تقارير ومقابلات

“فلا تُشْمِتْ بي الأعداء” درس قرآني عميق في فن إدارة الصراع ووحدة الصف..قراءة في مقال الدكتور “العامري “

الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
ينطلق مقال -الشيخ الدكتور- “العامري ” من مشهدٍ قرآنيٍّ عميق يجسّد لحظةً حرجة من تاريخ بني إسرائيل، حين عاد موسى عليه السلام من ميقات ربه ليجد قومه قد عبدوا العجل، فاستشاط غضبًا على أخيه هارون عليه السلام، الذي أوكلت إليه مسؤولية قيادة القوم. وفي لحظة التوتر والعتاب، استنجد هارون بأخيه قائلاً:
{ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي، فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ}(سورة الأعراف: 150)
هذه العبارة المكثفة تختزل درسًا سياسيًا بالغ العمق، مفاده أن من أولى واجبات القيادة في لحظات التصدّع والانقسام: حفظ الصف من التمزق الداخلي، وتجنّب إظهار الخلاف للخصوم، دفعًا للشماتة والتشفي.
البعد السياسي :
في استنجاد هارون عليه السلام نجد خطابًا عاطفيًا رقيقًا (“ابن أمّ”) يتوسل إلى رابطة الأخوة الإنسانية، ويذكّر بالعلاقة الوجدانية، ثم يطلب منه أمرًا ذا دلالة سياسية:
“فلا تشمت بي الأعداء”
وهذا يدل على وعي سياسي عميق بخطورة إظهار الخلاف داخل الصف الواحد، لأن العدو لا يستثمر شيئًا كما يستثمر انكشاف التناقضات بين خصومه.
فـ”الشماتة” هنا ليست مجرد سخرية، بل مؤشر على ضعف البنية الداخلية، وفقدان الهيبة، وانكشاف الصف من الداخل، وهو ما يفتح المجال أمام تغوّل الأعداء وتساقط المهابة والردع.
تطبيق الدرس على الواقع اليمني:
ينتقل المقال من النص القرآني إلى الواقع السياسي اليمني، ليُظهر كيف أن الخصومات الحزبية والمنازعات الداخلية بين قوى مقاومة الانقلاب الحوثي، تُعدّ هدية مجانية للعدو، وتفتح باب الشماتة واسعًا أمام الخصوم.
ويشير إلى أن بعض الساسة يخرجون نزاعاتهم من القنوات المغلقة إلى العلن، ما يجعل وسائل الإعلام، المحلية والدولية، ساحة مفتوحة لبث الضعف والانقسام، في الوقت الذي يحرص فيه الحوثيون على خطاب موحد، منضبط، ومتزن.
كما ينتقد المقال ضعف ترتيب الأولويات، والانشغال بالقضايا الهامشية والفرعية على حساب القضايا السيادية والمصيرية، الأمر الذي يُعدّ خللًا في التفكير السياسي، كما وصفه القرآن الكريم بقوله:
{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ}
في إشارة إلى افتقادهم لوحدة الهدف والبوصلة.
مظاهر الشماتة المعاصرة
يرصد المقال مظاهر عدة تُسهم في استجلاب شماتة الأعداء في الواقع اليمني، أبرزها:
– كثرة الشكوى والنجوى في المحافل الدولية، وتحويل قضايا اليمن الكبرى إلى مادة لتصفية الحسابات الداخلية.
– الانشغال بالمكاسب الفئوية والحزبية، والتهافت على المناصب وسط أزمة وطنية شاملة.
– تغييب أصحاب الكفاءات والنزاهة، لصالح الاعتبارات المناطقية والترضيات السياسية.
– التخادم مع الخصوم الفكريين والأيديولوجيين، على حساب الشركاء الوطنيين.
ويُبرِز المقال أن هذه السلوكيات لا تؤدي فقط إلى الشماتة، بل تُفقد القوى السياسية المصداقية والثقة أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي، لأن “الناس لا يتحفزون لنصرة الضعفاء والمتشاكسين”، كما ورد في النص.
يقول الكاتب- صالح يوسف- : إن مقال الشيخ الدكتور العامري الذي نشر امس في صفحته- فيسبوك- استعرض أهم الدروس السياسية، ومنها :أن على السياسي ألا يُظهر الضعف أمام الأعداء، حتى في أوقات السقوط أو المحن، بل يجب أن يتحلى بالثقة في قدرته على النهوض من جديد. فالشعوب والقيادات مطالَبة بالحفاظ على كرامتها وثقتها، حتى في لحظات الهزيمة المؤقتة.
ويضيف: أن في المقال دعوة ضمنية إلى الحذر من الشماتة السياسية، التي قد تُستغل لتبرير الاعتداء أو لإضعاف الخصم معنويًا. فالسياسي الحكيم لا يمنح خصومه فرصة لاستغلال أزماته لصالحهم.
ويؤكد: أن الخطاب في الآية لا يدعو إلى الانتقام، بل يحث على التسامح مع الذات والثقة بالله. فالسياسة الراشدة يجب أن تُبنى على الأخلاق والقيم، لا على المكايدة أو روح الانتقام.
البغي داخل الشراكات السياسية
يختم المقال بتأصيل قرآني آخر مأخوذ من قوله تعالى:
{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}
ليبيّن أن الخلل في توزيع الحقوق داخل الشراكة السياسية، وأكل بعض الأطراف حقوق غيرهم، يمثل صورةً أخرى من البغي والظلم.
ويؤكد أن غياب العدل في الشراكة السياسية، سواء في اقتسام السلطة أو إدارة المرحلة، يسهم في تفكك التحالفات ويفتح الباب واسعًا لتسلل الأعداء ومشروعهم التدميري.
السياسة لا تدار بالعاطفة ولا بالتنازع
المقال يعيد التأكيد على أن السياسة تحتاج إلى نضجٍ، وحكمةٍ، وإدارة دقيقة للخلافات، بحيث تُعالج داخليًا لا علنًا، وأن الحرص على وحدة الصف ليس مجاملة، بل ضرورة وجودية في لحظات الصراع المصيري.
كما يذكّر بأن العدو الأيديولوجي والاستراتيجي لا يرحم خصومه المتنازعين، بل يتغذى على ضعفهم، ويستثمر في خلافاتهم، ليحوّلهم إلى أدوات لتبرير بقائه وبسط نفوذه.
فلا تُشْمِتْ بي الأعداء…
ليست مجرد مناشدة، بل مبدأ سياسي استراتيجي يُحسن بالقيادات والمؤثرين أن يعوه جيدًا في كل مرحلة صراع أو بناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى