العلاقات العربية – الصينية من التعاون الى الشراكة
بقلم / علي عبدالله البجيري
حينما نراقب تطوّر وتمحور صراع المصالح الدولية في وقتنا الراهن، نتيقّن أنّ ذلك الصراع يصب باتجاه بلورة هوية وطبيعة النظام الدولي الجديد المتعدد الاقطاب. وما نشاهده في عالم اليوم من صراعات سياسية وعسكرية واقتصادية متفاقمة، ما هي الا بمثابة العملية القيصرية لولادة ذلك النظام بكل سماته الايجابية والسلبية، ليشكل واقع جديد في العلاقات الدولية، لا يمكن لاي دولة او محور الا ان يتعامل على اساسها.
وفي ظل احتدام هذا الصراع الدولي والتسابق للسيطرة على أسواق العالم التجارية والثروات الطبيعية والمواقع الاستراتيجية، يبرز أمامنا محوران رئيسيان:
الأول.. هو ذلك المحور الذي يسعى الى تثبيت نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، للسيطرة على العالم بإستخدام القوة واتخاذ العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد كل من يخالف توجهاته.
والثاني.. فهو المحور الذي برز كرد فعل على هيمنة القطب الواحد، ويدعو الى ايجاد علاقات دولية متوازنة، مبنية على المصالح المتبادلة واحترام السيادة الوطنية وعدم الدخل في الشؤون الداخلية. هذا المحور تتكون اطرافه من تلك البلدان التي اصبحت لها قوة اقتصادية وعسكرية متطورة، فرضت نفسها في الواقع الدولي. وقد برزت كلا من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية كممثلتان لذلك المحور الصاعد.
والسؤال الذي يعنينا نحن العرب هو أين موقعنا من هذين المحورين، الذين افرزتهما الصراعات الدولية وتطوراتها المتسارعة والمتناطحة؟
وجود اقطاب متعددة في النظام الدولي الجديد يفرض علينا نحن العرب أن يكون لنا موقع متميز في ذلك النظام العالمي الجديد ، من خلاله يمكن لنا من توصيل أصوتنا وحماية مصالحنا وثرواتنا المالية والاستثمارية في بنوك عواصم العالم.
إختيارنا للموقع المستحق لنا في النظام الدولي الجديد، سينطلق من خياراتنا وما تمليه المصالح العليا لسيادتنا الوطنية، دون النظر إلى ما سيمارس علينا من ضغوط وتهديد ووعيد من قبل من كان مهيمن على مقدراتنا ومتحكم بقراراتنا وتوجهاتنا السياسية والاقتصادية.
وما زيارة الرئيس الصيني ” شي جين بينغ للمملكة وحضوره ثلاث قمم سعودية ،خليجية، عربية، إلا تتويج لموقعنا نحن العرب في النظام الدولي الجديد، معلنون عن حقنا في خلق علاقات وتوازنات سياسية تخدم مصالحنا في عالم مضطرب وملئ بالازمات والتحديات.
هكذا كانت القمة العربية الصينية وما تمخضت عنه من نتائح على طريق قيام علاقات استراتيجية متنوعة، تعكس مكانتنا نحن العرب في التحالفات والمحاور المتعددة القطبية، وخاصة مع الصين الشعبية وحلفاؤها وهي التي تشكل رقماً صعباً في العلاقات مع دول العالم المختلفة، وتتقدم بخطى قوية وثابته في كل المجالات الاقتصادية والعلمية، وبالتالي، فإن ازدهار العلاقات العربية الصينية تشكل أمان لمواجهة التحديات ، مع ادراكنا أن إمريكا والغرب بتاريخهما الاستعماري ستغضبهما هذه النتائج، ولكنها في الحقيقة نتائج تحمي بلداننا وثرواتنا ومستقبل أجيالنا.انها عنوان لمرحلة جديدة من التنمية والتعاون والأمن والاستقرار.
ولعلي أتوقف هنا عند بعض مما يقف خلف السطور المشار إليها اعلاه في النقاط التالية:
اولاً. العلاقات العربية مع الصين علاقات ندية ومصالح واحترام، فقد ارتفع التبادل التجاري بين الطرفين من 36.7 مليار دولار عام 2004، إلى 330 مليار دولار عام 2021، وفق أرقام «المنظمة العربية للثقافة والعلوم»، كما أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021، ما يعطي لهذه الشراكة بعداً اقتصادياً وسياسيا ذات اهمية في مسار العلاقات المتوازنة.
ثانياً..هناك قواسم مشتركة كثيرة بين الصين والدول العربية، أهمها ، التوجه الصادق لإقامة علاقات واضحة على أساس الأحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهذا النوع من العلاقات يشكل أساساً لتعاون فعال ، من دون خوف من تقلبات المواقف، بل انه يمثل أساس متين لعلاقات المصالح في عصر جديد باتت تتشكل فيه ملامح نظام عالمي أكثر عدالة.
ثالثاً.. الاستفادة من تجارب الاخرين، فمثلا ما حدث للاصول المالية الروسية في أميركا والغرب هو درس ينبغي أخذه بعين الاعتبار .. فقد تم مصادرة وتجميد أكثر من 600 مليار دولار … وإذا ما نظرنا إلى حجم الأموال والأصول العربية التي وبحسب تقارير مالية تبلغ قرابة 20 ترليون دولار ستكون عرضة للمصادرة مع أول مشكلة جذرية تطرأ مع الغرب سيفقد العرب كل ارصدتهم واستثماراتهم.
لقد وهب الله عز وجل أمة العرب ثروات هائلة، ولكن للاسف لم يتم استثمارها بالشكل الصحيح. فجرى استغلال بلداننا في الحقبة الاستعمارية و نهب الكثير من ثرواتنا ،ولم يكتفي الاستعمار بذلك بل ذهب بعيدا جدا بعدوانه على تاريخنا وتراثنا وتسليم فلسطين العربية للصهيونية العالمية،فمن حقنا أن نعيد النظر في توجهاتنا التجارية واستثماراتنا العالمية والتعامل بالندية.
ختاماً.. القمة العربية الصينية جاءت في الاتجاه الصحيح وارست ثوابت للتعاون والتنمية، على أن تعيد الدول العربية حساباتها وتوجهاتها الاقتصادية لتعكس تطلعات شعوبها والتعامل بمنطق العصر، الذي يتجه نحو التعددية القطبية والخروج من النفق المظلم لتحالفات الماضي واحادية النظام العالمي الذي ضلت الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على عرشه.