مقالات

العالم العربي يحتاج إلى تشييد جسور وليس وضع قوائم إرهاب

 

د.مراد دهينة
د.مراد دهينة

د.مراد دهينة*

 

العالم العربي في حاجة إلى أشخاص ومنظمات لبناء الجسور بين مختلف مكونات المجتمعات، لتعزيز العمل السياسي السلمي وتشجيع التفاوض للتوصل لتسويات بدل التحارب.

 هؤلاء الأشخاص والمنظمات هم الذين باستطاعتهم تقريب وجهات النظر، وبناء الديموقراطية والاستقرار بشكل دائم، وضمان احترام حقوق الإنسان للابتعاد عن كل أنواع التطرف.

 

لكن اليوم وللأسف يتعرض هؤلاء الأشخاص والمنظمات بشكل عام لهجمات من قبل القوى الاستبدادية في المنطقة أعلنت الخزينة الأمريكية في 18 ديسمبر 2013 أنها وضعت الدكتور عبد الرحمن النعيمي، وهو رجل سياسي قطري معروف، في قائمة يطلق عليها “إرهابي دولي محدد بشكل خاص”، إضافة إلى عبد الوهاب الحميقاني الناشط السياسي اليمني ومؤسس حزب اتحاد رشاد اليمني، الذي توسط في حل العديد من النزاعات المحلية و شارك بشكل فعال في الحوار الوطني.

 

اتخذ الرجلان خطوات جريئة تختلف في كثير من الأحيان مع النظرة السائدة في محيطهم، لحث التيارات الإسلامية على العمل السياسي بعيدا عن الغلو والتطرف. وشجعوا هذه التيارات على تبني مفاهيم حقوق الإنسان، والعمل السلمي والمشاركة في المسار السياسي.

 

 لكن الحكومات المستبدة في المنطقة والعازمة على خنق الأصوات المطالبة بالديموقراطية ما فتئت تهاجم الرجلين وتتهمهم لدوافع سياسية. ويبدو أن الخزينة الأمريكية تبنت هذه الاتهامات دون تمحيص لتضعهم في القائمة المذكورة.

ويشرح الحميقاني في إحدى تصريحاته الأخيرة: “نحن مع علاقات تقوم على الرحمة والعدل والمساواة والمصالح المتبادلة والمشتركة، بعيدا عن التأزيم ورمي التهم جزافا، نريد أن يحيى ويبقى العالم بسلام في ظل تعايش جميع الديانات والشعوب ومنها الشعب الأمريكي والعالم العربي والإسلامي” وسبق أن اعتقل الدكتور عبد الرحمن النعيمي طيلة ثلاث سنوات دون إجراءات قانونية، بسبب تعبيره عن رأيه السياسي، وشدت انتباهه وقتها الحملة التي نظمها مدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات للمطالبة بالإفراج عنه، رغم أنهم لا يشاركونه آراءه السياسية، لكنهم كانوا مقتنعين بحقه في التعبير عنها.

 

وهذا دفعه فيما بعد بالاشتراك مع آخرين في تأسيس الكرامة سنة 2004 بجنيف بسويسرا، للدفاع عن كل الضحايا في العالم العربي دون استثناء، ثم التحقت بهم بعد ثلاث سنوات لأشغل منصب مديرها التنفيذي.

 

كان هدف الكرامة طيلة عشر سنوات هو الدفاع عن جميع من انتهكت حقوقهم دون اعتبار لانتماءاتها السياسية أو العرقية أو الدينية، وركزت عملها على الحالات التي يتعرض فيها الضحايا للقتل خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب، ذلك أن المنظمة على قناعة أن حماية المجتمعات من هذه الانتهاكات الخطيرة سيقود بها حتما إلى حماية الحقوق الأخرى.

 

تدافع الكرامة عن الضحايا بالعمل على ضمان متابعة قضاياهم من قبل خبراء الأمم المتحدة المعنيين برصد انتهاكات حقوق الإنسان، أو من قبل المنظمات غير الحكومية الأخرى أو وسائل الإعلام. كما تعمل على الدفع بالدول إلى تغيير سلوكاتها وتعديل قوانينها لتتوافق مع القانون الدولي وتشجيع الحكومات والمشرعين في المنطقة على تعزيز دولة القانون.

 

وأدت مجهوداتنا المتزايدة إلى تحقيق نتائج هامة، فعلى سبيل المثال ظهر مختفون في ليبيا كانوا قد غيبوا منذ عشرات السنين أثناء حكم القذافي، وآخرون كانوا معتقلين في السعودية دون إجراءات قانونية لسنوات إما حوكموا أو أفرج عنهم، وتغيرت قوانين أو تم المصادقة على أخرى في قطر ومصر والسعودية ولبنان. وبشكل عام نجحت الكرامة بفضل عملها المتواصل في حث المواطنين على المطالبة بحقوقهم في العالم العربي.

 

بل أكثر من ذلك بنت الكرامة جسورا؛ ففريقها العامل يجمع أفرادا من الشرق والغرب لهم خلفيات متباينة، فهم نساء ورجال مسلمون ومسيحيون، علمانيون ومتدينون، عرب وغربيون. وانتبه فريقنا خلال العشر سنوات الماضية أن لا شيء أفضل من التفاعل المباشر والعمل المشترك لتطوير التفاهم، والتعاطف وروح النكتة الطريفة حول الاختلاف: فالأمريكي يعمل جنبا إلى جنب مع اليمني والإسلامي مع الليبيرالي والعلماني، والنيوزلندية تزور زوجات السلفيين المعتقلين في الخليج. كل هذا من أجل هدف واحد في ذهن الجميع: أن يصبح العالم العربي في يوم من الأيام ميدانا يعيش فيه جميع الأفراد بكرامة تحت حماية القانون.

 

واشتهرت الكرامة لدى كل شركائها بقدرتها على الربط بين مختلف الطوائف في المنطقة وتقريب وجهات نظر الشرق والغرب وجمع المعلومات، وتوثيق الحالات والعمل مع قطاعات من المجتمع كانت تنظر إلى المنظمات الحقوقية كعميل لأجندات الغرب. كما عملت الكرامة على جعل أشخاص ينتمون إلى جميع التيارات، سواء الإسلاميين والعلمانيين والغربيين الذين لديهم تحفظات بشأن حقوق الإنسان لفهم مشترك لعالميتها وأهميتها بالنسبة لكل إنسان.

 

عمل الكرامة الفريد من نوعه وتأثيرها الواضح، جعلها منظمة غير مرغوب فيها من قبل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. وليس غريبا أن وصف وزارة الخزانة الأمريكية لأفراد مرتبطين بالمنظمة “بالإرهابيين” كان فرصة استغلتها العديد من أنظمة المنطقة ووسائل أعلام قريبة منها لتشويه سمعة الكرامة والتشكيك في عملها.

 

وما أثار استغراب العديد، هو أن تصدر الخزانة الأمريكية قرارا يحوي العديد من الأخطاء الجوهرية دون تقديم أدلة ضد رجلين عملا على بناء تلك الجسور، وتشجيع تطوير ثقافة حقوق الإنسان في المنطقة. واليوم يواجه المجتمع المدني في العالم العربي هجمات على جميع الجبهات، والوصف بالإرهابي هو السلاح المفضل لدى المهاجمين. فيعتقل الناشطون السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في الإمارات والسعودية ويتهمون بالإرهاب، في غالب الأحيان بسبب مطالبتهم بإصلاحات ديموقراطية. ففي مصر لم تتهم السلطات فقط أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلتهم بالإرهاب، بل كل من انتقد الحكومة منذ الانقلاب العسكري. وفي سوريا أيضا يوجه نظام بشار الأسد وحلفاؤه تهمة الإرهاب إلى كل المعارضين.

 

إن لجوء الولايات المتحدة الأمريكية المفرط “للوصف بالإرهاب” أو للعمليات العسكرية لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، يسهل مأمورية الأنظمة المستبدة في المنطقة العربية ويسمح لها بقمع مواطنيها على نطاق واسع. ثم إن اعتقال المئات لأكثر من عشر سنوات بمعتقل غوانتانامو أغلبهم تبث أن لا علاقة لهم بالإرهاب، وموت المئات من المدنيين في باكستان واليمن تحت ضربات الدرونز ووصفهم بالإرهابيين، مثالين على هذه الانتهاكات التي تتبادر إلى الأذهان.

 

أما بالنسبة لقرار الخزانة الأمريكية فيحتوي على مغالطات كالقول بأن الحميقاني كان يخطط لإنشاء حزب جديد في اليمن، بينما هو يترأس حزب اتحاد الرشاد الذي أسسه في يوليو 2012، أو اتهامه بكونه “أحد القيادات الهامة في القاعدة لشبه الجزيرة العربية”، بينما كن دائما ضد الإرهاب والعنف وخاصة الآثار السلبية للقاعدة على اليمن.

 

من حق أمريكا أن تعمل على مكافحة الإرهاب وضمان سلامة مواطنيها، لكن للقيام بذلك عليها أن تتوقف عن هذه الممارسات التي تزيد من حدة التوتر، بل إن هكذا سياسيات تغذي بدل أن تضع حدّا للإرهاب والتطرف. ويجب عليها كخطوة أولى اجتناب نسف الجسور التي شيدت بين المجتمعات وعدم الوقوف إلى جانب أولئك الذين يهاجمون المنتديات النادرة – مثل الكرامة – التي تعمل من أجل ذلك والتي جعلت التسامح والتفاهم المتبادل ممكنا في الواقع.

……..

المدير التنفيذي لمؤسسة الكرامة السويسرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى