تأثيرات العنف على الاقتصاد المصري ،،
السلمية كانت الطابع المميز لثورة 25 يناير بمصر، إلا أن الذكرى الثانية للثورة شهدت سلوكًا نوعيًا سلبيًا، إذ اتسمت الاحتجاجات بالعنف، الذي امتد لمحاولات شل حركة السكك الحديدية، أو الاعتداء على أقسام الشرطة، أو محاولات إيقاف مترو الأنفاق الذي يعد شريان حركة النقل بالقاهرة.
كما أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أُعلن عن فرقة تتبنى العنف وتعلن عن عدم إيمانها بسلمية الثورة، وهي الفرقة التي أطلقت على نفسها مسمى الكتلة السوداء أو “البلاك بلوك”. وقد مورست أعمال من شأنها أن تؤدي إلى إرباك الحياة الاقتصادية بشكل أكبر، مثل الاعتداء على ميناء بورسعيد والمنافذ الجمركية هناك، والاعتداء على فندق سميراميس بقلب القاهرة مما استدعى أن تنقل وزارة السياحة نزلاء الفندق لفندق آخر، وهو ما كبّد وزارة السياحة حوالي 15 مليون دولار. ومن قبلها حاول المتظاهرون محاصرة مبنى البورصة المصرية.
هذه الأعمال جعلت بعض المسؤولين يتخوفون على مستقبل أداء الاقتصاد المصري، الذي لا يزال يعاني من الآثار السلبية لأحداث الثورة، فضلا عن مشكلاته المزمنة. فقد أعلن وزير الاستثمار أن من شأن استمرار أحداث العنف أن يدفع عجز الموازنة العامة للارتفاع لنحو 200 مليار جنيه، بزيادة قدرها نحو 30 مليارا عن معدلات العام المالي الماضي 2011-2012.
”
من شأن استمرار أحداث العنف أن يدفع عجز الموازنة العامة للارتفاع لنحو 200 مليار جنيه بزيادة قدرها نحو 30 مليارا عن معدلات العام المالي الماضي 2011-2012
”
ولم تدرك القوى السياسية التي دفعت البعض لممارسات العنف أو أيدتها حجم التكلفة التي سيتحملها الجميع جراء العبث بالشأن الاقتصادي، ولكن الخطر هنا يكمن في حالة الإفلاس السياسي الذي تعرضت له قوى المعارضة في مصر وخسارتها لرهان حالة الفوضى وسقوط الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وهذا السيناريو كان يتوقع حدوثه على مدار يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني الجاري. ولم يكن لدى المعارضة خطة بديلة في الإطار السياسي، فساعدت على شيوع ممارسة العنف، وهو ما سيؤدي إلى خسارتها للشارع بنسبة كبيرة. وسوف تظهر نتيجة تراجع شعبية المعارضة المصرية بالشارع في أقرب انتخابات عامة في مصر.
والملاحظ أن الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير ينتظر لحظة الانطلاق ليثبت أن أهداف الثورة يمكن تحقيقها، وأن العدالة الاجتماعية يصعب تحقيقها في ظل تراجع المؤشرات الكلية للاقتصاد.
وفيما يلي نتناول أثر ممارسات العنف التي جرت منذ يوم 25 يناير/كانون الثاني الحالي على الاقتصاد المصري.
زيادة عجز الموازنة
بيانات العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران 2012 تشير إلى وصول العجز بالموازنة المصرية إلى 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي، بواقع 165 مليار جنيه مصري. وفي حال صحة توقعات وزير الاستثمار بوصول العجز إلى 200 مليار جنيه بسبب ممارسات العنف، فإن ذلك يعني وصول العجز لمستويات تتجاوز 12% من الناتج المحلي الإجمالي.
وهذا يضعف قدرة مصر على الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ذلك لاشتراط الصندوق بشكل عام -بغض النظر عن حالة مصر- أن يتم خفض العجز بالموازنة العامة للدولة.
وإذا علمنا أن موازنة العام المالي 2012-2013 تستهدف خفض العجز إلى 7.6%، فإن الوصول لهذا الهدف في غاية الصعوبة، لأن تعطيل حركة النشاط الاقتصادي تعني بالدرجة الأولى خفض الإيرادات العامة للدولة ومزيدا من الدين العام المحلي الذي وصل إلى 1.23 تريليون جنيه مصري في سبتمبر/أيلول 2012.
فاستمرار زيادة العجز يؤدي إلى زيادة المديونية، وزيادة المديونية تؤدي إلى زيادة العجز وهكذا، وهو ما يشل يد صانع السياسة المالية في تحسين الخدمات العامة في قطاع الصحة أو التعليم أو الخدمات العام، أو الجانب الأهم في الجانب الاجتماعي، من القدرة على مواجهة الفقر والبطالة، بل من المؤكد أن زيادة العجز من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الفقر الذي وصلت معدلاته إلى 25% من عدد السكان، والبطالة التي تجاوزت حاجز 14%.
تأثير سلبي للصادرات
تبلغ قيمة الصادرات السلعية المصرية نحو 27 مليار دولار، منها نحو عشرة مليارات صادرات بترولية. ويعول القطاع السلعي غير البترولي على زيادة صادراته، ويمثل انخفاض قيمة الجنيه المصري حاليًا فرصة كبيرة لقطاع التصدير المصري.
لكن هذه الميزة يهددها عدم انتظام حركة النقل وتعطيل الطرق، بل الأهم في حركة العنف التي يمارسها البعض أن تتجه هذه المحاولات لإغلاق الموانئ كما حدث في الإسكندرية وبورسعيد والسويس.
”
بعد أن وصل قطاع السياحة في مصر إلى معدلات قريبة جدًا من عام 2010، أتت أحداث العنف لتضفي أجواء سلبية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع المؤشرات السياحية لمصر بشكل كبير
”
وهناك تحد آخر يواجه الصادرات المصرية وهو انصراف مستوردي السلع المصرية إلى أسواق أخرى في حالة عدم انتظام الصادرات المصرية في المواعيد المحددة لها. ويعد الاعتماد على زيادة الصادرات المصرية من أهم أدوات تقليص العجز في الميزان التجاري، وبخاصة بعد الثورة المصرية، إذ زادت الواردات بمعدلات كبيرة.
مخاوف سياحية
رسالة مجموعات العنف، التي مارست أعمالها أثناء احتجاجات المتظاهرين في ذكرى ثورة 25 يناير، لم تكن عشوائية، ولكن الغرض منها إصابة الاقتصاد المصري في مقتل.
فبعد أن وصل قطاع السياحة في مصر إلى معدلات قريبة جدًا من عام 2010، أتت أحداث العنف لتضفي أجواء سلبية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع المؤشرات السياحية لمصر بشكل كبير.
وحدث الاعتداء على فندف سميراميس ذو دلالات سلبية سيئة، إذ تنقل وسائل الإعلام العالمية هذه الأخبار، فتقوم الأسواق الخارجية في قطاع السياحة وغيره برسم صورة قاتمة عن مستقبل الاقتصاد المصري، الذي يعول على قدوم استثمارات أجنبية مباشرة بصورة كبيرة خلال المرحلة القادمة.
فحسب بيانات معلنة من وزارة السياحة بلغ عدد السياح خلال عام 2012 نحو 11 مليون سائح، وحققت الإيرادات السياحية نحو 13 مليار دولار خلال نفس العام. إلا أن أحداث العنف أدت إلى انخفاض حالة الإشغالات بفنادق القاهرة بشكل ملحوظ بلغ ما بين 10% و20%.
وامتد هذا التأثير السلبي إلى فندق المناطق السياحية. ففي الغردقة بلغت نسبة الإشغال نحو 58%، وفي شرم الشيخ بلغت 57%, على الرغم من وجود عطلة نصف العام الدراسي في مصر وفي الدول العربية، وهو الموسم الذي كانت فيه فنادق ومنتجعات المناطق السياحية تحظى بنسبة إشغال عالية تصل إلى 100%.
كما أُعلن من قبل مسؤولي وزارة السياحة المصرية عن إلغاء رحلات سياحية كان مقررا لها زيارة مصر خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط. ويتخوف هؤلاء المسؤولون من عدم وجود حجز لرحالات سياحية خلال الفترة القادمة بسبب هاجس المخاوف الأمنية.
وإذا عاد الركود لقطاع السياحة إلى ما كان عليه في النصف الأول من عام 2011 عقب اندلاع ثورة 25 يناير فسوف تكون هناك خسائر كبيرة متمثلة في ارتفاع نسب البطالة وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهذا القطاع بشكل مباشر وغير مباشر، التي يقدرها البعض بنحو 80 صناعة.
قرض الصندوق
يراهن صندوق النقد الدولي على حالة الاستقرار السياسي لدى الدول التي يتعامل معها، ومن شأن إطالة أمد ممارسات العنف أن تجعل الصندوق أكثر ترددًا في منح مصر القرض الذي ينتظره الاقتصاد المصري ليمثل ضخ دماء جديدة في شرايين السيولة من العملة الصعبة، والمقدر له أن يبلغ 4.8 مليارات دولار.
وتحتاج مصر لقرض الصندوق لأسباب أخرى غير الحصول على السيولة، وهي تحسين وضعها على مؤشر التصنيف الائتماني الدولي، الذي تراجع أكثر من مرة على مدار العامين السابقين، وانعكس هذا التقييم السلبي على تصنيف البنوك المصرية كذلك، التي انخفض تصنيفها الائتماني بالتبعية.
”
بلغ عدد السياح خلال عام 2012 نحو 11 مليونا وحققت الإيرادات السياحية نحو 13 مليار دولار خلال نفس العام.
”
وكذلك يعتبر التوقيع على قرض الصندوق بمثابة شهادة لجهات أخرى قررت تقديم قروض ومنح للاقتصاد المصري شريطة التوقيع على اتفاق صندوق النقد الدولي. وكلما تأخر قرض الصندوق عن الاقتصاد المصري، تعثرت خطوات الإصلاح الاقتصادي والمالي لمصر.
ويأتي تأثير ممارسات العنف الحالية سلبيًا على المفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد، الذي لا يزال يبعث برسائل طمأنة بشأن حرصه على تقديم المساعدة للاقتصاد المصري، وتقديره لما تمر به مصر من أحداث سياسية غير مستقرة.
تراجع الدور الرقابي
تتسبب أحداث العنف في بعض المناطق بمصر في تكثيف وجود الأجهزة الأمنية من أجل مواجهة ممارسات العنف وتخفيف آثارها السلبية. وفي ظل هذه الأجواء لوحظ أن هناك موجة من ارتفاع الأسعار غير المبررة، مثل أجرة الحافلات الصغيرة (ميكروباص) بالخطوط الداخلية وبين المحافظات، وكذلك ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية، بحجة ارتفاع تكلفة النقل بسبب تعطيل الطرق، وانتظار السيارات لفترات طويلة وتعرضها للتلف والتكسير، وبالتالي فارتفاع الأسعار بهذه الصورة يزيد من الأعباء المعيشية على كاهل الأسرة المصرية.
الملاحظ أن هناك حالة من الرفض داخل الشارع المصري لممارسات العنف لخروجها عن سياق وأهداف الثورة المصرية من جهة، وبسبب ما تؤدي إليه هذه الممارسات من تكلفة عالية على المجتمع المصري بشكل عام، وعلى الأداء الاقتصادي بشكل خاص، من جهة أخرى.
المصدر : الجزيرة نت .