مقالات
شهر الله المحرم وعاشوراء
![](https://alrshadpress.net/wp-content/uploads/2020/07/قلم.jpg)
بقلم /د. عبدالرحمن الصلاحي
شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك وهو أول شهور السنّة الهجرية وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ”.
وقوله تعالى: “فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” أي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها. وعن ابن عباس في قوله تعالى: “فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظّم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
وقال قتادة :«إن الظّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء».
استحب الصيام في شهر محرّم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» رواه مسلم.
وفي رواية «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل أي الصيام بعد رمضان أفضل، قال: شهر الله المحرم» رواه الجماعة إلا البخاري
وسأل رجل النبي صلى الله عليه ابوسلم فقال: يا رسول الله! أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان، قال: فصم المحرم، فإنه شهر الله فيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قوم» رواه الترمذي وحسنه.
فضل صيام يوم عاشوراء:
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم ، وقد ورد في فضيل صيامه عن أبي قتادة: «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية» رواه مسلم
صوم عاشوراء في الأمم السابقة:
صيام عاشوراء كان معروفًا حتى في أيّام الجاهلية قبل البعثة النبويّة فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه» (رواه مسلم) ولعل قريشًا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم – عليه السلام -.
وقد ثبت أيضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به فسألهم عن السبب فأجابوه كما تقدّم في الحديث وأمر بمخالفتهم في اتّخاذه عيدًا والظاهر أن الباعث على الأمر بصومه محبة مخالفة اليهود حتى يصام ما يفطرون فيه لأن يوم العيد لا يصام.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه – مَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وآله وسلم – الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (رواه البخاري).
وفي رواية للبخاري أيضا: «فقال لأصحابه: أنْتُمْ أحَقّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا». أي نحنُ أثبت وأقرب لمُتابعة مُوسى – صلى الله عليه وآله وسلم – منهم، فإنّا مُوافقُون لهُ في أُصُول الدّين، ومُصدّقُون لكتابه، وهم مُخالفُون لهُما بالتّغيير والتّحريف.
كان صومه واجباً قبل رمضان:
وقد كان صيام يوم عاشوراء واجباً قبل فرض صيام رمضان ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه، ومن شاء تركه» متفق عليه
اهتمام النبي صلى الله عليه بصومه:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنه – مَا قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وآله وسلم – يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ» (رواه البخاري).
ومعنى «يتحرى» أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
اهتمام الصحابة رضي الله عنه بصومه:
عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم – غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: «مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ».
فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ (رواه مسلم).
استحباب صيام يوم قبله ويوم بعده : لما صام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم عاشوراء وأمر الناس بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال: فإذا كان في العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -» رواه مسلم وأبو داود
وقد ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أن الحِكْمَةِ في اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ.
وقال شيخ الإسلام: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ.
من البدع المستحدثة في عاشوراء:
لم يرد عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم في يوم عاشوراء أي رواية ثابتة من هذه الأمور التي ابتدعها بعض الناس في العصور المتأخرة ، لا شعائر الحزن واللطم والنياحة ، ولا شعائر العيد والاحتفال والفرح.