الصحافة اليمنية تحت الحصار: عقد من الانتهاكات والقمع
الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
في ظل أجواء خانقة تخيم على الحريات الإعلامية في اليمن، نظّمت نقابة الصحفيين اليمنيين، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافة، مؤتمرًا صحفيًا بمحافظة تعز تزامنًا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يوافق الثالث من مايو من كل عام. وقدّم المؤتمر تقريرًا شاملًا يرصد أوضاع الصحافة خلال الأعوام العشرة الماضية، كاشفًا عن 2014 حالة انتهاك طالت الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، كان معظمها على يد مليشيا الحوثي المدعومة من النظام الإيراني.
واقع مرير
يواجه الصحفيون والإعلاميون في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي أوضاعًا معيشية قاسية، تتفاقم مع انقطاع رواتبهم، وفرض قيود مشددة على النشر وحرية التعبير، فضلًا عن إغلاق معظم الوسائل الإعلامية المستقلة. وقد أصبحت هذه السياسات أداة لتكميم الأفواه، واستهداف كل صوت لا يتماشى مع مشروع الجماعة.
تسببت هذه الظروف في طرد عدد من الصحفيين من منازلهم بعد عجزهم عن دفع الإيجارات، وتعرض بعضهم للاعتقال والضرب، ما يعكس حجم التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي تعانيه كافة شرائح المجتمع في تلك المناطق، ولا سيما العاملين في المجال الإعلامي.
وبسبب تصاعد القمع، اضطر العشرات من الصحفيين إلى ترك المهنة واللجوء إلى أعمال بديلة، بعد أن أُغلقت مؤسساتهم أو قُطعت عنهم الرواتب. في المقابل، لجأ كثيرون إلى الابتعاد عن العمل الإعلامي حفاظًا على حياتهم وسلامة أسرهم، بعدما باتت الصحافة في نظر المليشيا أكثر خطرًا من حمل السلاح.
أرقام تكشف حجم المأساة
وثّق تقرير نقابة الصحفيين اليمنيين، الصادر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، 2014 انتهاكًا ارتُكبت بحق الصحفيين خلال الفترة من 2014 إلى 2024، وشملت هذه الانتهاكات:
482 حالة احتجاز واختطاف وملاحقة
تعرّض فيها الصحفيون للاعتقال التعسفي على يد جماعات مسلحة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي، بهدف إسكاتهم ومنعهم من نقل الحقيقة.
244 حالة اعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام
شملت اعتداءات جسدية، وتخريب معدات إعلامية، واستهداف مباشر للمقرات الصحفية.
223 حالة تهديد وتحريض
مارست خلالها الجهات المسيطرة حملات تخويف ضد الصحفيين والصحفيات عبر الإعلام الرسمي والوسائل الإلكترونية.
212 حالة حجب لمواقع إلكترونية
استهدفت تعطيل المنصات المستقلة التي تنقل أخبارًا مخالفة للرواية الرسمية.
175 حالة محاكمة واستجواب
غابت عنها العدالة، وافتقرت لأدنى المعايير القانونية، واستُخدمت فيها التهم الجاهزة كسلاح لقمع حرية الرأي.
125 حالة إيقاف رواتب
هدفت إلى الضغط على الصحفيين وإجبارهم على التخلي عن مهنتهم.في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية.
74 حالة تعذيب في المعتقلات
تعرّض فيها الصحفيون للتنكيل الجسدي والنفسي خلال فترات احتجازهم.
72 حالة منع من التغطية الإعلامية
حدثت بشكل متكرر في الفعاليات والمناسبات الوطنية والإنسانية.
55 حالة شروع في القتل
في محاولات اغتيال مدروسة استهدفت إسكات الأصوات الحرة.
165 حالة إيقاف لوسائل إعلام
شملت إغلاق قنوات وصحف ومواقع إلكترونية، ما ساهم في تجفيف منابع الرأي الحر.
46 حالة قتل لصحفيين وصحفيات
دفعوا حياتهم ثمنًا لنقل الحقيقة في مناطق النزاع.
79 حالة فصل وإيقاف تعسفي
استُبعد فيها الصحفيون من مؤسساتهم دون مسوغات قانونية.
مصادرة ممتلكات عمل صحفيين
كالكاميرات والحواسيب وأدوات التوثيق، في إطار حملات ممنهجة لتقويض العمل الإعلامي.
شهادات من الميدان
شهد المؤتمر مداخلات مهمة، أبرزها كلمة عماد السقاف، رئيس فرع النقابة في تعز، الذي أشار إلى أن الصحافة في اليمن أصبحت هدفًا مباشرًا لمليشيا الحوثي التي تسعى إلى فرض صوت واحد، عبر القمع والتخويف والإقصاء.
كما شدد زكريا الكمالي، عضو النقابة، على أهمية تعزيز التضامن الدولي لحماية الصحفيين، مشيرًا إلى أن العمل الصحفي في اليمن أصبح مرادفًا للخطر، في ظل غياب الحماية القانونية، وتواطؤ بعض الأطراف ضد الإعلام المستقل.
وأكد صحفيون شاركوا في المؤتمر على ضرورة التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من حرية الصحافة في اليمن، داعين إلى تشكيل تحالفات محلية ودولية لدعم العاملين في هذا المجال، وملاحقة منتهكي حقوقهم قضائيًا.
التوصيات والخاتمة
أمام هذا الواقع القاتم، خرج المؤتمر بعدد من التوصيات الملحّة، أبرزها:
مطالبة المجتمع الدولي بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، والعمل على وقف الانتهاكات فورًا.
إنشاء صندوق دولي لدعم الصحفيين اليمنيين المتضررين ماديًا ونفسيًا.
الضغط على الجهات المسيطرة لإعادة فتح المؤسسات الإعلامية المستقلة.
سن تشريعات وطنية تحمي حرية التعبير والصحافة.
ضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين من العقاب.
ختامًا، يظل الصحفي اليمني في زمن الحرب صوتًا للحق، وقلمًا في وجه البنادق، يكتب من الألم، ويبحث عن النور في عتمة الصمت. ورغم القمع والتضييق، فإن حرية الصحافة ستبقى مطلبًا لا يُساوَم عليه.