مقالات

المدرسة العلمية اليمنية ،، محمود البعداني

المدرسة العلمية اليمنية
خواطر غير مهمة لمن كان مشغولاً أو غير مشغول !!

المتأمل في المدارس العلمية الفقهية السنية في العالم الإسلامي يجد عدداً المدارس في بعض البلدان استطاعت أن تحقق تميزاً واستقلالاً فقهياً وعلمياً إلى حد ما.

فمثلاً: مدرسة شبه القارة الهندية مدرسة متميزة في فقهها ومناهجها التعليمية ومجامعها العلمية ، لها قراراتها وفتواها المتناسبة مع تحرير مناطات مجتمع شبه القارة الهندية، يستوي في هذا أهل الحديث أو الأحناف ، كلهم له منهجه التعليمي وسلمه الفقهي والعلمي ، وله مشايخه الذين ينوط بهم النوازل.

مثال آخر: المدرسة المغاربية المعروفة باستقلالها العلمي منذ قرون طويلة، تسير على المذهب المالكي في فقهها، سواء كان العالم مالكياً أو غير منتم إلى المالكية فإنه يسلك القواعد العامة في النظر والاستدلال عندهم، والتي تؤثر لا محالة على الاختيارات الفقهية والعلمية – [وفي نظرة أدق: تؤثر على البنية الفكرية للحركة العلمية هناك، وتؤثر على صلاتها الاجتماعية كذلك]

مثال ثالث: مدرسة الأزهر، والأمر نفسه يقال: فإن الناظر إلى أبناء الأزهر عامة (سلفيهم وأشعريهم- حنفيهم ،مالكيهم، شافعيهم، حنبليهم) يجد أنهم يتميزون عن غيرهم ممن ينتمي إلى المذهب أو المعتقد نفسه في العالم ممن درس على مدارس أخرى ، في فهمهم للواقع، في مقدار تعاطيهم مع النصوص والأقيسة، في مستوى قبول ثقافة الحوار ، هذا كله نتاج مدرسة أوسع من أن يقال عنها: مدرسة فقهية أو علمية فحسب، ولكنها كذلك مدرسة في بنية التفكير، ومدرسة في صناعة الوعي، ومدرسة في الروابط المجتمعية.

ومثال رابع: المدرسة السعودية (وفي الأصل الفقهي والعلمي أن المدرسة النجدية ليست هي المدرسة الحجازية بالضرورة، لكن وضع المدرسة السعودية أوجد تداخلاً واندماجاً بينهما ) وهي مدرسة متميزة في مسلكها الفقهي والعلمي عامة، لها مناهجها ، علماؤها، مجامعها العلمية، فتواها، واقعها، كل هذا أسهم في استقلالها عن سواها من المدارس العلمية، بل وأسهم في قوة أثرها ونفوذها في مجتمعات عديدة.

هذه المدارس استطاعت استنساخ صور متعددة عنها في عدة بلدان من العالم ، وربما يقال: استنسخها المسلمون في عدد من بلدان العالم الإسلامي ومناطق الأقليات، فهناك المغاربة في أوروبا وأمريكا نقلوا فقههم ومشربهم العلمي بما فيه من بناء فكري اجتماعي، وكذلك الحال في الهنود والباكستانيين والبنجال المهاجرين في عدد من دول المحيط الهادي، ودول أفريقيا.
والحال نفسه في الأزهر والمدرسة السعودية من خلال طلابهما في العالم

هل هناك مدرسة يمنية؟
إذا كان الكلام عن المدارس السنية فليس هناك مدرسة يمنية مستقلة ، هناك مراكز ومعاهد وجامعات تتبع في مناهجها وطرائقها في التفقه وبنائها الفكري والاجتماعي (وحتى السياسي) مدرسة السعودية أو الأزهر
هذا خلافاً للمدرسة الزيدية التابعة للمدارس الشيعية والتي تمثل نمطاً يمنياً مستقلاً في الإطار الشيعي

هل مقومات مدرسة علمية ليست متوافرة في الوضع اليمني؟
ليس السبب في عدم توافر مقومات نشأة مدرسة فقهية سنية يمنية ، فقد كانت نواة هذه المدرسة متوافرة في فقه علماء اليمن ومسالكهم في التعليم منذ القدم، ولكن هناك أسباب أخرى، غالبها يدور حول عدم الثقة بالنفس ، وأذكر أني سألت باحثاً رحالة من أرض الجزائر منذ سنوات عن الوضع العلمي في اليمن؟ فأجاب بما حاصله : أن الإشكال هو في عدم الجرأة العلمية على الاستقلال!
هل هذا هو السبب المؤثر؟ وهل هناك أسباب أخرى؟ هذه تساؤلات بحاجة إلى بحث معمق، ولكن أياً كان السبب فمن المؤكد أن هناك اتفاقاً أن الفقه السني والحركة العلمية الشرعية السنية في اليمن عموماً في هذا العصر في مرحلة استنساخ لمدارس أخرى، أسوة ببلدان الأقليات التي مرّ التمثيل بها !

في بلدان أخرى تبدو غير مستقلة في مسلكها العلمي منذ القدم كالسودان بدأت محاولات لتكوين نواة مدرسة مستقلة، من خلال المجامع الفقهية السودانية، والمجامع الفقهية أمر أخص من الهيئات العلمية واتحادات العلماء ، إذ تعنى الأولى بتحرير النوازل وبناء مناهج العلم، خلافاً للاتحادات والهيئات التي عملها شعبوي إلى حد ما ( ولكل أهميته بلا شك).
وهذه الكويت مع أن المتوقع في حقها أن تكون انتساخاً للمدرسة السعودية إلا أنها حاولت الجمع بين المدرستين السعودية والأزهرية، حتى إن سلفيي الكويت مثلاً لا يخطئ المتابع لمواقفهم العامة أن يدرك اختلافهم عن الموقف العام لسلفيي السعودية في الرؤية الفقهية والواقعية وآليات الحوار لعدد من الأمور المهمة.

هل يمكن أن يكون إنشاء مجمع فقهي يمني على مذهب أهل السنة والجماعة نواة للمدرسة العلمية اليمنية لها شكلها الفقهي ، وثقافتها الأدبية، وأسلوبها في الحوار، وتأثيرها وتأثرها بالبنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى