المولد النبوي : الحوثي على خطى الخميني
بقلم/يحيى الثلايا
في العصر الحديث، حين قرر زعيم الثورة الايرانية روح الله الخميني إحياء فكرة الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، كان يعلم جيدا أنه ليس هناك اي استناد حقيقي او علمي يؤرخ للحادثة، ولما وجد أن بعض الاراء تتفاوت بين الثاني عشر من ربيع الاول والسابع عشر من الشهر ذاته، لجأ لاختراع حيلة جديدة للاستغلال السياسي لهذه المناسبة، فاخترع مسمى جديدا اطلق عليه (أسبوع الوحدة الاسلامية) يبدأ يوم 12 وينتهي يوم 17 من ربيع الاول!، كان هذا السخف عام 1981م.
قبل ذلك بقرون، حين قرر الملك المعز لدين الله الفاطمي اختراع فكرة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في مصر كان يحتفل به عاماً في الثامن من ربيع الأول والعام التالي في الثاني عشر من الشهر، وتقول الروايات ان اول اختراع لهذه المناسبة كان في العام 934م.
أي أنه لم يهتدِ لتاريخ محدد لمولد خاتم الأنبياء وعظيم المصلحين فالعرب لم تكن تهتم بتدوين مثل هذه المناسبات فلجأ إلى التخمين.
في الايام الماضية طالعت اغلب المراجع الزيدية القديمة والمتأخرة في التراجم والسير والتاريخ، كلها لم تشير إطلاقا إلى أي تاريخ لمولد النبي صلوات الله عليه.
ومن باب المقاربة والتحقيق، كان المرجع الزيدي المطلق مجد الدين المؤيدي قد أورد في كتابه المسمى (التحف في شرح الزلف) أن ميلاد النبي صلوات الله عليه وسلامه وقع يوم التاسع من ربيع الاول.
وكان المؤيدي قد اوضح في مقدمة كتابه أنه استخلصه من كل مصادر ومراجع الشيعة ومؤرخي ال البيت اا
لكن عبدالملك الحوثي أخذ بكل ذلك عرض الحائط وقرر اتخاذ يوم 12 من ربيع الاول حدثا سنويا للمتاجرة برسول الله صلوات الله عليه وتقديمه كمؤسس لشركة بني هاشم الاستعمارية وليس كنبي يحمل رسالة الله إلى العالمين.
ولد محمد بن عبدالله في مكة يتيماً فقيراً، وكانت حياته الشخصية مليئة بالمرارة والعصامية والتدرج في مراتب الكمال الإنساني.
على أحد جبال مكة وقف رسول الله في بداية دعوته معلناً: يا بني هاشم .. يا بني عبد مناف .. يا فاطمة بنت محمد .. يا صفية .. لا أغني عنكم من الله شيئاً …
لم يتبعه غالبية أقاربه وعشيرته إلا بعد أن استتب له الأمر ودانت له العرب والعجم ..
وبعد تلك السنين جاء بعض أقاربه وأدعياء الانتساب إليه ليقولوا إن محبتهم توصل الناس إلى الجنة وإنهم سفينة من ركبها نجا.
النبي الذي رفض استغلال مكانته ﻷن يمنح ابنته فاطمة خادمة تعينها في منزلها وألزمها بالاستغفار عن ذلك الطلب، جاء من يزعمون أنهم أحفادها ليقولوا إن النبي “ص” منحهم حكم البشرية من بعده !!
لم يكن رسول الله من أعلى بيوت العرب أو قريش مرتبة، ولم يكن أعظمهم مكانة وكثيراً ما كان يردد حين بلغ مجده الآفاق “إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة”.
أي: ليس لي من ميزة أو اختصاص يميزني عن البشرية .. فقط أنا حامل رسالة وانتم ملزمون باتباعها.
ليس هناك من امتياز أو تمييز منحه النبي صلى الله عليه وسلم لأقاربه .. ولم يطلب من أحد أن يميزهم أو يتقرب إليه بمحبة أقاربه.
في سياق الاستغلال التجاري للنبي يسوق البعض إن المصطفى كان يحب ابنته وأبناءها لكنه يتعسف استخدام الفكرة وتفسيرها !!.
نعم كان يحب فاطمة وبنيها لأنه بشر مثلكم، وللاقتداء به يلزمكم أن تتبعوه بمحبة بناتكم أنتم وليس بناته وأبنائهن أيها العرب الذين شاع فيكم وأد الاناث وكراهية أبنائهن.
(النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم، وازواجه امهاتهم، وأولى الارحام أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين).
هكذا يقطع النص القرآني الصريح ان لا امتياز لبشر غير النبي.
في تراثنا الإسلامي كثير من النصوص المغلوطة والتفسيرات الاستغلالية صارت بحاجة ماسة للمراجعة.
منعا للاستغلال السياسي والتجاري الذي قد يمارسه اقارب النبي بحجة قرابتهم من النبي، كان رسول الله قد بادر إلى هذا المبدأ العظيم فحرم على أقاربه الاقتراب من إيرادات الزكاة منعاً لاستغلالهم لنفوذ القرب منه. ولم يؤثر عنه انه اسند إليهم ولايات مهمة، وحين امتنع عمه العباس عن أداء زكاته ذات مرة التزم بتسليمها عنه لأن لا أحد فوق القانون.
جاء بعده أبو بكر وعمر ووضعوا على أقاربهم قيوداً تحد من ممارستهم السياسة والاستثمار لكونهم أقارب الحاكم.
وحين جاء عثمان وعلي رضي الله عنهما ربما حادوا قليلا عن هذا المسلك فقرب عثمان بني أميه منه، وقرب علي بنيه وبني هاشم ولم يقيدوها فكان ذلك بداية المأزق السياسي في الإسلام.
الصلاحيات غير المشروعة واستغلال القرابة خارج القانون هي التي جاءت بالحسن بن علي ويزيد بن معاوية خلفاء لاباءهم.
لكن المؤكد في سياق هذا التطور نحو الانحدار السياسي في الدولة الإسلامية أن علياً وعثمان ومعاوية وأبو العباس السفاح لم يقولوا للمسلمين إن الله يلزمهم بالتسليم لبنيهم بل كانوا يمارسون السياسة وفقاً لاجتهادهم.
كان عبدالله بن الزبير أكفأ وأجدر من الحسن بن علي كما كان بن العاص أكفأ وأجدر من يزيد بن معاوية، لكنها صراعات السياسة فقط ولكل مجتهد نصيب.
هذا التحشيد السنوي التعبوي الذي يمارسه عبدالملك الحوثي تحت مسمى الاحتفال بالمولد هو عمل سياسي واستغلالي فج ومكشوف، لايستند على أية مشروغية علمية او حاجة اجتماعية اة فائدة ملموسة، مهرجانات انتخابية لا اكثر، خلاصتها تقول: من يحتفلون بالمولد النبوي هم ضمنا يبايعون عبدالملك.
دعونا نكن أكثر وضوحا .. ليس هناك نص ديني يدعو للاحتفال، بالمولد بل ليس هناك وثيقة ثابتة تحدد تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم .. لكن يأتي نفر يقولون إنهم أحفاده يقدمون المناسبة كتذكير بقرابتهم منه ليطالبونا بالتنازل عن إدارة حياتنا لهم.
حين انقلب بنو أمية على الأمة ونصبوا أنفسهم حكاماً عليها انطلقوا من شطارتهم والدهاء واستغلالهم للقرب من مركز القرار السياسي.
وحين قرر بنو هاشم منافسة إخوتهم بني أمية انطلقوا من استغلال علاقة القرابة من النبي ربما لافتقادهم دهاء بني أمية.
أنجز الهاشميون انقلابهم ووصل العباسيون للحكم فبدأوا فوراً بتصفية العلويين وقالوا بأن قرابة العباس وأبي طالب من رسول الله واحدة وأن جدهم أسلم وأبا طالب لم يسلم فهم أحق، وزادوا القول إن أبناء البنت لا يدخلون في الميراث فيما اتجه العلويون للاستعداد لانقلاب جديد !!.
وبسبب صراعات قريش – بني هاشم خصوصا – على السلطة اتجهت أعظم امبراطورية في الدنيا للانحسار والفساد والاستبداد والحروب الداخلية والتخلف الفكري، وانصرفت طاقات الأمة لاختراع قضايا خرافية وكارثية.
يقول كل المؤرخون انه في كل المراحل التي تمكن فيها بنو هاشم من الظفر بسلطة جزئية او واسعة فإن كل فترة السلطة هذه لم تتوسع فيها دولة المسلمين شبرا ولم تحقق الامة فيها انجازا تفخر به، بل تذهب كلها فتن وحروب داخلية وتمزيق لصف الامامة واثارة للخرافة والكهنوت.
كان بإمكان ال هاشم أن تكون قبيلة كبني مطر وبني حشيش وغيرها لكنها لم تتحول إلى قبيلة يمنية رغم أن اليمن اندمج فيها الهنود والأحباش والفرس والأتراك والمغاربة وكل البشر الذين تتالت موجات هجرتهم إلى اليمن عبر التاريخ.
وإذ يدركون جيدا ان اليمن واجهت عنصريتهم عبر التاريخ بممانعة كبيرة وعدم ذوبان وظلت تتعامل معهم كغرباء وأجانب و”هجرة”، فإنهم يلجأون للتستر خلف جلباب النبوة ويعوضون نقصهم باختراع الهالات الزائفة والاحاديث المكذوبة والمناسبات التعبوية التي يعتقدون أنها ستحول بين الشعب وحقه في الحياة.