هل تعلمن الإسلاميون أم أسلمت العلمانية ؟!.
مقال
للشيخ الدكتور /عبدالناصر الخطري
ساقني الأخذ والرد في الأيام الأخيرة حول العلمانية إلى إعادة القراءة في ملفها ، فلم أجد علمانية جديدةً ولِدت في حضنٍ إسلامي آمن ، ولم أجد تغييراً طرأ على العلمانية الشمطاء من حيث الهدف والغاية ؛ إنما الجديد فقط انتقال ملف الدفاع عنها من أيد العلمانيين الأصليين إلى أيد بعض الإسلاميين المتحولين إليها !.
وبدأت أتجول بفكري على البلدان العربية التي تنشط فيها حركات الإسلام السياسي ، فوجدت حركةً سياسية مرت بإحباطات متتالية وابتلاءات كثيرة ، مما جعل قصيري النظر من منتسبيها يبحثون عن وسائل سلامة تنجيهم من المؤامرات المتتالية على الحركة فوجدوا سفينة العلمانية فأدلفوا فيها ولم يكتفوا بالركوب ؛ بل حاولوا تغيير معالم السفينة وصبغها بنكهة إسلامية .
لم يكن هذا التحول مفاجيء للمتابع لسير الحركة ، فقد مهد لهذا التحول حصول تحالفات سياسية بين بعض فروع الحركة وتيارات علمانية في بلدان مختلفة ؛ لكنها كانت تحالفات نفعية سرعان ما انقلب العلمانيون على تلك التحالفات ووقفوا في صفوف خصوم حلفائهم عند أول محنة تعرضوا لها .
ثم تلت تلك المعاهدات مصطلح ” العلماني المعتدل ” وبدأ يسوق البعض أن العلمانيين ليسوا سواسية ؛ بل هناك معتدلون ، وبهذا التسويق أيدت الحركة في بلدانٍ ما شخصيات علمانية ودعمتها حتى أوصلتها إلى سدة الحكم ؛ لكن هذه الشخصيات كشرت عن أنيابها عقِب تمكنها وأظهرت العداء لكل ما هو إسلامي ؛ لأنها بعد الوصول للغاية لم تجد طريقاً آمناً للبقاء إلا إظهار هذا العداء .
وعندما فشلت التحالفات ، وفشل الإنتقاء ، تجسدت الخطوة التالية من البعض في محاولة التصالح مع العلمانية نفسها من خلال إيجاد مشروع هجين ،
فبدأ التنظير بأن العلمانية ليست شكلاً واحداً ؛ بل باقات مختلفة ومن الممكن أن نأخذ ما يناسب مجتمعاتنا منها ، وبدأ البعض بالفعل يدخل حرم العلمانية على استحياء، والبعض الآخر بصراحة وجرأة غير مسبوقة .
ولعل هذه الخطوة هي أخطر الخطوات ؛ لأن محاولة خروج بعض الإسلاميين من قفص الاتهام ثمنه إدخال الإسلام نفسه في ذات القفص ، ليس من قبل العلمانيين الأصليين فحسب بل من قبل المتحولين من الإسلاميين ، فسيضطر هؤولاء لتبرير هذا التحول وشرعنته ولو بالتنكر لمبادئ وقيم دافعوا عنها عقوداً ، ولن يتعذر عليهم – إن احتاجوا – أن يطوع مفكروهم بعض الأدلة الشرعية لدعم توجههم هذا .
ومع بروز ظاهرة التحول هذه ، تجدر الإشارة إلى أن هذا لن يكون انحرافاً في مسار الحركة ؛ بل المرجو والمتوقع أن يكون هذا انحرافاً لبوصلة أشخاص لا غير ، إذ لا يمكن تصور قبول تحويل مسار الحركة بأكملها عن الفكرة الأصيلة التي قامت عليها ابتداءً إلى ما ينسفها من الأساس ، فالقيادات التي ضحت عقوداً والشباب الذي تربوا على تقديم التضحيات من أجل نصرة الدين ، سيكونون سداً منيعاً أمام أطماع الممولين وتنازل المخدوعين ! .