عندما تصبح الدولة سببا في صناعة الجماعات المسلحة
عبد الرب السلامي
تخوض الدولة حربا مع جماعات تصفها بالإرهابية في الجنوب، وقواتها الأخرى على استعداد لخوض حروب جديدة مع جماعات تصفها بالمتمردة في الشمال.
الحل العسكري والأمني هو الحل الوحيد الحاضر في ذهنية صناع القرار، دون أن نلمس أي مراجعات جدية لسياسات خاطئة -مثلت أسبابا رئيسة لتنامي ظاهرة العنف في اليمن- ظل يمارسها النظام السابق طوال سنين حكمه، ولم نر إلى الآن في ظل النظام الحالي أي مراجعات جادة لتلك السياسات بل الملموس واقعا هو العكس.
من تلك السياسات على سبيل المثال لا الحصر:
1- السياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة في وسط الشباب، وبالتالي هي التي تصنع من أولئك الشباب العاطلين عن العمل أهم رافد من روافد الجماعات المسلحة.
2- السياسات التعليمية المتخلفة هي التي تنتج الجهل والأمية وتدني مستوى التنمية الانسانية في المجتمع، وبالتالي فهي تصنع بيئة ثقافية واجتماعية حاضنة للعنف من جهة، وتصنع من أجيال التجهيل روافد أخرى لجماعات العنف.
3- السياسات الاجتماعية الفاشلة هي التي تؤدي الى التفكك الاجتماعي والاسري، وبالتالي فهي تصنع ظروفا اجتماعية لا تساعد الشباب على الاستقرار، وبالتتبع تجد أن كثيرا من الشباب المتجه للعنف -أيا كان نوع العنف- هم ممن يعانون من مشاكل وظروف اجتماعية غير مستقرة.
4- السياسات الارشادية الخاطئة والخطاب الديني السلطاني الزائف الممجد لولي الأمر، هي التي أنتجت في المقابل خطابا دينيا متطرفا يقابل الموالاة بالمغالاة والتفريط بالإفراط والتعبئة بتعبئة مماثلة.
5- فساد الحياة السياسية وغياب دولة المؤسسات وغياب التداول السلمي للسلطة وتحويل الديمقراطية إلى عملية ديكورية، أدت إلى انسداد سبل الاصلاح وآفاق التغيير السلمي وبالتالي اندفع كثير من الشباب الى انتهاج نهج العنف كسبيل وحيد للتغيير.
6- الفساد القضائي، وانتهاك حقوق الانسان في السجون، وازدياد أعداد المعتقلين دون محاكمات، والسكوت عن حالات القتل خارج نطاق القضاء، أدت إلى تولد الروح الانتقامية والثأرية تجاه موظفي الاجهزة الامنية والعسكرية.
7- السماح باللعب بالورقة الطائفية سياسيا إرضاء لأطراف إقليمية ودولية كفيل بصناعة العنف والتطرف المذهبي.
8- السياسات الخارجية الانبطاحية والقبول غير المحدود بالوصاية الاجنبية والسماح للقوات الاجنبية بانتهاك السيادة والقتل خارج نطاق القانون الانساني الدولي بالطائرات بدون طيار وغيرها أعطت للجماعات المسلحة أهم مبررات الوجود، بل إذا استمرت تلك الانتهاكات طويلا قد تؤدي في المستقبل الى تنامي تعاطف شعبي مع تلك الجماعات وقد تكسب تلك الجماعات حاضنة اجتماعية لنشاطها، ومواقف متعاطفة أو حتى محايدة من بقية القوى الدينية والوطنية والقومية المعتدلة.
9- عدم الوصول الى حل سياسي للقضية الجنوبية يرتضيه شعب الجنوب سيجعل الجنوب ساحة غير آمنة وغير مستقرة على المدى البعيد، وسيظل الحراك يفسر الصراع بين الدولة والقاعدة على أنه صراع بين مراكز القوى في نظام دولة صنعاء التي لا تعنيه.
الخلاصة:
أن الدولة قد تكون سببا في صناعة العنف، عندما لا يكون الإنسان ومستقبل الأجيال حاضرا في ذهنية صناع القرار السياسي.
يبقى الحل هو في المراجعات الشاملة والجدية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والدولية جملة بحيث يصبح الانسان “المواطن” هو محور العملية السياسية، ما لم فإن الدولة ستصبح هي الصانع الأول للموت والعنف والإرهاب، بقصد أو بدون قصد، ﻷن العبرة -في صوابية السياسة من عدمها- هي بالحال لا بالنوايا.