فلسطين تطوي النكبة و تعلو بالمقاومة
الرشادبرس..
مقال /احمد عبدالملك المقرمي
خمس و سبعون سنة مرت على نكبة العرب في فلسطين، ويمكن لهذه السطور أن تقف بخاطرة سريعة، بين موقف العرب كأمة ذات تاريخ عريق، و رسالة حضارية انسانية، كما لها كيانها، و سيادتها، و أهدافها، وتطلعات شعوبها؛ و هو ما كان- مأمولا- و مايزال، أن تستشعر، بكل الحواس و المعطيات خطر التحدي الذي واجهته منذ نكبة العرب في فلسطين؛ و بين موقف الشعب الفلسطيني و مقاومته للكيان الغاشم الذي احتل فلسطين.
إن عنصر التحدي الذي يهدد وجود، أو حتى سيادة أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب؛ فإنه يغدو باعث تحفيز، و يتحول إلى مصدر إلهام لقيادات تلك الأمة، أو ذلكم الشعب، يدفعه دوما إلى بذل قصارى الجهود لدفع الخطر، و بناء الذات و استنهاض القدرات التي توازي بل تسابق ما لدى العدو الذي يشكل الخطر و التهديد.
ثمة مرتكزات، و عوامل لابد من توافرها لبناء الذات والقدرات؛ يدرأ الخطر، و يفضي إلى الاستعصاء و التفوق. إن أي أمة مفككة، لا يمكن لها ان تمضي في طريق البناء، و لا في قيادة التحولات التنموية بمختلف مجالات هذه التحولات المنشودة. و إن بناء المجتمعات لا تكون أبدا بالقطيعة بين الشعب، أي شعب و قياداته، غير أن مسؤولية بناء الجسور، و تمتين الروابط، و شد العلاقات تقع في الدرجة الأولى على قيادة هذه الأمة، أو ذلك البلد. و هذا يمثل الأرضية الأساس للبناء و التحول النهضوي الشامل. أما حين تكون هناك قطيعة بين الحكومات و الشعوب، ربما تصل إلى حد أن تكون علاقات بعض الحكومات بدول أخرى أكثر ودّا وصلة من علاقاتها بشعبها؛ فتلك خيبة تزرع الفرقة، و تغرس التخلف، و تسيئ للحاضر و المستقبل، و تفيد قوى التربص الخارجي، و الاستبداد.
إن انطلاقة أي مجتمع من المجتمعات ؛ إنما يأتي من تضافر و تماسك المجتمع قيادة و شعبا. لقد مثل الكيان الغاصب لفلسطين تحديا خطيرا للأمة، ما في ذلك أدنى شك، و لكن.. هل تعاملت الأمة مع هذا التحدي بمسؤولية؟ بل فلنكن أكثر صراحة و وضوح؛ هل تعامل النظام العربي بمراحله المتعاقبة بفعل مسؤول يوازي تحديات المشاريع المتربصة بالأمة !؟ إن الإجابة على هذا التساؤل موجع جدا ..!! خمس وسبعون سنة و حصادها لا يرضي الشعب العربي أبدا. أما موقف الشعب الفلسطيني البطل؛ و هو الشق الثاني للخاطرة التي أشارت إليها هذه السطور-سابقا-فقد كان الكيان الغاصب، و من وراءه يراهنان في استقرار كيانهم المزروع على مرور الوقت، الذي سيستقر كل ما مضت السنوات، و ما على المحتل و القوى التي تقف وراءه إلا انتظار أن يتقادم عمر الجيل الفلسطيني الذي شهد النكبة فيشيخ، و يأتي الجيل الذي يليه فيكون أقل تفاعلا، و يأتي الذي بعده فيتطبع بالوقع المفروض.
راهن الكيان الغاصب على هذا المأٓل، و على هذا راهن معه صانعوه.. و لكن ، كان مسار الشعب العربي الفلسطيني غير مسار الأنظمة العربية، و هذه مزية فارقة تحسب للشعب الفلسطيني الصامد المجاهد. لقد خط الشعب الفلسطيني مساره بعزيمة رائدة، في خط الجهاد و المقاومة للمحتل، و على غير ما قدره (الصانع) و (المصنوع)، فقد كان كل جيل جديد من الشعب الفلسطيني يأتي على خطا من سبقه، بل و أشد صلابة في حمل همّ المقاومة و الجهاد.
ببساطة متناهية، و بأدلة كضوء الشمس في رابعة النهار ؛ تأمّل في وضع حال الكفاح الفلسطيني في السنة الأولى في مقاومة الكيان الغاصب و من وراءه، ثم تتبع المقارنة عاما عاما، و سنة سنة، و مرحلة مرحلة.. مرورا ببداية استخدام الصواريخ بصورتها البدائيّة التي كانت محل سخرية القريب قبل البعيد .. ثم امض في المقارنة إلى أن تصل إلى أيام معركة سيف القدس، و ما قبلها، و ما بعدها، و انتهاء بمعركة ثأر أحرار فلسطين، و ما تقوم به من ضرب عمق الكيان الغاصب ..!! أي الفريقين أعظم مقاما، و أحسن أداء.
ألم يكن بمقدور الأمة جميعها بموقعها الهام، و خيراتها الوفيرة، و قدراتها المعطله، و شعبها الحر الأبي أن يكون لها يد طولى أيضا، تحرر به الأرض، و تحمي العرض، و تستعصي على كل الأعداء، و تهزم كل المشاريع العدائية المتربصة، التي استأسدت في أرض رأتها خالية ..!!؟ ثقة الشعب العربي اليوم، و معه شعوب الأمة الإسلامية يتعاظم بمقدرة المقاومة الفلسطينية على زلزلة المشروع الصهيوني، و يتطلع الشعب العربي إلى قوة أخرى تزلزل المشروع الفارسي.
إن كفاح الشعب الفلسطيني اليوم، و قدرات مقاومته التي تتعاظم، رغم الحصار و الخذلان؛ ليفرض على الأمة إعادة حساباتها في كل اتجاه؛ حتى لا تبقى مستهدفة من أحد، أو تبقى قابعة في مؤخرة الركب.