مقالات

بناء الدولة: رؤية للتغيير والتقدم

بقلم / صالح يوسف
الدولة هي المسؤولة الأولى عن إدارة شؤون شعبها. تاريخيًا، بدأ الإنسان في شكل عائلات صغيرة، ثم تطورت هذه الوحدات إلى قبائل، فمدن، ومع مرور الوقت وتزايد المصالح، توسعت الدولة لتشمل مناطق أكبر، حيث تتكامل فيها الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية. هذه هي الرحلة التي درَسناها في مراحل التعليم، لكن يبقى السؤال الأهم: كيف نبني الدولة؟ هل يكون البناء من خلال شعارات جوفاء أم عبر نظريات أثبتت فشلها في الواقع؟ أم هل يكون بناء الدولة من خلال زعامات تظهر ثم تختفي، تاركة وراءها سرابًا؟
إعادة بناء الدولة لا يتوقف عند حد الشعار أو الهدف، بل هو مشروع يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وعملًا جادًا. يحتاج هذا المشروع إلى جيل واعٍ ومدرب، يؤمن برسالته ويكون مستعدًا لدفع ثمن التغيير المادي والمعنوي، بما في ذلك تعديل الثقافة السائدة وتطوير المنظومة المعرفية والنفسية في المجتمع. وهذا يتطلب تحولات جذرية في العقلية السائدة، حيث يصبح التعامل مع الاختلافات أمرًا طبيعيًا لا يمس كرامة أي فرد.
ومع الأسف، نجد أن الجميع في وطننا الحبيب يتحدث عن بناء الدولة، وتتعالى الأصوات بالشعارات في كل زاوية. ولكن رغم ذلك، تظل الأسئلة نفسها: هل تؤدي هذه الشعارات فعلاً إلى بناء الدولة؟ وما هي الأسس الحقيقية التي يجب أن يرتكز عليها هذا البناء؟ إن جميع القوى السياسية تتحدث عن بناء الدولة، حتى الحوثيون الذين اجتاحوا المحافظات ودخلوا العاصمة، ودمروا المدارس والمستشفيات وأضروا بالموارد البشرية تحت نفس المبرر: بناء الدولة. لكن من الواضح أن هذا لا يساهم في بناء دولة حقيقية، بل يؤدي إلى تدمير أسسها.
أما بالنسبة لأنظمة الحكم، بغض النظر عن كونها ديمقراطية أو دكتاتورية أو وراثية، فإن كل نظام يحمل مزايا وعيوبًا. الهدف الأساسي هو تحقيق الاستقرار وبناء الدولة، وهو ما يتجاوز الأيديولوجيات. بناء الدولة يتطلب عقلية نزيهة تقوم على الاستشارة والتعاون، بعيدًا عن الهياكل المستوردة التي قد تحمل معها الفساد ولا تلتفت إلى التنمية الحقيقية.
ولكن هل نحن كبشر قادرون على بناء تصور مدني مثالي لدولتنا؟ كلما تصورنا أننا قادرون على تحقيق ذلك، اصطدمنا بواقع الحياة. فكما أظهرت التجارب، فإننا نواجه صعوبة في إدارة شؤوننا بعدل وتوازن. لذا، نحن بحاجة إلى تحكيم القيم العليا في جميع شؤون حياتنا. يجب أن تظل المبادئ الإنسانية والتعايش المشترك حاضرة كأساس لبناء المجتمع والدولة.
من هنا يبرز سؤال آخر: ما هي المقومات الأساسية لبناء الدولة؟ الجواب يكمن في قيادة تتحلى بالمسؤولية، ونظام يعزز الأمن والاستقرار، ورؤية استراتيجية تشمل برامج تنموية تهدف إلى رفاهية المجتمع. كذلك، لابد من قوة عسكرية تحافظ على الأمن، وحوار مجتمعي حقيقي يشارك فيه الجميع.
في هذا السياق، لفتت انتباهي أطروحات حزب الرشاد حول بناء الدولة ورؤيتهم البناءة. فهم يعززون دور مؤسسات الدولة الوطنية مثل القضاء، الهيئات الرقابية، والبرلمان. هذه المؤسسات يجب أن تعمل بحرية وحيادية لخدمة المصلحة العامة. كما يركزون على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحسين توزيع الثروات والموارد، مع إعطاء الأولوية لقطاعي التعليم والصحة.
أما في ما يتعلق بحقوق الإنسان، يولي حزب الرشاد اهتمامًا كبيرًا بحماية هذه الحقوق وتشجيع المشاركة المجتمعية في صنع القرارات. هذه الرؤية تقوم على أساس النظام، العدالة، والمساواة، ومكافحة الفساد. وهي المبادئ التي جعلت الدول المدنية المتحضرة تحقق نجاحًا استداميًا. تبني هذه المبادئ قد يعزز مكانة الوطن ويحقق التقدم المستدام، مما يسهم في بناء دولة قوية ومزدهرة.
في الختام، بناء الدولة ليس مهمة سهلة، ولا يتم من خلال الشعارات أو الهياكل التقليدية المكررة. بل هو يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وعقليات نزيهة، ومشاركة فعالة من جميع شرائح المجتمع. الطريق إلى النجاح يقتضي تبني نظام سياسي قائم على الحكمة والعدالة، ويعتمد على المبادئ القويمة للدين، ويؤمن بالمشاركة الفاعلة لجميع المواطنين في بناء وطن يسوده الاستقرار والازدهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى