مقالات

الجاهلية السُلالية

بقلم/ علي المحثوثي

مرّ علي وأنا اقرأ في سورة البقرة ملمحٌ مهم يتعلق بفوقية قريش في الجاهلية على الناس في مظهر من مظاهر الاجتماع والمساواة (الحج)، وكانت قريش أنذاك قد اتخذت من هذا الاجتماع سبيلا لإثبات فوقيتها على الناس وتميزها من خلال مظهر (الحُمس) المتمثل بوقوفها في مزدلفة حال وقوف الناس في عرفات، فلما جاء الإسلام أذهب عنهم عُبّيّة الجاهلية وأذهب الحمس والتميز والفوقية على الناس بغير حق حيث قال الله لهم ﴿ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ النّاسُ} بمعنى حجوا مع الناس وأفيضوا معهم وتساووا معهم واتركوا الفوقيات، لكن هذا المظهر الجاهلي عاد من جديد بعد العهد النبوي والراشدي تحت يافطات جديدة كشرف النسب وطهارة السلالة ومكانة الأجداد وسند اللباس وغيرها من الفوقيات الحُمسية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ونتج عنها آثار سلبية عليهم وعلى الأمة فرأوا حصر الحكم في قبيلة وبطنين وسالت دماء وسقطت دول ودمرت شعوب بسبب ذلك، ووقعت الهجرات الى أقاصي الأرض خوفا وذعرا، وبسبب تلك الفوقيات صنعوا لهم فقها ليس من الإسلام كمنع تزويج بناتهم لغيرهم وطالبوا الأمة بمناداتهم بالسيد والشريف والحبيب، وسنوا لهم تقبيل الأيادي والركب لأجل شرف الإنتساب فقط، وتميزوا في مناطق بالعمامة الخضراء إشعارا للناس بأننا الآل، وهذه الفوقيات هي التي قصدها الإمام الشافعي بقوله: وهل في الأرض علويٌ إلا وهو يرى الناسَ عبيدا له.(مناقب الإمام الشافعي للبيهقي صـ ١٤٣) وبسببها صرخ العابد الزاهد زين العابدين بن علي الحسين في أهله وأتباعه حين رأى مبالغات شرف النسب وطغيان التعظيم والتصنيم؛ قال: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام ، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا. وحذرهم من صناعة الصنمية بالتعظيم لأهل البيت؛ قال : يا أهل العراق ، أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام ، فما زال بنا حبكم حتى صار علينا شينا.(سير أعلام النبلاء)، أقول هذا وأنا اقرأ هذه الرسالة لرجل يقولون عنه (عالم ومحدث وفقيه) يطالب الناس بمناداته ب(الشريف) قبل اسمه تميزا على الناس وعلى أنسابهم وذواتهم، ويزعم أن هذا مشروعا من دون أن يورد دليلا واحدا على المشروعية المزعومة، وإنما هي الفوقية النفسية، والطبع فوقي، واذا كانت عُقدة الفوقية موجودة عند الأعلم والأفقه فمابالك بمن هو دون للأسف، ومعلوم أن الناس سواسية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لافضل لعربي على عجمي) لاجنس ولالقب ولاسيد ولاشريف، فالفوقيات تخلق ردة فعل سلبية من كراهة الدين والنفور عنه، وعقدة الفوقية والإفتخار بالعنصر بالمناسبة هي أول مشكلة وقعت بين آدم وإبليس وبسببها انفجر الصراع بين الطرفين ﴿قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ﴾ فهو يرى أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين. وهي التي تفجر المشكلات بين الآدميين أيضا، والإنسان سيقاتل من أجل فوقيته وشرفه فضلا عن تحوير الأدلة لصالحه وتوظيفها لتعظيمه، والقضية نفسية أكثر منها شرعية، ولسنا هنا بصدد حشر كل مانعرف عن هذه القضية، وإن يسر الله كتبنا عن أسباب عقدة الفوقية، كما أنني اعتذر لكل أخ عزيز يرى في هذه الكلمة جرحا لمشاعره، أو طعنا في نسبه، لا والله ماقصدت ان أؤذي أحدا ولكنه الواجب الشرعي حين نرى اختطاف الإسلام لتكون فوقيته وشرفه لعوائل وأنساب على حساب أمة أرادها الله جميعا جميعا (أمة وسطا)(خير أمة أخرجت للناس)، والناس أحرار في ذواتهم وبأنسابهم، لكن لايعلو أحد على أحد (ولايفخر أحد على أحد) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى