حاضرنا والحقيقة التاريخية
الرشادبرس_ مقالات
بقلم / د. عبدالوهاب الحميقاني _ الأمين العام لإتحاد الرشاد اليمني
وأنا أتابع كثيرًا من الكتابات والمدوّنات المتباينة والمتعارضة حول حدث الوحدة اليمنية، وبيان منطلقاته وبواعثه، ومساره ومحطاته، ومعوقاته، وجوانب النجاح والإخفاق فيه لدى الأطراف اليمنية،
رأيتُ كم هو متناقضٌ الكلام حول حقيقة واحدة عشناها بكل تفاصيلها، وحتى ما لم ندركه منها كان قريبًا منا، وقد أدركه من أدركه.
ومع ذلك، ترى وتقرأ كثيرًا من غثاء المغالطات، التي تزيّف أجزاء واسعة من الحقيقة.
فقلت: إذا كان هذا حال القراءة لحدث عاصرناه، فكيف تكون قراءتنا للأحداث التي تفصلنا عنها قرون؟!
وقد أدركتُ أن من أسباب فشل الأمة في حاضرها، فضلًا عن مستقبلها، هو المغالطة في قراءة ماضيها.
فقراءة الماضي والتاريخ بعيدًا عن البحث عن الحقيقة كما هي، تجعل من تدبير الحاضر والمستقبل مغالطة من الوهم، ومسارًا من العبث.
لذا، نحن بحاجة إلى قراءة الأحداث، الحاضرة والماضية، المعاصرة والتاريخية، بقراءة الباحث عن الحقيقة؛ قراءة:
بعيدة عن حصر التلقي لمعلومات الحدث من مصادر “عين الرضا”؛
وبعيدة عن القراءة بعدسة التمييز الأيديولوجي بين أطراف الحدث وشخوصه، لأجل مصافحة الموافق ومصارعة المخالف، وفق ما يؤمن به القارئ من تصورات؛
وبعيدة عن القراءة الرغبوية، التي تفسّر الأحداث كما يرغب القارئ، لا كما هي في الواقع؛
أو تلك القراءة التي تنقّب في الأحداث فقط للبحث عن شاهد يدعم موقف القارئ، الشخصي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي أو البحثي؛
وبعيدة عن النظرة الساذجة للأحداث، التي تتصوّر المشهد المعقّد على أنه خط واحد واضح، يمكن من خلاله تمييز الصواب من الخطأ، والاستقامة من الانحراف، والنجاح من الفشل، في كل أطراف الحدث.
بينما الحقيقة أن كل حدث تاريخي أو معاصر مليء بالخطوط والنقاط والحروف والكلمات والجُمل، المتداخلة والمتقاطعة، المستقيمة والمعوجة، ويحتوي على مشتركات ومفارقات، وجوامع وفواصل، ومبررات وأسباب لكل تقاطع ولكل التقاء.
وبهذه القراءة الموضوعية المتأنية، يمكننا أن نصل إلى قدر كبير من الحقيقة، تكون مدماكًا صلبًا في بناء حاضرنا ومستقبلنا اليمني: سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، وقبل ذلك معرفيًا، وإنسانيًا، وأخلاقيًا.
الأمين العام لإتحاد الرشاد اليمني