تصعيد الحوثيين في مأرب: تحول في المعادلة العسكرية والسياسية
الرشاد برس | تقاريـــــــــــــــر
منذ بداية عام 2025، شهدت الساحة اليمنية تصعيدًا غير مسبوق في العمليات العسكرية التي تقودها المليشيا الحوثية، التي تواصل سعيها نحو السيطرة على محافظة مأرب النفطية شمال شرقي البلاد. بعد ثلاث سنوات من الهدوء النسبي، عاد الصراع ليأخذ منحنى أكثر تعقيدًا، وسط مخاوف محلية ودولية من تصاعد أكبر في التوترات العسكرية في المنطقة.
تصعيد متواصل
في الأسابيع الأخيرة، كثفت المليشيا الحوثية عملياتهم العسكرية على جبهات مأرب، حيث استهدفت الجماعة مواقع الجيش الوطني بصواريخ كاتيوشا، وقذائف هاون، بالإضافة إلى هجمات بالطائرات المسيّرة المفخخة. ورغم جهود القوات المسلحة في التصدي لهذه الهجمات، لا يزال الوضع العسكري في المحافظة مشحونًا بالتوتر، مما ينذر بمواجهة عنيفة قد تؤدي إلى تغييرات استراتيجية على الأرض.
وأكد الجيش الوطني عبر موقعه الرسمي “سبتمبر نت” أن الحوثيين كثفوا هجماتهم على مناطق المشجح والعديد من المواقع العسكرية الأخرى في مأرب، في محاولة للسيطرة على المدينة النفطية الغنية بالموارد الطبيعية التي تُعد شريانًا اقتصاديًا حيويًا للبلاد.
الاحتشاد القبلي
في ظل هذا التصعيد، تواصل قبائل مأرب، مثل قبائل مراد وبني عبد وتعدان، لعب دورٍ محوري في الدفاع عن أراضيها ضد التهديدات الحوثية. ففي 28 يناير الماضي، عقدت هذه القبائل اجتماعًا موسعًا أكدت فيه رفضها القاطع لأي مفاوضات مع الحوثيين، مُعلنة تمسكها بتحرير أراضيها من قبضة الجماعة. هذه الخطوة كانت رد فعل طبيعي على محاولات الحوثيين السيطرة على مأرب، التي تعد “قلعة الجمهورية” وموقعًا استراتيجيًا هامًا في الصراع.
الدوافع الحوثية للتصعيد
تعتبر التحركات العسكرية الحوثية في مأرب جزءًا من مخطط أوسع يهدف إلى تعزيز السيطرة على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، بالإضافة إلى كونها منطقة حيوية للنفط والغاز. تُعد مأرب من أهم مصادر الطاقة في البلاد، مما يجعلها هدفًا استراتيجيًا للحوثيين.
وفي هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن هذه الهجمات جزء من التصعيد الذي يعتمد عليه الحوثيون لإحداث تغيير في المعادلة العسكرية والسياسية على الأرض، خاصة في ظل الضغوط الداخلية التي تواجهها الجماعة بسبب أزمة الرواتب التي يعاني منها موظفو الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فقد تسببت هذه الأزمة في تصاعد الغضب الشعبي، مما دفع الجماعة إلى حشد المزيد من القوات وتوجيه الأنظار نحو جبهة جديدة لتعزيز قبضتها العسكرية.
ويؤكد الأستاذ/ صادق أحمد، الناشط السياسي، أن التصعيد العسكري في مأرب يأتي في سياق تهرب الحوثيين من التزاماتهم تجاه الداخل، حيث استمروا في التلاعب بموضوع مرتبات الموظفين الذين توقفت رواتبهم منذ سبتمبر 2016. وكان البرلمان التابع للجماعة قد أقر في ديسمبر الماضي قانونًا لمصادرة حقوق الموظفين تحت مسمى “الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين”، والذي أعاد تقسيم موظفي الدولة إلى ثلاث فئات.
من جهة أخرى، يرى الباحث/ أحمد غادر.. في القاهرة أن الحوثيين لن يتراجعوا عن هدفهم بالسيطرة على مأرب، باعتبارها موردًا ماليًا أساسيًا نظرًا لأنها مصدر للنفط والغاز والطاقة الكهربائية. إضافة إلى ذلك، تمثل مأرب تهديدًا استراتيجيًا للجماعة، حيث لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين من العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويضيف أحمد غادر: أن التحشيد الحوثي نحو جبهات مأرب يأتي في إطار استباقي لتحركات محتملة من قبل الحكومة المعترف بها دوليًا، مدعومة من التحالف العربي، والتي قد تقود إلى معركة مصيرية ضد الجماعة، خصوصًا بعد إعادة تصنيف واشنطن لجماعة الحوثي منظمة إرهابية.
السيناريوهات المستقبلية:
يبدو أن التصعيد في مأرب قد يؤدي إلى تحول جذري في مجريات الحرب. إما أن تشهد المنطقة هجومًا عسكريًا واسع النطاق من قبل المليشيا الحوثية نحو مدينة مأرب، أو أن يتسبب هذا التصعيد في اندلاع مواجهات أكبر بين الحوثيين والجيش الوطني. وإذا استمرت هذه المواجهات، قد تصبح مأرب نقطة تحول استراتيجية في الصراع، مع احتمالية أن تكون المعركة هناك حاسمة في تحديد مستقبل البلاد.
التداعيات الإقليمية والدولية:
لا تقتصر أهمية مأرب على المستوى المحلي فحسب، بل تمتد إلى البُعد الإقليمي والدولي. فالموقع الجغرافي الاستراتيجي للمحافظة يجعلها نقطة وصل حيوية بين الشمال والجنوب. كما أن السيطرة على مأرب تشكل تهديدًا للأمن الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بطرق الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر. في هذا السياق، يزيد التصنيف الدولي للحوثيين كجماعة إرهابية من الضغط عليهم، مما قد يدفعهم إلى التصعيد العسكري في محاولة للضغط على القوى الإقليمية والدولية.
متطلبات المرحلة
*الضغط الدولي على المليشيا الحوثية.: ضرورة تكثيف الضغط الدولي على جماعة الحوثي للقبول بالحلول السلمية والابتعاد عن التصعيد العسكري.
* دعم الجهود الإنسانية: يجب على المنظمات الإنسانية تقديم الدعم العاجل للنازحين والمهجرين من المناطق المتضررة جراء التصعيد العسكري في مأرب.
* إعادة تحريك مفاوضات السلام: دعوة الأطراف الدولية لإعادة تحريك عملية المفاوضات السياسية مع المليشيا على ارضية المرجعيات الثلاث وقرار مجلس الأمن ، مع التركيز على الحفاظ على أمن واستقرار المناطق الاستراتيجية مثل مأرب.
الخاتمة:
إن الوضع في مأرب يمثل اختبارًا حاسمًا للمجتمع الدولي ولجميع الأطراف الفاعلة في الحرب. فالتحركات العسكرية الحوثية قد تكون خطوة نحو تصعيد شامل، لكنها في الوقت ذاته تمثل فرصة للضغط على جميع المليشياللجلوس إلى طاولة المفاوضات بحثًا عن تسوية دائمة تضمن أمن واستقرار اليمن والمنطقة تحت مظلة القرارات الدولية وقرار مجلس الأمن والمرجعياث الثلاث.