. أما في العراق فقد تبوأ البلاد، ونزل بجيوشه الجرارة، وفرض ما يريد من مجلس قيادي إلى حكومات إلى دستور إلى تقسيم طائفي للبلاد.. وفي كل ذلك كان الفقه الشيعي وقادة المرجعيات في داخل العراق وخارجه يوافقونه (ولو بالصمت على قاعدة: إذنها صماتها!)، ولا يرون في الذين يتعاونون مع الجهات الخارجية والشيطان الأكبر تحديداً ما يجعلهم يستحقون أن يوجه إليهم السلاح، بل كانوا ينددون بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال، ويصفونها بأنها عميلة وخوارج وتكفيرية وهابية! وفي اليمن لم نسمع أن الحوثيين مثلاً أفتوا بأن أمثالهم في العراق أجرموا بتعاونهم، وتحالفهم من الجهات الخارجية، ويستحقون القتل ولو على يد.. القاعدة أو البعث!

   فقهياً فقد اختلفت المذاهب في جواز الاستعانة بالكافر على الكافر، ومعظم المذاهب حرمت الاستعانة بالكافر ضد المسلم.. لكن المذهب الهادوي لا يمانع من الاستعانة بالكافر (أي الجهات الأجنبية) والفاسق على المسلمين البغاة.. وفي تاريخ الأئمة في اليمن حالات كثيرة استعانوا فيها – بدءاً من يحيى بن الحسين- بكفار التأويل والفسقة من الحاكم اليمنيين والأتراك وغيرهم كما يصفونهم ضد خصومهم.. بل واستعانوا بهم ضد بعضهم بعضاً (الابن ضد أبيه، والأخ ضد أخيه، وابن العم ضد أبناء عمومته، والصنو ضد الصنو! وفي بعض الحالات كانوا يتحملون تكاليف المجهود العسكري للأجانب مقابل أن يقاتلوا معهم ضد بني عمومتهم!). والحق أنه لو كان للقيادة اليمنية مستشارون يفهمون في المذهب الهادوي لأفتوا لهم بجواز الاستعانة بالقوات الأمريكية الكافرة وطائراتها الكافرة خاصة أنها بدون طيار، وجواز الحصول على الدعم الخارجي الإقليمي دون حرج لمواجهة أي تمرد ضد الدولة!

     لكن من يفهم؟ ولعل هذا نتيجة إقصاء.. العلماء الحقيقيين.. اللي بالنا بالكم!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قال تعالى”وان تتولوا يستبدل قوما غيركم” سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله من هم هؤلاء الذين يستبدلهم الله بنا ؟ وكان سلمان الفارسي الى جانب النبي فأجابهم النبي هم قوم هذا لو كان الدين في الثريا لناله رجال من فارس …صدقت يارسول الله “وما ينطق عن الهوى”

زر الذهاب إلى الأعلى