سوريا تستأنف التحويلات الدولية وسط إصلاحات اقتصادية واسعة
الرشــــــــــــــــاد بــــــــــــــــرس ــــــ اقتــــــــــصاد
أعلن مصرف سوريا المركزي عن تنفيذ أول تحويل دولي مباشر عبر نظام “سويفت”، ما يعكس إشارات مبكرة على بدء انفتاح تدريجي للنظام المالي السوري على العالم، بعد رفع العقوبات الغربية التي كانت مفروضة بسبب سياسات القمع والفساد التي ارتبطت بالنظام السابق.
وبحسب وكالة رويترز، وجّه حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية دعوة رسمية للبنوك الأميركية لاستئناف العلاقات المصرفية مع سوريا، في أعقاب الإطاحة بالنظام السابق بقيادة بشار الأسد، الذي تسبّب، وفق تقارير دولية، في دمار اقتصادي شامل استمر لعقود.
رفع العقوبات… وبداية مسار التعافي؟
جاء هذا التطور عقب إعلان كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ما أعاد الأمل للسوريين في تحسّن الأوضاع المعيشية، بعد سنوات من الفساد المنظّم والحرب التي استنزفت البلاد ودمرت بنيتها التحتية.
وتواجه الحكومة السورية الجديدة إرثًا اقتصاديًا ثقيلًا، تراكم بفعل نظام اعتمد على الفساد والمحاصصة والاحتكار، وأسّس لاقتصاد ريعي يخدم مصالح ضيقة لعائلة الأسد والمقربين منها، لا سيما عائلة مخلوف التي سيطرت على قطاعات الاتصالات والعقارات والبنوك.
اقتصاد منهك:
تشير دراسات عديدة إلى أن الاقتصاد السوري بات مهشّمًا، نتيجة التوظيف السياسي لمقدرات الدولة، وتحويله إلى “اقتصاد حرب”، حيث تم تسخير الموارد العامة لتمويل آلة القمع، وتحويل المشافي إلى مراكز عسكرية، والمصانع إلى ورش تصنيع للبراميل المتفجرة.
وبحسب الخبير الاقتصادي خالد التركاوي، فإن سياسات النظام السابق دفعت عشرات الآلاف من رجال الأعمال والمستثمرين إلى مغادرة البلاد ونقل رؤوس أموالهم إلى الخارج، مما أدى إلى شلل في الجهاز الإنتاجي ونقص حاد في الدخل المحلي.
أرقام صادمة ومطالبات دولية بالدعم:
وفق البنك الدولي، فقد الاقتصاد السوري نحو 85% من قيمته خلال 12 عامًا، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي في 2023 نحو 9 مليارات دولار، مقارنة بـ67.5 مليار دولار عام 2011. وقدّرت الحكومة السورية حاجتها إلى تريليون دولار لإعادة الإعمار، بحسب تصريح سابق لوزير الاقتصاد نضال الشعار.
من جانبها، أكدت تقارير دولية، أبرزها لـ”واشنطن بوست” و”بي بي سي”، أن أي إصلاح اقتصادي حقيقي في سوريا لن يتم دون دعم دولي مباشر، محذّرة من أن المساعدات المشروطة قد تتحوّل إلى عبء إذا لم تُدار بفعالية.
استراتيجيات الحكومة الجديدة.:
بدأت الحكومة الجديدة سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة، شملت خصخصة أكثر من 100 شركة حكومية خاسرة، تسريح نحو ثلث موظفي القطاع العام، وإلغاء مؤسسات بيروقراطية مثل “مؤسسة التجارة الخارجية”، وتبني نهج “اقتصاد السوق التنافسي”.
كما أطلقت خططًا لتحفيز القطاع المصرفي، وتحديث النظام الضريبي، ومنح عفو مالي عن مخالفات سابقة لتشجيع المستثمرين على العودة، إضافة إلى اتفاقيات تعاون دولي وإقليمي لتشغيل الموانئ والمناطق الحرة.
ورغم هذه الجهود، لم تشهد الليرة السورية استقرارًا ملحوظًا، وما زالت تعاني من التضخم وارتفاع الأسعار، بينما فشلت محاولات الحد من أزمة الكهرباء رغم توقيع اتفاقية غاز مع قطر.
ما بعد النظام السابق:
في ظل هذه التحديات، ترى دراسات بحثية، منها تقارير لمراكز جسور، حرمون، عمران، والمركز العربي للأبحاث، أن سوريا بحاجة ماسة إلى:
إعادة تأهيل البنية التحتية في قطاعات الطاقة والمياه والاتصالات.
استعادة وتشغيل مصادر النفط والغاز.
إعادة المهجّرين داخليًا وخارجيًا وترميم رأس المال البشري.
تعزيز التعليم والمشاركة المجتمعية لتقوية رأس المال الاجتماعي.
كما تشير هذه الدراسات إلى أن إنعاش الاقتصاد السوري يتطلب إعادة ترابط سلاسل القيمة الوطنية، ومعالجة التشوهات التي سببتها الحروب والانقسامات الجغرافية والاقتصادية.
خاتمة: أمل مشروط بالمحاسبة والشفافية:
رغم الانفتاح المالي الأخير، ما تزال ملفات الفساد المنهجي تتكشف يومًا بعد يوم، وفق تقارير إعلامية، مما يُبرز التحدي الأخلاقي والمؤسساتي في بناء دولة جديدة على أنقاض نظام سابق حوّل موارد البلاد إلى أدوات قمع وإثراء نخبوي.
وفي ظل كل ذلك، يبقى الأمل معقودًا على استمرار الدعم الدولي، ونجاح الحكومة في تنفيذ إصلاحات جذرية وعادلة، تعيد لسوريا ملامح اقتصاد منتج ومستقر.
المصدر: رويترز +صحافة سورية