تقارير ومقابلات

حضرموت وطقوس رمضان: موروثات الأصالة والفرح في وادي الأجداد

الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
يستقبل أهل محافظة حضرموت شهر رمضان المبارك بقلوب مفعمة بالفرح والسرور، حيث تجسد الأجواء روحانية الشهر الكريم وتقاليده العريقة التي يتوارثها الأبناء عن الأجداد. في وادي حضرموت، تصبح أيام رمضان حدثًا استثنائيًا، يتجدد فيه تواصل الأهل والأقارب عبر التهاني والتزاور، ما يعكس عمق الروابط الاجتماعية التي تزداد قوة في هذا الشهر الفضيل.

التحضيرات الرمضانية:

تبدأ الاستعدادات في حضرموت مع حلول رمضان، حيث يحرص الأهالي على تجهيز الذبائح الخاصة بالشهر الكريم، استعدادًا لإعداد موائد الإفطار التي تتميز باللحوم الطازجة والمأكولات الشعبية. إضافة إلى ذلك، ينتشر شراء “الأسوكه” أو السواك، الذي يُعد من أبرز الهدايا التي يتبادلها الزوار مع أهاليهم، فضلًا عن تحضير التمور والمشروبات الرمضانية التي تملأ الموائد.

وفي هذا الصدد، يوضح الأستاذ “وليد فرحان”:أن “شعور المواطن في حضرموت عند دخول شهر رمضان يمزج بين الفرح والترقب، في الوقت الذي يواجه فيه البعض تحديات اقتصادية تتعلق بارتفاع الأسعار”. ورغم الصعوبات التي قد تواجه البعض في تأمين احتياجاتهم الأساسية، يظل رمضان مناسبة للتواصل الاجتماعي وتعزيز العلاقات بين الأسر والجيران.

دور المساجد في تعزيز الروحانية:

تتميز مساجد حضرموت بأجواء خاصة مع حلول رمضان، حيث تعكس هذه الأماكن الطابع الروحاني للشهر الفضيل، ويقول الشيخ علي بن عوكر: “إن مساجد حضرموت تهيئ نفسها لاستقبال شهر رمضان بكل ما تحمله من روحانية وعبادة، حيث تتزين بالأضواء والزينة الرمضانية التي تضفي على المكان أجواءً من الفرح والسكينة”. وتستعد المساجد بشكل استثنائي لاستقبال صلاة التراويح، حيث تخصص أماكن خاصة للرجال والنساء، وتنظم حلقات تحفيظ القرآن الكريم والدروس الدينية التي تبرز معاني الشهر وأهمية الصيام.

ولا تقتصر تقاليد المساجد في حضرموت على العبادة فقط، بل تشمل أيضًا تنظيم موائد الإفطار الجماعي التي تُعد فرصة للتكافل الاجتماعي وتعزيز روح المحبة بين أفراد المجتمع، ما يجعل المساجد منبعًا للروحانيات والتواصل الاجتماعي في هذا الشهر الكريم.

إعلان رؤية الهلال:

تعتبر طقوس إعلان قدوم رمضان في حضرموت من أبرز المظاهر التي تضفي طابعًا خاصًا على الشهر الفضيل. حيث يتم إعلام الناس بثبوت رؤية الهلال عبر طريقتين تقليديتين؛ الأولى من خلال إطلاق البنادق، والثانية عبر إشعال النيران على قمم الجبال، حيث تُعد هذه النيران بمثابة إشارات مرئية تنبئ بحلول الشهر المبارك.

ألعاب واحتفالات رمضانية:

ولا يقتصر رمضان في حضرموت على العبادة فقط، بل يشهد الشهر المبارك سلسلة من الألعاب والاحتفالات التي تملأ الأجواء بالبهجة. يخرج الأطفال للعب ألعابهم التقليدية مثل “الكعارير” و”النوية”، بينما يرددون الأهازيج الفلكلورية التي تضفي على الأجواء طابعًا من الفرح. كما يستمتع الكبار بلعبة “الدحنك”، التي تشبه لعبة الغولف، وتُمارس بعد صلاة التراويح. وتستمر الاحتفالات مع الأهازيج الرمضانية، حيث يؤدي الأطفال تواشيح أندلسية بعد صلاة العصر، مما يعزز من أجواء البهجة والسرور في المنطقة.

المسحراتي وصوته المميز:

وفي حضرموت، لا تكتمل الأجواء الرمضانية دون المسحراتي، الذي يجوب الأزقة ليوقظ الناس للسحور مصحوبًا بأهازيج تُرددها الأطفال. كان المدفع،”سابقا” الذي يُطلق في وقتي السحور والإفطار، جزءًا من تقاليد رمضان في حضرموت، ويُعد بمثابة توقيت دقيق يُعلن حلول وقت السحور والإفطار، ويُعتبر صوت المدفع الذي يهز مدينة تريم والمناطق المجاورة رمزًا من رموز الشهر الكريم.

ختامًا، إن رمضان في حضرموت هو أكثر من مجرد شهر للصوم فقط ؛ إنه مناسبة دينية اجتماعية وثقافية تجسد الروح الحضرية للمجتمع. وتظل تقاليد حضرموت في استقبال هذا الشهر الفضيل، من إعلان رؤية الهلال إلى الألعاب الرمضانية والطقوس الدينية، شاهدًا على عمق الإرث الثقافي والديني الذي يميز هذه المحافظة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى