صرخة في وجه الظلم
كان الناس في الجاهلية يعيشون في ظلامٍ دامس , ويسيرون في أنفاقٍ مظلمة , فالقوي يأكل الضعيف ولا غَلبة إلا للأقوى .. ومفردة الظلم هي السائدة في هذا المجتمع الذي غابت عنه شمس الحرية والعدل .
جاء الإسلام ليغير منظومة هذا المجتمع المهترئ فعمل على تغيير الفكر السائد عند هذا الإنسان واحترم عقله وإنسانيته وأكرمه إكراماً يليق به .. فأخرجه من ظلمات الظلم التي غرق في وحلها وحطم قيود الذل والجهل التي قُيد بها ورزقه الحرية التي حُرم منها ففي ظل الإسلام تنفَّس أنسام الحرية ليُصبح في وقت قصير مِشعل خير ونور يضيء للبشرية ويرشدهم إلى الطريق القويم الذي حُرموا منه ولن يجدوه أبداً إلا في ظل الإسلام وتحت سمائه ..
ثم أنزل الله لهذا الإنسان – الذي ظل لسنواتٍ طويلة مُغيَّـب عن حقيقته التي وجد من أجلها – كتاباً ليكون نبراساً ودليلاً له في هذه الحياة .. من أسمى مبادئه أنه يحثُّ أتباعه ويرشدهم ويوصيهم أن يصرخوا في وجه بالظلم , وحذرهم من السكوت عنه لأنه بلية عظيمة فهو مصيبة على الظالم وخزي وذل على الصامت فالكل في الجُرم سواء , فقال جلَّ في علاه في أكثر من مكان بعبارة صريحة واضحة ” لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ” وقال جل في علاه ” وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ” ..
وقال في حديث قدسي ” إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً , فلا تظالموا ” .
ولم تقتصر النصوص على الكتاب المنزل لهداية الإنسان الذي ينشد الحرية والكرامة ويأبى الظلم والمهانة بل بعث إلينا نبياً كريماً جاء لتغيير الكون مما علق به من أوحال واستشرت فيه من عادات قبيحة يأباها الإنسان الذي خلقه الله ليكون حراً عزيزاً لا يَذِل إلا لله وحده .
فحارب نبينا الظلم بكل أشكاله وكان سيفاً مُصلتاً عليه وندد وشنع على الظالمين والظلمة , وجعل سيد الشهداء من يقف في وجه ظالمٍ طاغية فيُـقتل على يديه .. بل وربى أتباعه على هذه الأخلاق الفريدة العظيمة التي أتت بها رياح الإسلام , فهذا واحدٌ من أتباعه يخاطب حاكم أكبر مملكة في الدنيا ويقول له بصوت فصيح صريح نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام ..كلماتٌ من نور تُكتب على جبين التاريخ ليقرأها كلُّ من لبس رداء الخوف وبُحَّ صوته بالحوقلة وتوارى خلف جدرانِ الصمت يندبُّ حظَّه التعيس !!..
هذه الكلمات قالها ربعي لذلك الملك الكافر بكل عزةٍ وعظمةٍ وكبرياء وما كان له أن يتردد في أن يقولها لملك أو حاكم مسلم حاد عن الطريق القويم ما كان له أن يتردد أبداً في أن يصرخ في وجهه بكل حق وجرأة : نحن قوم ابتعثنا الملك – جل في علاه – لنخرج الملوك من سكرة الهوى وأوحال الظلم البائد إلى عدالة الإسلام وأنوار الفرقان الخالد ..
إذن الإسلام بمنظومته المتكاملة جاء ليخرج العباد من دائرة يسود فيها الظلم والذل والخنوع لنكون ضمن دائرة عظيمة يسود فيها الحق والعدالة والكرامة والحرية واحترام الإنسان كإنسان …
والظلم تأباه كل النفوس السوية ولا يرضى به إلا من ماتت ضمائرهم وذممهم وباعوا رجولتهم ..
ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال :
إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة .. ويروى : الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ” أ هـ
نسأل الله أن يحرر نفوسنا وعقولنا مما علق بها من أفكارٍ تالفة ترجوا لنا العيش بصمتٍ رهيب تحت جسور الطغيان بحجة الرضا بالأمر الواقع والبعد عن الفتن ونزغات الشيطان !!….
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ .