مقالات

ظلم أهل دماج

محمد العمراني
محمد العمراني

أشعر بحزن بلا قرار

في حياتي لم أكره شيئا قدر كراهتي للظلم، وأي شيء في دماج لم يكن ظلما؟

كيف يمكن لأهالي دماج أن يشرحوا لأطفالهم كل هذه القسوة؟

الظلم والقهر هو الحقيقة المتماسكة لإنسان دماج منذ أن اشتدت سواعد «الآل».

يتحدثون عن التعايش، يتحدثون عن الفكر والشريعة والدين، عن السلفية والأنصار، عن الأمويين وبني العباس، عن آل البيت وعن الأصحاب.

أما أنا فأتحدث عن دهشة الأطفال، وعن تلعثم آبائهم وهم يجهدون في إجابة الأسئلة عن مشهد الرحيل، وكيف يفقدون أشياءهم بين الأمتعة المرهقة من وعثاء السفر، أشياءهم التي يراها الكبار تافهة لا تستحق أن تحجز مكانا في عربات النقل، أما هم فيرونها كل شيء!!

عن حزن يختبئ في التفاصيل التي تحكي قهر الرجال وقد فشلوا في حماية النساء كما نفشل نحن في حمايتنا من التخاذل.

عن ذل كان على الجميع أن يبتلعه رغم أنه جاء على شكل مواكب ومحاطا بآلات التصوير التي تنقل شكل الإهانة.

كيف يمكن لطفل أن يشفى من تعب الذاكرة ورهق اليوم الذي لن ينسى؟

يهاجر الناس بسبب الفيضانات والكوارث الطبيعية وانهيارات الصخور، ثم يعودون بعد أن تهدأ العواصف، أما أهالي دماج فقد انهارت عليهم كل الكوارث مرة واحدة، الظلم والخذلان والخوف والحصار والجوع، الموت والتهجير، حتى حين هاجروا كانت أيادي الخصم هي من تستقبلهم.

اللجنة المكلفة بترتيب أوضاع نازحي صعدة يقف على رأسها رجل كان منذ قليل يشارك الخصم احتفالات الانتصار بمولد نبي لم نعد قادرين على التعرف على ملامحه.

غابت قضية النازحين من أبناء صعدة وحضرت الاحتفالات المنتشية بنخب الانتصار الزائف، مئات الآلاف من النازحين لم يرهم أحد، ماتت قضيتهم بصندوق الرجل الذي يحب آل البيت ويحقد على الإنسان.

للظلم درجات، أقساها أن تظلم في دينك ودارك وأن يكون الخصم هو القاضي والمعطي والمتفضل، هو من يطردك من دارك ثم يمن عليك بخيمة!!!

ماذا يعني أن يحكم عليك أحدهم أن تهجر دارك؟

أن ترحل عن الذكريات والطفولة وشخابيطك على الجدران؟

أن تغادر كرامتك وكبرياءك وأن تلبس الهزيمة أبدا؟

أن تنظر في وجه فتاتك لآخر مرة؟

أن تترك زملاءك في الصف؟

أن تودع قسرا رفاق عملك؟

وأن يقطف خصمك الورد الذي في بستانك؟

أن تشطب على رحلة حياتك كما لو أنها كانت ورقة كتبت بالخطأ؟

ثم حين ترحل، يمنون عليك أن سياطهم لن تنالك حيث ترحل!!!

هذا يعني شيئاً واحداً، أن هذا التهجير سيصنع قاعدة أخرى، قاعدة المهجرين الذين استمع العالم لأناتهم وجوعهم وخوفهم دون أن يحرك ساكناً.

أي عار أن تمسي دماج موحشة بلا فوانيس ولا أطفال ولا مواقد ولا صوت أذان..

لا عصافير في انتظار الفجر، الغربان وحدها هناك، ستفخخ غدا مركز الحديث وستهتف بالموت كما في كل مرة.

دماج تغادر وقد تركت كل شيء يموت خلفها، الإنسان والدين والقيم المشتركة، فهل ستقدر أيضا أن تمسح ذاكرة طفل؟

كل وجع يهون إلا وجع القهر والفراق يادماج

وجع الخذلان في هذا العالم المزيف، الذي يسمونه «حرا»، ونحن لا نسمع فيه سوى رسف السلاسل.

كيف ننام وهذا العار يملأ الأفق؟

وهذه الفضيحة تحاصر إنسانيتنا التائهة؟

يا إلهي:

كيف تركتنا دماج في العراء دون أية أردية!!!

المصدر اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى