مقالات

ماذا يعني لك يـومُ عاشــوراء ؟


بقلم / أبو غالب الحميري
………………………………………………………………………………
عاشـوراء ..
هو اليوم العاشر من محرم، وهو يوم فريد من أيام الله تعالى الخالدة، التي أمر الله كليمه موسى عليه السلام، أن يذكر بها قومَه : (وَذكِّرْهُم بأيامِ اللهِ) .

ففي هذا اليوم كان هلاك رأس الكفر ورمز الطغيان في الأرض – فرعون وقومه – ونجاة الأمة المستضعفة من بني إسرائيل بقيادة كليم الله موسى عليه السلام، تحقيقاً لوعدالله :
(ونُريد أنْ نَمُنَّ علىٰ الذين استضعِفُوا في الأَرْضِ ونجعلَهم أئمةً ونجعلَهم الوارثين ونمكِّنَ لهم في الأَرْضِ ..).

وبمرور هذا اليوم العظيم تتجدد للمسلم المتبع معانٍ كثيرةٌ، وحِكَمٍ وأسرار بديعة .. ومن أهمها في نظري :
▫️شكر الله تعالى، على نصره لأوليائه، وإهلاكه لأعدائه، كما جرت بذلك سنته التي لا تتبدل .
▫️ارتباط المسلم بتأريخ الرسالات السماوية، والشعور بصدق الانتماء والولاء للحق وأهله في كل زمان ومكان .
▫️تتجسد فيه كل معاني الثقة بالله والتوكل عليه، والاستبشار بقرب نصره وتمكينه لأوليائه، وإزهاقه لزهو الباطل المنتفخ ومحقه، وإن بلغ من القوة منتهاها .
▫️أن نصر الله لأي رسول أو أمة، هو نصر لهذه الأمة، لارتباطها بالحق وأهله زماناً ومكاناً، ومفاصلتها للباطل وأهله زماناً ومكاناً .
▫️أن شرع من قبلنا شرع لنا، وذلك لأن شريعتنا امتداد لتلك الرسالات الخالدة، فيشرع لنا ما يشرع لهم، من شكر الله وحمده على تجدد النعم وغيرها على الدوام، كما يشرع لنا ما يشرع لهم من العبادات، ما لم يكن ذلك التشريع من خصائص تلك الأمة، أو جاء شرعنا بخلافه .
ومن ذلك ما تقرر من مشروعية صيام هذا الشهر المحرم بعمومه، ومشروعية صيام يوم عاشوراء بخصوصه، شكرًا لله تعالى، وتأسياً بسنة الأنبياء الهـداة الأبرار، كيف لا وقد وصفت هذه الأمة في كتب من قبلنا بأنهم : (الحمـادون)، وهم أحق الناس اتباعاً للأنبياء، وتأسياً بهم، ونصرةً لهم .
▫️أن الفرح بهلاك الطغاة المفسدين وزوال ملكهم من الأرض، وبنجاة المصلحين وانتصار دعوتهم وتمكينهم فيها، هو من النعم العظيمة التي استقرت الشرائع على فضل شكرها وتخليد ذكرها، كما قال تعالى ممتناً على هذه الأمة : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون).
وتخليد هذا التحول في ذاكرة الأتباع أمر معلوم في تأريخ الرسالات كلها، ومن هذا المعنى والفقه العميق ما فعله فاروق الأمة الملهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من اختيار بداية التأريخ الإسلامي وربطه بحادثة الهجرة العظيمة، لما فيها من الانتقال والتحول من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن عهد الذل والاستضعاف إلى عهد القوة والاستخلاف! وهو اختيار له دلالاته العميقة، وليس مجرد اتفاق لا معنى له .
▫️أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من فضل صيام عاشوراء، وأنه يكفر ذنوب سنة كاملة؛ إنما هو والله أعلم، خاص بهذه الأمة وحدها، وليس حاصلاً لمن كان يصومه من اليهود قبلهم، وذلك لتعظيم هذه الأمة لقدر كليم الله موسى وإيمانهم به وتأسيهم بسنته في صيامه، وإيمانهم كذلك بجميع الأنبياء دون تفريق بينهم، مع إيمانهم واتباعهم لنبيهم عليه وعليهم جميعاً الصلاة والسلام .
ونظير هذا الفضل، ما ثبت من تضعيف الأجر للمسلم الكتابي الذي يؤمن بنبينا ويتبعه، حيث يعطى الأجر مرتين، لإيمانه بنبيه، وإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه له، كما صحت بذلك الأحاديث، وهذا فهم مني ولم أطلع على من قال به .
▫️أن التأريخ المعتبر لتحديد زمن العبادات المشروعة هو الأشهر الهجرية القمرية دون غيرها، وأن هذا التأريخ هو تأريخ للبشرية كلها، وليس خاصاً بالعرب دون غيرهم، بدليل أن التعظيم الحاصل للأشهر الحرم منها كان معلوماً في رسالات الأنبياء السابقين وشرائعهم، لقوله تعالى : (إن عدةَ الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السمواتِ والأرض منها أربعة حُرُمٌ ذلك الدين القيم ..)،
فصيام اليهود ليوم عاشوراء كان معلوما مستقراً محدداً في اليوم والشهر بعينه وليس مجرد موافقة منهم لتأريخ آخر عندهم، وكذلك الحج كان معلوماً أيضاً بزمانه ومكانه في جميع الشرائع، وما حصل من عدول الأمم الكتابية عن هذا التأريخ إلى غيره، إنما هو من جنس التحريف والتغيير الذي وقع منهم لشرائعهم .
▫️أن التأريخ الإسلامي الهجري هو أحد خصائص الاصطفاء والاجتباء التي ميز الله بها هذه الأمة، كما هداها ليوم (الجمعة) الذي أضل عنه اليهود والنصارى قبلهم، وأن هذا التأريخ من أهم مقومات شخصية الأمة الإسلامية، وارتباطها به هو ارتباط هُوية ودين، متى فرطت به، أو عدلت عنه إلى غيره، فقد ضلت ضلالاً مبينا، وتاهت في غياهب سنن من كان قبلها من الكتابيين والأعاجم، وهو ما حُذرت منه الأمةُ ونُهيت عنه.
▫️أن هدي نبينا عليه الصلاة والسلام في هذا اليوم، وهدي خلفائه الراشدين من بعده، وسائر صحابته وأتباعهم بإحسان، هو هدي واضح جلي، وهو أكمل الهدي وأحسنه، وليس فيه ما يشرع للأمة فعله في يوم عاشوراء، غير عبادة الصيام، شكراناً لله تعالى، وتأسياً بسنة نبي الله موسى، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .
حيث ثبت واستقر عند عموم المسلمين، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسألهم عن ذلك؟ فقالوا : إنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه شكراً لله .
فقال عليه السلام : (نحن أحق بموسى منكم)، فصامه، وأمر المسلمين بصيامه. وكان ذلك واجباً أول الأمر، ثم نسخ الوجوب إلى الاستحباب، والترغيب فيه، واستقر على ذلك التشريع، ولم يثبت عنه شيءٌ زائد من العبادات على الصيام .
▫️وقد خالف هذا الهدي النبوي الكريم فئتان ضالتان من هذه الأمة، هما : الرافضة والناصبة، وابتدعوا فيه لا سيما الرافضة منهم، أموراً منكرة، ما أنزل الله بها من سلطان .
▫️فأما الرافضة فجعلوه يوم حزن ومآتم عزاء، وجلد للظهور والبطون؛ ولطم للوجوه والصدور؛ ونفخ لنيران الأحقاد والبغضاء بين المسلمين؛ لا سيما للصدر الأول منهم ! وأحدثوا فيه بدعاً وطقوساً منكرة تتطور مع الزمن، وتفوق في قبحها وصف الواصفين! والله المستعان على كل حال . وكل ذلك بحجة النياحة على مقتل الإمام الحسين، والتكفير عن عدم نصرته ! رضي عن الحسين بن علي، وعن أبويه وآل بيته، ولعن قاتليه وخادعيه في الدنيا والآخرة.
▫️وفعل الرافضة هذا هو عين أفعال الجاهلية الأولى؛ وهو من الزور والباطل الذي حرمه الإسلام وذم فعله وتبرأ منه ومن فاعليه، فقال عليه السلام : « ليس منا مَن ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية»، وهذا شأن وحال المآتم والتطبيرات والمناسبات الرافضية عبر التأريخ .
▫️وأما الطائفة الأخرى فقد جعلوه يوم فرح وسرور وتوسعة على الأهل والأولاد، معاندة منهم للرافضة، وتشفياً بمقتل الحسين وأهل بيته في هذا اليوم! وأيدوا بدعتهم تلك بأحاديث مكذوبة ملفقة لا أصل لها باتفاق أهل العلم بالحديث، ولو سلكوا في ذلك سبيل المؤمنين لكان خيراً لهم . وكلا الطائفتين جاؤوا ظلماً وزورا، وجانبوا الصراط المستقيم الذي سار عليه جماهير المسلمين عبر القرون، والذي لا يزيغ عنه إلا هالك، ولا يهتدي إليه إلا منيب سالك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى