عملية السلام الأفغانية.. الهند “قلقة” على مصالحها…
الرشاد برس تقارير ومقابلات
مع تحرك القوى الكبرى نحو وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام في أفغانستان، يلوح قلق شديد في الأفق بالهند؛ بسبب مصير استثمارات لها بقيمة 3 مليارات دولار في البلد الذي مزقته الحرب.
ففي الميزانية السنوية الأولى من فترة ولايته الثانية التي عرضت على البرلمان في وقت سابق من الشهر الجاري، خصص رئيس الوزراء ناريندرا مودي 4 مليارات روبية (58 مليون دولار) لأعمال التنمية في أفغانستان.
لكن الحكومة التي تتوقع حدوث انتكاسة في حالة تولي حكومة معادية، بزمام السلطة في كابل، خفضت مخصصات لبناء ميناء تشابهار الإيراني إلى 450 مليون روبية (6.5 مليون دولار) من 1.5 مليار روبية (21.8 مليون دولار) للعام 2019-2020.
ومع الأخذ في الاعتبار الأعمال العدائية التي لا تنتهي مع باكستان المجاورة، تم اعتبار ميناء “تشابهار” كنقطة استراتيجية مهمة للهند، ليس فقط للاتصال بأفغانستان، ولكن أيضًا للسيطرة على الوصول إلى آسيا الوسطى وأجزاء من روسيا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استثنت الولايات المتحدة الميناء من نظام العقوبات الذي فرضته على إيران، والتزمت الهند باستثمار رأسمالي قدره 85.21 مليون دولار لتطوير رصيفين لمحطات الموانئ والحاويات وتحملت نفقات إيرادات سنوية قدرها 22.95 مليون دولار على مدى السنوات القليلة المقبلة.
** محادثات السلام…
يعتقد الخبراء أن القلق في الهند ينبع من حقيقة أنه حتى بعد تقديم ما بين 650 مليون دولار إلى 750 مليون دولار كمساعدات إنسانية واقتصادية، مما يجعل نيودلهي أكبر مزود إقليمي للمساعدة في أفغانستان ، فقد تم استبعادها رغم ذلك من محادثات السلام.
ومما يزيد من المخاوف أن باكستان انضمت إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين للتوصل إلى اتفاق مع طالبان.
واعترف المبعوث الهندي السابق لأفغانستان راكيش سود بأن الهند وحليفتها الحكومة الأفغانية لم تجدا مكانًا على طاولة المفاوضات. ومع ذلك ، حذر من أن “الصراع في أفغانستان لن ينتهي، لأن السلام لم يكن أبدًا الهدف الحقيقي للمحادثات، بل إن الهدف هو توفير مبرر للقوات الأمريكية لمغادرة البلاد”.
وقال سود إن “استثمار باكستان الصبور في طالبان قد أثمر”.
وتابع قائلاً “بعد خروج الولايات المتحدة، ستعلن واشنطن نهاية لأطول حرب خاضتها في تاريخها. لكن ذلك لن ينهي الصراع في أفغانستان لأن السلام في أفغانستان لم يكن أبدًا الهدف الحقيقي لموجة المحادثات الحالية. ولهذا السبب يشعر الأفغان والهنود بالظلم”.
ويعتقد السفير الأفغاني السابق في الهند شيدا العبدلي، أنه يجب إيجاد طريقة لحماية الجهود التي بذلتها الهند منذ 18 عامًا لتعزيز الهياكل المدنية في بلاده.
وأضاف: “إن عدم مبالاة الهند بالوضع الذي يشهد تطورا مستمرا في أفغانستان من المرجح أن يكلفها على المدى الطويل”.
ولعل الجانب الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للهند هو أن السفير الأمريكي في أفغانستان جون باس أعلن أن الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، المقرر إجراؤها في 28 سبتمبر/أيلول، يمكن تأجيلها حتى تكتمل عملية السلام مع طالبان، وعارضت الهند هذه الفكرة بكل قوة.
** الهند تعارض تشكيل حكومة مؤقتة وتأجيل الانتخابات
نقلت وسائل إعلام هندية مؤخرا عن مسؤول رفيع لم تكشف عن هويته أن مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، خلال محادثاته الأخيرة مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، نقل بعبارات لا لبس فيها أنه “من الضروري إشراك ممثلين عن الحكومة الأفغانية في المحادثات”.
كما أبلغ دوفال وزير الخارجية الأمريكي بأهمية إجراء الانتخابات بموعدها في أفغانستان.
وقال المسؤول إن الهند أعربت أيضا لكل من المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، والمسؤولين الروس عن معارضتها لاقتراح تنصيب حكومة مؤقتة في حالة تأجيل الانتخابات.
وفي السياق نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية رافيش كومال، في تصريحات صحفية مؤخرا، إن بلاده تدعم دائمًا عملية السلام والمصالحة الوطنية في أفغانستان.
ومع ذلك، أكد أن مثل هذه العملية يجب أن تكون بقيادة أفغانية ويسيطر عليها الأفغان.
وشدد على ضرورة أن تكون وجهة نظر الهند جزءًا من أي عملية سلام ومصالحة.
وقال وزير الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال إن “احتمالات المكاسب الديمقراطية في أفغانستان تتعرض لعرقلة خطيرة”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الصين وباكستان وروسيا ليس لها مصلحة في هذه العملية.
علاوة على ذلك، حذر سيبال من إمكانية استخدام الأراضي الأفغانية في أنشطة معادية للهند بعد انسحاب القوات الأمريكية.
وقال: “إن التهديد باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل باكستان وحركة طالبان لتدريب الإرهابيين وتشجيع الجهاد ضد الهند هو خطر حقيقي”.
وأضاف: “يمكن زعزعة استقرار آسيا الوسطى بسبب نشاط طالبان في أفغانستان، وهو ما سيعرضنا لخطر التطرف الديني والإرهاب من المنطقة”.
قلق الهند الآخر، هو أنه بمجرد إنهاء الولايات المتحدة لاحتلالها ، ستصبح الصين اللاعب المهيمن في هندو كوش، وهي سلسلة جبال تمر بأفغانستان وباكستان، مع احتمالية تحول أفغانستان إلى مركز رئيسي ضمن مبادرة الحزام والطريق.
كما قال الدبلوماسي السابق إم كي هادكومار، الذي عمل أيضًا سفيرا للهند بأفغانستان وإيران، إن صانعي السياسة الهنود تجاهلوا أن باكستان لديها مصالح مشروعة في أفغانستان ، لا تقل عن مصالح الهند هناك.
وأضاف أنه بسبب عدة عوامل ثقافية وتاريخية وقبلية “لا يمكن للأفغان أن ينفصلوا عن باكستان مطلقا”.
** الهند أخطأت الحقائق على الأرض
علاوة على ذلك، وفي حين أن نيودلهي استثمرت ببذخ في أفغانستان ، فقد أخطأت الحقائق الواقعية الأخرى، مثل أن الفساد الهائل يقوض عمل الحكومة في كابل ، ولم تدرك أيضًا أن الولايات المتحدة وحلفاءها يتورطون في حرب غير محسومة.
ونصح وزير الخارجية الباكستاني الأسبق، سلمان بشير، المجتمع الاستراتيجي الهندي بعدم النظر إلى مبادرة السلام الأفغانية من خلال “منظور قديم” يتمثل في معارضة تقاسم السلطة مع طالبان.
وأضاف أن “موقفا بناء من جانب الهند (في عملية السلام) سيكون مفيدا”.
وأشار إلى أنه لا يوجد ما يستدعي قلق نيودلهي بعدم إشراكها في محادثات السلام.
وكان الاجتماع رباعي الأطراف حول عملية السلام الأفغانية، الذي عقد في بكين يوم 12 يوليو/تموز، والذي ضم ممثلين من الصين والولايات المتحدة وروسيا وباكستان مع طالبان، توصل إلى اتفاق من ثماني نقاط.
وأكد المشاركون على توافقهم في الآراء بشأن صنع السلام وأشاروا إلى نيتهم في تسريع عملية السلام والتوصل لتسوية نهائية.
** اجتماع ترامب وعمران خان
نشر الممثل الخاص للولايات المتحدة في أفغانستان زلماي خليل زاد، الذي بدا متفائلاً بنتيجة الاجتماع، تغريدة عبر حسابه على تويتر قال فيها إنه يجب أن تسفر المفاوضات عن إطار سلام في أقرب وقت ممكن.
وقد فسرت نيودلهي بيانه الذي أشار فيه إلى وضع ترتيب سياسي شامل في المستقبل مقبول لجميع الأفغان، على أنه يمنح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لترتيب مؤقت في كابل، بشكل يمكن أن يزيح الحكومة الحالية.
وأبرزت هذه الخطوة أيضًا أن واشنطن وحلفاءها الغربيين قد عادوا مجددا إلى جعبة باكستان لضمان ألا تصبح أفغانستان “مرتعا للإرهابيين”، لذلك، تتجه الأنظار إلى لقاء رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 يوليو/تموز.
يوضح تشكيل الوفد الذي يرافق خان خلال زيارته واشنطن ويضم قائد الجيش قمر جاويد باجوا ورئيس الاستخبارات فايز حميد، أن إحياء العلاقات الاستراتيجية الباكستانية مع الولايات المتحدة مدرج على جدول أعمال الزيارة.
الاناضول