مقالات

مدري”… سنام التجاهل

الرشادبرس_ مقالات

بقلم/ مصطفى الجبزي

تعدّ “مدري” الحوثية، التي قوبلت بسخرية عارمة، ذروة اللامسؤولية واللامؤسسية، والتحاذق المحدود الأفق. في لحظات الأزمات الكبرى التي تواجه الأمم، يكون للتواصل الرسمي من طرف مؤسسات الدولة دور فعّال، إذا توفرت فيه مقومات الطمأنينة وامتصاص الصدمة، وكان قادراً على توحيد المجتمع. لكن الحوثية، مع مرور الوقت، أثبتت أنها ليست دولة. هي لا تستطيع أن تكون دولة، رغم الفرص التي أتيحت لها.

الموارد المالية التي تملكها الحوثية تفوق ما يمتلكه خصومها، والكتلة السكانية التي تحت سيطرتها أكبر أو كانت أكبر، ومن هذه المناطق ورثت شيئاً لا يُبنى في يوم وليلة، وهو كوادر وأفراد جهاز الحكومة ومؤسسات الدولة. ومع ذلك، فضلت الحوثية الاستمرار في أداء ميليشيوي بالكنى المتخفية، والتهرب من المسؤولية، وازدواجية المؤسسات. هذه السياسات أدّت إلى هدر الفرص، والفساد، وصناعة الأحقاد، وسوء توزيع الثروة، وفقدان الدعم الجماهيري. لكن الرافعة الجماهيرية ليست مجرد حشود. هي شيء آخر؛ عقد شفاف غير مرئي.

إن الحرفية في التواصل دون شرعية ومقبولية تؤدي إلى نتائج عكسية. الحوثي، كعادته، فكر بأسلوب نكاياتي، حيث اعتقد أن إخفاء آثار الضربات سيسلب أمريكا شرف تحقيق أهدافها بعدم الإعلان عن الخسائر. لذلك، أمر بتفعيل “مدري”، متجاهلاً أن غياب المعلومات، حتى وإن كانت غير صحيحة، يزيد من شكوك الناس.

“مدري” ليست تكتيكاً بل هي إضمار مكثف للتجاهل. وهكذا الحال. التجاهل هو الكلمة الآمرة في ذهن الحوثية. فقد تجاهلت حياة اليمنيين ومستقبلهم، وتجاهلت تنوع أصواتهم وتعددها. تجاهلت رغبتهم في التقدم نحو المستقبل وترك الماضي العنصري والطائفي وراءهم. تجاهلت حقوقهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى