تباين المواقف
الرشادبرس_ مقالات
بقلم / د . محمد بن موسى العامري _ رئيس الهيئة العليا لاتحاد الرشاد اليمني
تباينت الآراء والمواقف لدى كثير من النخب العلمية والثقافية والسياسية في اليمن وغيرها، بشأن الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، وتعددت التصورات حول مآلاتها وعواقبها. والمختصر في ذلك يعود إلى محورين:
أولاً: محل الاتفاق
1. يتفق الجميع على خطورة المشروعين وكارثيتهما على العرب والمسلمين، وأنهما دولتان توسعيتان، مثقلتان بالمظالم والجنايات والجرائم بحق الشعوب العربية في المنطقة.
2. يتفق الجميع أيضاً على خطورة تفرد إحدى القوتين، وخروج إحداهما من هذه الحرب منتصرة، لما لذلك من تداعيات على مناطق النفوذ المباشرة لإحدى هاتين الدولتين الطموحتين.
3. تناطح المشروعين وهلاكهما جميعًا أو إضعافهما، محل اتفاق أيضًا لدى الجميع، إلا من شذ من دعاة التصهين أو دعاة الرفض،فكلاهما مائل إلى ما يشاكله لذات المشروع، لدوافع نفعية، ذاتية، أو ولائية.
ثانيًا: محل الاختلاف
محل الاختلاف يتلخص في حال تفرد أحد هذين المشروعين وهزيمة الآخر – الصهيوني أو الصفوي – أيهما أكثر خطورة وأسوأ عاقبة ومآلًا، وبناء عليه تختلف المواقف:
أ. يرى فريق من الناس أن تفرد الصهيونية ومن خلفها الصليبية، وقهرها للمشروع الصفوي، مؤذنٌ بحقبة قهرية ومزيد من النفوذ الاستعماري والغطرسة، وفرض سياسة التطبيع على المنطقة، ومن ثم فإن دولًا أخرى قد تكون هي محطة الأطماع التالية لإيران، كباكستان وتركيا ودول عربية محيطة بإسرائيل وغيرها.
وعليه، فيكون الموقف الأقرب هو ترجيح كفة الميل إلى تأييد سقوط هذا المشروع.
ب. ويرى مخالفوهم أن تفرد المشروع الصفوي الإيراني هو الأشد خطورة، لما يكنّه من عداء وأحقاد متوارثة تجاه محيطه العربي السني، ولما في جعبته من العقائد المؤدلجة التي يسعى لفرضها بالقوة، مقرونة بأطماعه الفارسية التوسعية في المنطقة، التي تستهدف بلدان العرب والمسلمين وفي مقدمتها مقدساتهم: مكة والمدينة.
وعليه، فإن صعود هذا المشروع هو الأكثر ضررًا وخطورة على العرب والمسلمين، ويزيد من ترجيح هذا التوجه ما اقترفه المشروع الإيراني الرافضي من الجرائم ، مع صعوبة التوقي من خطورته، وتلونه، وخداعه لجمهور المسلمين، وتوظيفه للدين المحرّف منذ نشأته حتى انخدع به خاصة النخب، فضلًا عن عوامهم.
وبالنظر إلى هداية القرآن الكريم، لدينا ثلاثة أعداء أساسيون:
1. اليهود
2. المشركون
3. المنافقون
فاليهود أمرهم جلي، وكفرهم بالله ورسله وكتبه أشهر من أن يُذكر.
والذين أشركوا، يقصد بهم الواقعون في الشرك بالله، المنحرفون عن التوحيد، المحرّفون للدين، وذلك له صور كثيرة، من بينها العقائد الوثنية الخرافية، والتوجه إلى غير الله بأي صورة من صور العبادات، كالاستغاثة بغير الله ونداء الأموات من دون الله، وهذا ظاهر ومعلوم لدى غلاة الرافضة المتنفذين من ملالي طهران، إضافة إلى غلوهم في أئمتهم ومنحهم كثيرًا من صفات الألوهية أو النبوة، كعلم الغيب والتأثير في الكون والعصمة، وجعل أقوالهم مصادر للتشريع، مع جحود السنة النبوية الصحيحة، وتدين مبني على عقائد باطلة، تخالف أصول الإسلام المجمع عليها، وتطعن في ثوابته وحملته من الصحب الكرام، وتكاد تطفح بذلك كتبهم ومواقعهم وأفعالهم في مناسباتهم المتعددة.
وأما النفاق، فلا يكاد يستريب مطّلع على أحوالهم أنهم معدن النفاق وأَسُّه، ومتلبسون بالتقية والتلون والخداع والمراوغة والكذب، ومخاتلة المسلمين. ولهذا وقع في شركهم ومصائدهم كثير من الناس، واغتروا بهم، وأصبحوا أبواقًا لهم، منافحين عنهم.
ثالثاً :- مسار التقدير .
من الواضح أن تقدير خطورة هذين المشروعين مرده إلى مسارين من التفكير:
الأول: مسار التفكير في مخاطر العدو الخارجي، من منطلق التأثير السياسي في مسارات الأحداث العالمية، جاعلين نصب أعينهم الدوافع الخفية، وأولوية القضية الفلسطينية. وما فعلته إيران في المنطقة من الجرائم يعتبرونه في درجة تالية، باعتبار إيران دولة تنتسب إلى الإسلام في الجملة، مستندين إلى بعض فتاوى الترجيح بين عقيدة اليهود والرافضة، وذلك تسطيح شديد وتنزيل للفتوى في غير محلها؛ فالتفضيل هنا أو المقارنة يدور حول الجانب العقدي المحض دون التعرض للمخاطر المترتبة على أهل الفجور ، والتمرد ، من الخوارج والروافض من أهل الشوكة والدولة، الذين يصولون ويجولون على المسلمين ، ويفسدون ويقتلون ويشردون، فذاك تقييم آخر.
ولدى هؤلاء ميول بدرجات متفاوتة لما يسمى بمحور الممانعة، وأنه حاجز الصد أمام الصهيونية العالمية، في مقابل التخاذل العربي. وهؤلاء ينظرون إلى المشروع اليهودي كربيب للمشروع الصليبي، وبناء عليه فإن نظرتهم لخطورته قد ضمّوا إليها خطورة الصليبية العالمية وتأثيراتها، وعلى رأس ذلك أمريكا وأوروبا ومن تخندق معهم.
فالمخاطر الخارجية هي الأكثر حضورًا في هذا النوع من التفكير، المائل إلى تغليب خطورة السياسة الدولية، بجعلها أولوية على المخاطر الدينية والعقدية، وبتقليل من شأن المعاناة المباشرة إقليميًا ومحليًا، المتولدة من المشروع الصفوي الإيراني.
وغالب المرجحين لهذا المسار غير مدركين للمخاطر العقدية الرافضية وأثرها وأبعادها ومدى انحرافاتها، وتفخيخها لعقول الأجيال ، وخلق طبقيات عنصرية وسلالية ، أو يرونها غير أولوية في تقييم مآلات الصراع الجاري، وكثير من المندفعين لهذا المسار ينتمون إلى مناطق غير خاضعة للنفوذ الشيعي، التي لم تصطَلِ بنيران الطوائف والمليشيات الشيعية المسلحة الإرهابية.
الثاني: مسار التفكير في مخاطر العدو الداخلي، القائم على الربط بين المسار السياسي والأبعاد العقدية المنحرفة، النفاقية، للدولة الرافضية المفارقة لما عليه إجماع المسلمين، وعلى معطيات كوارثها الإقليمية المباشرة للمنطقة العربية التي تعرضت بصورة واقعية للتهديد الإيراني التوسعي المثخن في دماء المسلمين، في عدد من البلدان كاليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وسياسياً لديه أطماع توسعية لا يزال يتوعد بالمزيد من التمدد والنفوذ، لضرب الوحدة الوطنية وخلق صراعات طائفية، عبر أذرعه في المنطقة، الموالين لمشروع الولي الفقيه. وهذا النوع من التفكير في مخاطر المشروع الرافضي مركّب من:-
1- خطورة التعدي على الكليات، وفي مقدمتها كلية الدين وحمايته من التحريف والتزييف، وكلية الحفاظ على النفوس بدرجة أولوية .
2- مخاطره السياسية التوسعية في المنطقة وهو أقرب إلى مسار السياسة الشرعية الواقعية، مصحوبًا بالهموم المحلية والإقليمية والمسؤولية الوطنية ، معتبرين ما تقوم به إيران من شعارات حول القضية الفلسطينية نوعًا من التخدير ، والمتاجرة ، والترويج لمشروعها التوسعي في المنطقة.
الخلاصة :-
يمكن القول إنه في ظل عدم وجود مشروع جامع عربي أو إسلامي يحدد الأولويات والمخاطر بناءً على الخارطة العربية والإسلامية كجسم واحد، فمن الطبيعي أن تتعدد المخاوف وفقًا لتعدد الأقطار، ومدى خطورة هذا المشروع أو ذاك على هذه البقعة من الجغرافيا أو تلك.
فالفلسطيني من الطبيعي أن تكون مخاوفه مختلفة عن اليمني، والسوري، والعراقي، واللبناني، وسائر المتوجسين من كوارث المشروع الصفوي الرافضي ، وكلا الطرفين له ما يبرر مخاوفه، فكلا المشروعين يبطش ويقتل ، ويهجر ، ويقهر ، ويدمر ،
و الاصطفاف مع أحدهما ليس فيه ما يحقق المقاصد العليا للمسلمين، أو المصالح المعتبرة، وفيه من قصور النظر الشرعي والسياسي ما لا يخفى، وما يجري لكليهما لا يخرج عن كونه من سنن الله ، وعقوبته في الظالمين المعتدين، جزاء ما اقترفته أيديهما بحق المسلمين .
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ}
رئيس الهيئة العليا لاتحاد الرشاد اليمني