مأرب في رمضان: أجواء إيمانية وتحديات مستمرة وسط الأزمة الإنسانية
الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر
مع انقضاء الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، تتلألأ مدينة مأرب بأجواء روحانية استثنائية، حيث تضيء أنوار الشهر الكريم شوارعها ومساجدها، فتنبعث منها أصداء التهليل والتكبير، معلنةً قدوم هذا الشهر الفضيل وسط آلام ومعاناة تتحدى قوة الإيمان في قلوب أهلها. ورغم الصعوبات التي يواجهها سكان المدينة جراء الحرب والحصار الحوثي المستمر، تظل مأرب حية، نابضة بالأمل، ترفض الاستسلام لواقع مرير، متمسكة بروحانية رمضان وطقوسه التي تعكس صمود أبنائها وإصرارهم على العيش وسط الألم.
روحانية رمضان في مأرب
تتجلى روحانية شهر رمضان في مأرب بكل معانيها السامية، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يتوافدون بأعداد كبيرة لأداء صلاة التراويح في أجواء من الإيمان والسكينة. تعلو أصوات التهليل والتكبير في المساجد، لتكون شاهدًا على تمسك أهل المدينة بقيمهم الدينية في أصعب الظروف. كما يحرص الأهالي على إقامة موائد الإفطار الجماعية في الساحات والمنازل، في جو من التراحم والمودة، حيث يتبادل الجميع التهاني ويؤكدون على روح التكافل الاجتماعي التي لا تنكسر حتى في وجه ضغوط الحياة.
التحديات الإنسانية
ورغم الأجواء الروحانية المبهجة، لا يزال سكان مأرب يعانون من أزمات إنسانية متفاقمة. ومن أبرز هذه الأزمات الحصار المفروض على المدينة من قبل الحوثيين، الذي يزيد من معاناة السكان، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية. يعاني المواطنون، خصوصًا الأسر ذات الدخل المحدود، من صعوبة كبيرة في تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل هذا الواقع الاقتصادي القاسي.
يتضاعف هذا الضغط مع غلاء بعض المواد الغذائية، مما يجعل الوضع أكثر قسوة بالنسبة للعديد من الأسر التي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة. ورغم هذه الصعوبات، يصر سكان مأرب على التمسك بتقاليدهم الرمضانية، ساعين لإحياء الشهر الفضيل بأفضل الطرق الممكنة، متجاوزين التحديات بصبر وإيمان.
يقول الأستاذ ناصر المرادي: “إن قيم التضامن والتعاون والتكافل تظل حاضرة خلال الشهر الفضيل في محافظة مأرب، من خلال تنفيذ العديد من الأعمال الخيرية المختلفة، خاصة تحضير وجبات الإفطار وتجهيز السلال الغذائية المجانية للمحتاجين والأيتام والأسر النازحة.”
ويضيف المرادي: “إن هذا الفعل الخيري الذي يحرص العديد من المحسنين والجمعيات الخيرية في المدينة على ترسيخه، يجسد روح التضامن والتآزر التي يسعى أهل الخير إلى الحفاظ عليها، بهدف تعزيز الروابط الاجتماعية في هذا الشهر المبارك.”
ويشير أيضًا إلى أن سكان مدينة مأرب يولون أهمية كبيرة للجانب التعبدي في شهر رمضان، ولا سيما من خلال الحرص على إقامة الصلوات في المساجد، خاصة صلاة العشاء والتراويح، فضلًا عن تبادل الزيارات بين العائلات والأصدقاء، وتقاسم وجبة الإفطار.
الأمن والاستقرار في المدينة
رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المدينة، فإن مأرب تشهد استقرارًا أمنيًا ملحوظًا بفضل الجهود المستمرة التي تبذلها السلطات المحلية والشخصيات الاجتماعية. تنظم السلطات حملات أمنية مكثفة في الأسواق والمراكز التجارية، وتعمل على ضبط حركة المرور، مما يساهم في تأمين الأجواء الرمضانية. هذه الإجراءات الأمنية تعزز الطمأنينة في نفوس الأهالي، الذين يشعرون أنهم قادرون على العيش في أجواء رمضان بأمان، رغم ذكرى الأوقات الصعبة التي مروا بها في السنوات الماضية.
مدينة شامخة رغم التحديات
ومع كل هذه التحديات الاقتصادية والأمنية، تظل مأرب مدينة نابضة بالحياة، يصر سكانها على الاحتفاء بشهر رمضان وإحياء طقوسه الدينية والاجتماعية بروح من التكافل والتضامن. مشهد المدينة المتألق بأنوار الشهر الكريم يؤكد أن إرادة الحياة أقوى من كل الظروف، وأن مأرب ستظل شامخة وصامدة، تتحدى الأزمات والمصاعب، حاضنةً لكل أبناء الوطن. ففي كل زاوية من زوايا المدينة، يتجدد الأمل، ويستمر الناس في السعي نحو مستقبل أفضل رغم قسوة الواقع.
دعوات مستمرة لدعم النازحين
تستمر مأرب في استقبال النازحين من مختلف المناطق المتأثرة بالحرب، حيث يضم مخيم النقيعة نحو 243 ألف نازح، في ظل وجود أكثر من مليونين و200 ألف نازح في المحافظة، وفقًا للبيانات الصادرة عن الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين التابعة للحكومة الشرعية. ورغم الدعوات المتواصلة من المنظمات الإنسانية لتقديم الدعم للنازحين في اليمن، لا يزال الوضع الإنساني في مأرب يشكل تحديًا كبيرًا. فقد أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لم يتلقَ سوى 9% من التمويل اللازم لمساعدة العائلات النازحة خلال العام الجاري، ما يعكس أزمة إنسانية متزايدة حيث يعتمد الآلاف من النازحين على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. إن نقص التمويل يزيد من معاناة هؤلاء النازحين، الذين يعيشون في ظروف قاسية داخل المخيمات.
فرحة بديلة وسط الصعوبات
في هذا السياق، يحاول أحمد النهمي، أحد النازحين في مأرب، إضفاء لحظات من الفرح والبهجة على أسرته في شهر رمضان، رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها. يقول النهمي: “اشتقنا إلى بلادنا وأسرنا، رغم أننا هنا نعيش في جو من الألفة والتكافل، كان لدينا أجواء احتفالية مختلفة، حيث كنا نتنافس في تزيين المنازل وتزيين الأحياء، ونعد جلسات الذكر في المساجد. لكن الآن أصبح رمضان عبئًا ثقيلًا علينا، خاصة ونحن نصوم في المخيمات تحت حرارة الصحراء القائظة.”
يشير أحمد إلى أن المخيمات، رغم كونها ملاذًا للفارين من جحيم الحرب، لا توفر الكثير من الرفاهية أو الراحة، لكنها تبقى مكانًا للمقاومة والصمود.
الخاتمة
رغم المعاناة الكبيرة التي يعيشها سكان مأرب بسبب الحرب والنازحين، تظل المدينة نموذجًا حيًا للعيش في ظل التحديات. ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة والحصار الحوثي، يبقى أهل مأرب متمسكين بالأمل، متشبثين بالروحانية التي يضفيها شهر رمضان على قلوبهم. ومع غياب الدعم الكافي للنازحين، تظل الحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية لتخفيف معاناتهم وضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية. ومع ذلك، تظل مأرب مدينة تتوهج بأنوار رمضان وإرادة الحياة الصلبة، ماضية في طريقها نحو تجاوز كافة الصعاب.