ضغوط أوروبية تهدد مستقبل التجارة مع الكيان الإسرائيلي
الرشادبرس- اقتصاد
تشهد العلاقات التجارية بين الكيان الإسرائيلي وأوروبا تصعيداً غير مسبوق، مع تنامي الضغوط السياسية والإنسانية الناتجة عن استمرار الحرب على غزة. وتدرس بريطانيا والاتحاد الأوروبي خطوات حاسمة قد تشمل تعليق أو إلغاء اتفاقيات تجارية قائمة مع إسرائيل، في تطور قد ينعكس بخسائر تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات.
في خطوة بارزة، أعلنت وزارة الخارجية البريطانية تعليق المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة جديدة مع الاحتلال ، مُشيرة بشكل صريح إلى حكومة بنيامين نتنياهو، وهو ما يُعدّ مؤشراً على تحول سياسي يتجاوز الجوانب الاقتصادية.
ويأتي هذا القرار في لحظة حرجة، حيث كانت الاتفاقية تُعد فرصة استراتيجية لتعزيز العلاقات التجارية بين الكيان والمملكة المتحدة، خاصة بعد “بريكست”. وعلى المستوى الأوروبي، أعلنت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن الكتلة ستناقش مستقبل الاتفاقية التجارية القائمة مع تل أبيب.
ورغم أن تعديل الاتفاق الأوروبي يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، أبدت 17 دولة فقط حتى الآن تأييدها لمراجعة الاتفاق، مما يحدّ من إمكانية التحرك الفوري، لكنه يشير إلى تغير تدريجي في المزاج الأوروبي.
وتتزامن هذه التحركات مع فشل محادثات تبادل الأسرى، وتصاعد الانتقادات الدولية لسلوك الحكومة الإسرائيلية. داخلياً، تزداد الدعوات لمراجعة شاملة للنهج العسكري والسياسي في غزة، في ظل تحذيرات من تراجع الدعم الدولي وتآكل فاعلية العمليات.
تأثيرات اقتصادية مباشرة
تُعد بريطانيا شريكاً تجارياً رئيسياً للاحتلال ، حيث بلغت صادرات إسرائيل إليها (باستثناء الماس) نحو 1.28 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ1.8 مليار دولار في 2023. وتشكّل الصناعات الكيميائية والدوائية نحو ثلث تلك الصادرات. في المقابل، تستورد إسرائيل من بريطانيا بما قيمته 2.5 مليار دولار، ما يجعل الميزان التجاري يميل لصالح لندن بفائض قدره 1.3 مليار دولار.
أما الاتحاد الأوروبي، فهو ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، حيث بلغت صادرات إسرائيل إليه في 2024 نحو 15.9 مليار يورو، مقابل واردات بقيمة 26.7 مليار يورو، تشمل أساساً المواد الكيميائية والآلات.
تحذيرات من ثمن اقتصادي باهظ
يحذّر محللون من أن استمرار الحرب على غزة قد يُفضي إلى أضرار اقتصادية طويلة الأمد. ويرى كبير المحللين الاقتصاديين في صحيفة “كلكليست”، أدريان بايلوت، أن الاتفاق مع بريطانيا كان يُفترض أن يكون نموذجاً استراتيجياً، لكنه بات مهدداً بالإلغاء، مشيراً إلى أن التصعيد في غزة، والاتهامات الدولية لإسرائيل بانتهاك القانون الإنساني، دفعا شركاء غربيين إلى إعادة النظر في علاقاتهم التجارية مع تل أبيب.
ويُقدّر بايلوت الخسائر المحتملة بنحو 76 مليار دولار، مع إمكانية تآكل ما يصل إلى 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، مؤكداً أن الاتفاقيات التجارية التي كانت ركائز أساسية للاقتصاد أصبحت أدوات ضغط تستخدمها الدول الأوروبية.
من جهته، يرى إيتان أفرئيل، رئيس تحرير صحيفة “ذا ماركر”، أن السياسات الحالية قد تؤدي إلى تآكل قيمة الأصول الإسرائيلية، مشيراً إلى أن صندوق الثروة السيادي النرويجي بدأ بالفعل في بيع استثماراته في شركات إسرائيلية. كما تحدث عن تحركات مماثلة من جانب أيرلندا واليابان، في ظل تحركات بريطانية وأوروبية قد تشمل مقاطعة اقتصادية جزئية.
ويضيف أفرئيل أن هذه التطورات تعكس عزلة اقتصادية متنامية، وأن الأسواق بدأت فعلاً في تسعير هذه المخاطر، ما قد يؤدي إلى خصومات حادة على الأسهم الإسرائيلية، وارتفاع في عوائد السندات.
ويحذر من تكرار سيناريو شبيه بما واجهته جنوب أفريقيا خلال نظام الفصل العنصري، في حال استمرار السياسات الحالية، مشيراً إلى احتمالات انخفاض حاد في قيمة العملة الإسرائيلية، وخصومات تتجاوز 30%، في ظل بيئة استثمارية باتت تُصنف إسرائيل كدولة عالية المخاطر.
المصدر: رويترز