الوحدة اليمنية: من الثورة إلى الدولة – ملحمة وطنية متجددة
الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
في مثل هذا اليوم، 22 مايو/ أيار 1990، خُلد في ذاكرة اليمنيين حدث وطني تاريخي، تمثل في رفع علم الجمهورية اليمنية في مدينة عدن، إيذانًا بتحقيق وحدة اليمن شمالًا وجنوبًا، وإنهاء حالة التشطير والانقسام التي استمرت لعقود بفعل الاستعمار البريطاني في الجنوب ونظام الإمامة الكهنوتي في الشمال.
أرضية تاريخية:
مثّلت الوحدة هدفًا مركزيًا لحركات التحرر الوطني في الشطرين منذ ستينيات القرن العشرين، بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن ضد نظام الإمامة، وثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني. ومنذ ذلك الحين، ظلّ مطلب الوحدة حاضرًا في الخطاب السياسي وبرامج الحكومات المتعاقبة، حيث وُضعت مؤسسات ولجان متخصصة لشؤون الوحدة، رغم التحديات الكبرى التي واجهتها، وعلى رأسها التباين في النظامين السياسي والاقتصادي بين الشطرين.
تضحيات ومسيرة نضال:
يؤكد الأستاذ- ناصر الصبري- من مدينة” تعز” أن مسيرة اليمنيين نحو الجمهورية والوحدة والديمقراطية كانت مليئة بالتضحيات والآلام، وقد سقط على هذا الدرب خيرة رجال الوطن من الريف والحضر.
ويشدد -الصبري- على أن هذه التضحيات أسست وعيًا وطنيًا متجذرًا، شكل نواة الدولة اليمنية الحديثة بهويتها السياسية والاجتماعية، رغم التحديات والتجاذبات التي تحاول اليوم تقويض ذلك الإرث الوطني من خلال الدعوات الانفصالية أو مشاريع إعادة الإمامة الكهنوتية.
الوحدة ثمرة النضال الوطني:
لقد كانت الوحدة اليمنية، التي تحققت في 22 مايو 1990، ثمرة لمسيرة نضالية طويلة بدأت منذ أولى حركات التحرر الوطني، مرورًا بثورات 1948 و1955 وذروتها بثورتي سبتمبر وأكتوبر، اللتين أسقطتا الحكم الإمامي والاستعمار البريطاني. وكان كل تشكيل حكومي في الشطرين قبل الوحدة يتضمن وزيرًا أو مستشارًا لشؤون الوحدة، في دلالة على مركزية هذا المشروع في الوعي الرسمي والشعبي.
مواجهة التحديات الراهنة:
واليوم، يواجه اليمن تحديات جسيمة في ظل استمرار انقلاب ميليشيا الحوثي، الحامل للمشروع الإمامي السلالي، الذي يتقاطع مع المشاريع الانفصالية الرامية لتفكيك اليمن وإعادته إلى ما قبل الدولة الوطنية. ويخوض الشعب اليمني نضالًا مستمرًا دفاعًا عن مكتسباته الوطنية وفي مقدمتها الجمهورية والوحدة، مستندًا إلى مرجعيات الحل السياسي الثلاث: المبادرة الخليجية، مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ومثلت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل إطارًا جامعًا لرؤية اليمنيين حول شكل الدولة الحديثة، حيث تبنت صيغة جديدة للوحدة تقوم على العدالة في توزيع السلطة والثروة، وتحقيق التوازن بين المركز والأطراف، مما يُعد الحل العادل للقضية الجنوبية وضمانًا لوحدة اليمن واستقراره.
ختامًا:
إن أي محاولات للنيل من وحدة اليمن ستبوء بالفشل، لأن الوحدة ليست خيارًا سياسيًا فحسب، بل هي تجسيد لإرادة شعبية ووجدان وطني عميق. فالوحدة اليمنية ليست مجرد منجز تاريخي تحقق في 22 مايو 1990، بل هي مشروع مستمر في الحماية والتعزيز، يرتبط بالحرية والعدالة والديمقراطية، ويشكل الضمانة الأهم لأمن اليمن واستقراره وسيادته.