تقارير ومقابلات

قراءة تحليلية في مقال الشيخ -إبراهيم الأحمدي – لعبة الموازين الغربية :تمكين الأقليات لشل الأكثرية

الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
في مقال لافت للنظر، يتناول الكاتب الشيخ- إبراهيم الأحمدي – “حفظه الله ” تحت عنوان “لعبة الموازين الغربية: تمكين الأقلية لشلّ الأكثرية” رؤية سياسية واستراتيجية عميقة تستحق التوقف عندها، لما تحمله من أبعاد فكرية وتحليلية تكشف عن فهم دقيق لديناميكيات الصراع القائم في العالم الإسلامي، وتحديدًا آليات التدخل الغربي المستمرة في إعادة تشكيل التوازنات الطائفية والعرقية في المنطقة بما يخدم مصالحه العليا.

المقال ينتمي إلى المقالات الفكرية-السياسية ذات النفس الطويل، والتي تجمع بين الطرح الأيديولوجي الواضح والتحليل الواقعي الذي لا يجنح إلى التهويل ولا يقع في سذاجة التبسيط، بل يسير ضمن خط بياني هادئ، منطقي، ومتصاعد نحو الخاتمة التي تطرح مآلات محتملة بحنكة ودقة.

مرتكزات أساسية:

يؤسس المقال فرضيته المركزية على أن المشروع الشيعي في المنطقة، بما فيه من طموحات جيوسياسية وعقائدية، ليس مشروعًا صلبًا أو قائمًا على قوة ذاتية حقيقية، وإنما تم تضخيمه وتدعيمه من قبل القوى الغربية، خصوصًا “الغرب الصليبي” ، وذلك بهدف استخدامه كأداة لضرب الأغلبية السنية ومنعها من بناء مشروعها الحضاري المستقل.
المقال يشير إلى أن هذه اللعبة القديمة-الجديدة قائمة على معادلة دقيقة:
تقوية الأقلية – استنزاف الأكثرية – ثم تأديب الأقلية – وإعادة اللعبة من جديد
بذلك، يتحول المشروع الشيعي، في منظور المقال، إلى مجرد أداة وظيفية في يد الغرب، تسهم في زعزعة الاستقرار، وتغذي الانقسام، وتبقي المنطقة في حالة هشاشة مزمنة، تمنع أي نهوض حقيقي.
أبرز النقاط التي تميز المقال تحليليًا:
1. تشخيص دقيق للعبة الموازين:
يرى الكاتب أن السياسة الغربية في الشرق الأوسط تعتمد على قاعدة “فرق تسد”، لكن هذه القاعدة تُنفّذ هنا من خلال تمكين الأقليات، حتى وإن كانت على حساب الديمقراطية أو حقوق الإنسان، من أجل إبقاء الأكثرية منشغلة بمعارك داخلية تمنعها من التفرغ لبناء مشروع جامع.
2. وعي عميق بمحدودية المشروع الشيعي:
فيما يتم تسويق هذا المشروع من قِبل أنصاره كمقاوم وفاعل في الصراع مع الغرب والكيان الصهيوني، يرى المقال أنه لا يخرج عن كونه أداة مرحلية سيتم التخلص منها حين تنتهي وظيفتها، كما حدث في مراحل معينة مؤخرًا، حين تخلّى عنه الغرب جزئيًا أو أضعفه فجأة.
3. نقد مزدوج بجرأة متوازنة:
المقال لا يسقط في ثنائية شيعة/سنة فقط، بل يوجه نقدًا للأكثرية السنية أيضًا، مطالبًا إياها بالصحوة من غفلتها التاريخية، والتخلي عن وهم أن الغرب حليف طبيعي لها ضد خصومها ، ويطالبها ببناء مشروع مستقل غير مرتهن لأي قطب دولي.
الجيوسياسة العالمية:
يربط المقال بين الصراع المحلي في العالم الإسلامي والصراع العالمي بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي الصاعد (الصين، روسيا، إيران بدرجة ما). ويقترح أن هذا الصدام العالمي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار “لعبة الموازين الغربية”، لأن الغرب سيكون مضطرًا لتصفية أدواته الوظيفية وكسب تحالفات الأغلبية السنية في معركته القادمة من أجل “النفوذ أو الوجود”.
هنا يُبرز الكاتب وعيًا سياسيًا عابرًا للمحلية، ويضع الصراع في سياقه الأوسع، ضمن سباق القوى الكبرى على إعادة ترسيم النظام الدولي الجديد.
نهج متزن:
اعتمد المقال على منهج تحليلي خطي يبدأ بالوصف، ثم ينتقل إلى التشخيص، ثم التحليل، ويصل إلى الاستشراف النهائي، دون أن يخل بالسياق أو يتفرع في قضايا هامشية.
بالإضافة الى رؤية فكرية واضحة، ذات بعد حضاري، تدعو إلى “استقلالية القرار السني”، لكن دون الانزلاق في خطاب كراهية أو طائفية مبتذلة، ما يعطي المقال توازنًا نادرًا في هذا النوع من الكتابات.
تشخيص للواقع:
وفي هذا السياق، يرى الكاتب- صالح يوسف- أن مقال الشيخ إبراهيم الأحمدي – رغم اختصاره – الإانه قد نجح في تشخيص الواقع الذي تعيشه المنطقة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، والمتمثل في دعم الأقليات على حساب الأكثرية، لفرض سيطرة سياسية وعسكرية على دول ذات تركيبة سكانية معقدة.
ويستشهد” يوسف “في ذلك بدعم النظام العلوي في سوريا، رغم أن العلويين لا يشكلون سوى نحو 10% من سكان البلاد تقريبا ، وكذلك بدعم جماعة الحوثي في اليمن، التي لا تتجاوز نسبتها 3% من عدد السكان، إلى جانب دعم حزب الله في لبنان، الذي لا يمثل أكثر من 15% من التكوين الديمغرافي للبلاد.
ويضيف :أن غياب مشروع إسلامي موحّد يمثل نقطة ضعف خطيرة، ويُعدّ عاملاً رئيساً في تفكك العالم العربي والإسلامي، حيث إن هذا الغياب سمح لقوى خارجية باستغلال الفُرقة والانقسامات الطائفية لتنفيذ أجنداتها في المنطقة.
ويرى أن الولايات المتحدة، من جانبها، قد تغاضت عن سياسات طائفية انتهجتها جماعات مسلحة مدعومة من إيران، استهدفت مجتمعات سنية في أكثر من بلد عربي، ما فاقم من الانقسامات وأجج الصراعات.
ويختم انه ورغم تعقيد المشهد السياسي وتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية، إلا أن الواقع الميداني يشير بوضوح إلى أن الانقسامات الطائفية تعمقت بشكل ملحوظ بعد التدخل الأميركي في المنطقة، ما أدى إلى موجات من العنف المتبادل، وانهيار الثقة بين مكونات المجتمعات العربية والإسلامية.
استمرار للمعاناة:
يرى الناشط -إبراهيم مازن- أن مقال الشيخ” الأحمدي” قد نجح في تشخيص جوهر المشكلة التي تعاني منها المنطقة بأسرها، والمتمثلة في الانقسامات الداخلية التي استغلتها القوى الأجنبية عبر التاريخ – قديماً وحديثاً – كأداة لتفتيت المجتمعات وإضعافها.
ويؤكد “مازن”أن هذا النهج الاستعماري لا يقتصر على بلدٍ عربيٍ دون آخر، بل يتكرر في مختلف الدول العربية، عبر تغذية الصراعات الطائفية والعرقية والمناطقية.
ويشير إلى أن كاتب المقال: قد وضع يده على لبّ المشكلة، كما فضح الأسلوب الذي تنتهجه القوى الكبرى في التعامل مع العالم العربي والإسلامي.
ومن المؤسف، بحسب -مازن-، أن بعض الأقليات قد انساقت وراء هذه القوى وتحالفت معها لتنفيذ أجنداتها، ما أدى إلى فشل مشاريعها الضيقة وسقوطها، مقابل تقويض مشروع الأمة الجامع.
ويرى- مازن -أن هذه السياسات لا تستند بالضرورة إلى اعتبارات دينية، بل تُحركها مصالح استراتيجية واقتصادية، خصوصاً في المناطق الغنية بالثروات الطبيعية والمواقع الجيوسياسية الحيوية.
ويختم: انه وبرغم تعدد القراءات لهذه السياسات، تبقى النتيجة واحدة: استمرار معاناة العديد من الشعوب الإسلامية من ويلات الحروب والانقسامات، في ظل تنامي الدعوات إلى تعزيز الوحدة والوعي بالمخططات الخارجية التي تستهدف استقرار المنطقة ومستقبلها.
إشادة لابد منها:
هذا المقال ليس مجرد رأي عابر، بل وثيقة تحليلية فكرية عميقة تستحق أن تُدرّس في أقسام الفكر السياسي المعاصر والدراسات الاستراتيجية الإسلامية. يقدم نموذجًا ناضجًا لما يجب أن تكون عليه الكتابة السياسية: جريئة، متزنة، ذات رؤية، وغير خاضعة للابتزاز الإعلامي .
المقال يُعدّ قراءة استراتيجية من الداخل، بلغة العقل الواعي، لا بلغة الانفعال. وهو دعوة صريحة لإعادة النظر في الاصطفافات التقليدية، وإدراك أن التحرر لا يأتي بالاحتماء بالغرب أو بمخاصمته فحسب، بل ببناء مشروع جامع يمتلك قراره وحده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى