«الإمامة» الخنجر..!
الرشاد برس_تقرير
………………………………………………………………………………
بالأبيض والأسود ظل التلفزيون الرسمي اليمني يبث لأعوام مشهد الدبابة «المارد» وهي تدك قصر البشائر في العاصمة صنعاء, وهو المشهد الذي يظهر اللحظات الأخيرة لحكم الإمامة في اليمن، حيث ينجو الإمام البدر من الموت، وهو «الوريث» غير الأخير للإمامة أو حتى لعرش أسرة حميد الدين، إحدى الأسر الهاشمية، التي ترى أن دمها نقياً ومختلفاً عن دم اليمنيين، استطاع وريث العرش الهرب إلى مناطق أخرى مرتباً للقتال والعودة.
وهو الهروب الذي لم يكن نهائياً، بل ظل الترتيب والترقب مجدداً لفصل آخر من فصول الإمامة الدموية، والتي في مذهبها فسحة لأي قوي يرى في نفسه الأحقية ويشعر أن لديه القدرة لمواصلة خط أجداده في الاستبداد والظلم، وهو ما يفسر المجازر الدموية التي عاشتها بلادنا طيلة القرون الماضية، في حروب بينية بين المتنازعين على العرش والحكم من الأسر الهاشمية نفسها أو إغارتها المستمرة على المناطق اليمنية، وأصبح تكفير الآخرين ونهب أموالهم حق شرعي لهم.
إمام جديد
وبعد ما يزيد من نصف قرن من قيام الجمهورية، انتهزت الإمامة الفرصة مجدداً، لتعلن عن ظهورها، وتبشر بأن دعوتها لم تمت، «قفزت» مباشرة إلى شاشة «التلفزيون» التي أصبحت ملونة، أرادت تسويق إمامها الجديد، الذي لن تتشرف برؤيته إلا أعين الكاميرات فقط، بإضفاء الهالة المقدسة، كمزج بين التجربة الإيرانية والإمامية، وهي المرة الأولى التي يتوحد فيه المذهب الاثنى عشري، والجعفري الزيدي.
الالتقاء مع المشروع الإيراني
ويرى باحثون بأن الحركة الحوثية دفعت بُعدها الفقهي والاجتماعي التقليدي بعد سقوط نظام الإمامة في اليمن، إلى شكل من أشكال العمل السياسي المدعوم بقوة السلاح، والمحمّل بفِكْرٍ رساليٍّ عابر للحدود، يلتقي سياسياً مع المشروع الإيراني في المنطقة، على الرغم من الخلاف الفقهي والعقدي العميق بين الزيدية والتشيع الاثني عشري، إذ مسألة الحكم مختلفة لدى المذهبين، إلا أن الإمامة الأخيرة وجدت نفسها بحاجة ولاية الفقيه، فرفعتها فكان عبدالملك الحوثي، المنتسب لإحدى الأسر التي بإمكانها أن ترفع لواء الإمامة، الحكم الخنجر الذي لا يزدهر إلا في ظل المجازر والطعن في ظهر اليمنيين ليعيشوا في بؤس وفقر وجهل وعزلة، وهي العناوين التي عرفت بها اليمن في ظل الإمامة.
ولاية الفقيه
وبين الحين والآخر تحتفي القنوات التلفزيونية، التابعة لجماعة الحوثيين المسلحة، بظهور الزعيم الروحي لها عبدالملك الحوثي، وهو الظهور الذي تكون له مساحته المقررة في الإعلام الإيراني، أو التابع له المتواجد في العراق ولبنان وبلدان أخرى، في تقليد ابتدأته إيران عقب ثورتها في 1979م، بإعادتها مشهد ولاية الفقيه إلى الواجهة مجدداً، تريد منه السيطرة وتكوين ما تحلم به من عودة لإمبراطورتيها العظمى، ففي 21 سبتمبر من العام 2014م، أعلن عن عودة مرحلة جديدة من الظلم، الصراع فيها هو السائد، ولا وجود فيها للآخر، مع القضاء على أية مظاهر للتعددية السياسية، أو الديمقراطية، إنه العودة للطائفة السلالية التي تدعي الحق الإلهي في الحكم، ولا منهج لها إلا العنجهية والإقصاء والبطش والتنكيل كما وصفها الأحرار عليها في منتصف القرن الماضي.
ذكريات ملطخة
لا يجد الباحث في تاريخ الإمامة في اليمن غير الدماء والرؤوس المتطايرة، وجدوا في جبالها الملجأ لممارسة عبثهم الذي تمدد وانحسر، بحسب الظروف السياسية، ما يمكن الوصول إليه هو أن الإمامة دمرت كل قيم الخير والمعاني الحضارية في النفسية اليمنية، حيث عادت بها إلى ظلمة الجهل والاستبداد والفتن والدماء، فلم تترك الإمامة طوال حكمها وفي كل مراحلها سوى ذكريات سوداء ملطخة بالدماء، وهذا ما نجحت به نسختها الحوثية أيضاً، فاليمن لا يعيش سوى المأساة منذ سيطرتها على الدولة وانقلابها على ما اتفق عليه اليمنيون.
الشخصية اليمنية
ومن المؤكد أن أبرز ما تضفي الإمامة على حكمها هو الاستبداد والسيطرة وهو ما اتصف به الحوثيون أو الحكم في إيران، وهذه العودة لشخصية عبدالملك الحوثي، بهذه الطريقة محاولة لإعادة الإمامة كما هي، مع محاولة زعزعة الشخصية اليمنية التي عملوا على سحقها في كل عصورهم المظلمة، بل عملوا على حرمانها من قيادة بلدها وصار التفكير بالديمقراطية أو الحكم جريمة، كما أفصح عن ذلك مؤسس جماعة الحوثيين حسين الحوثي، الذي يرى أن الديمقراطية فكرة أعداء الإسلام، جاؤوا بها ليمسحوا -على حد تعبيره- النظام الإسلاميّ في ولاية الأمر من أذهان الناس، وخَلُص إلى أنّ الله سخّر أعداء الإسلام ليهيئوا بهذه الديمقراطية لأوليائه فرصة الحرية حتى يحققوا مرادهم.
ويعد حسين الحوثي المهندس الأول لامتزاج نظرية ولاية الفقيه بفكرة الإمامة، لذا قامت حركته على أساس فكرة القائد القدوة، الذي يرون فيه أنه يحظى بتأييد سماوي وتسديد إلهيّ، وبالتالي فالأمر والقرار بيده وطاعة الأتباع المطلقة لا تكون إلا له.
سخرية اليمنيين
وساعدت إيران في بقاء هذه الهالة التي تحيط بعبدالملك الحوثي، استنساخاً لتجربتها إلى اليمن، على الرغم من أن القداسة التي حاولت أن تضفيها على الحوثي فشلت على نحو كبير، وتحولت إلى مادة خصبة للسخرية والتندر أوساط اليمنيين، نظراً لنسبة الوعي التي اختلفت فيها اليمن عما كانت عليه قبل 50 عاماً، إضافة إلى أن الرجل لم تؤهله إمكاناته لأداء الدور، إلا من باب الاستمرار في الانقلاب وادعاء امتلاك القوة، وهو الأمر الذي يشعر به بعض مناوئيه من الأسر الإمامية الأخرى، فالانقسام هو ما ينخر الجماعة يوماً بعد آخر، وبدأت تطفو على السطح رؤى متباينة في داخله، تريد أن تتحرر من السيطرة الكلية لإيران على الجماعة، وتسعى إلى البقاء في المشهد بأية صيغة يقررها المجتمع الدولي، وقد كشف في الأيام الماضية عن لقاءات سرية بين الحوثيين ومسؤولين في الولايات المتحدة، وصفت اللقاءات من أجل الوصول إلى حل للأزمة اليمنية.
تحقيق الفوضى
الحالة التي وصل إليها الحوثيون في اليمن، هو ما يريده الإيرانيون، هذا ما تؤكده القراءة البسيطة للأحداث الأخيرة، فإيران لا تريد إلا تحقيق الفوضى وإيجاد حالة من الإرباك في الِشأن السياسي والاجتماعي، هو ما نجحت في صنعه الجماعة، وهو يعد إنجازها الوحيد جراء تحالفها مع النظام الإيراني، إذ يشعر الإماميون أنفسهم أن حكمهم لأن يتحقق بأفكارهم الماضية، ولن يستمر إلا إذا أوجدوا صيغاً جديدة، يستثمروا فيها الصراع الحاصل في المنطقة ككل، وهو ما أشارت إليه تصريحات لبعض قياداتهم في الأيام القليلة الماضية أشارت إلى أنهم لم ينقلبوا على الجمهورية إنما على الفساد المتراكم.
العيش في العزلة
لا مصلحة للشعب أو للبلاد في حسابات النظام الإمامي، لا يريد إلا أن يعيش الشعب الفقر والمجاعة، لا يرى قوته أي النظام الإمامي إلا في العزلة والانزواء في الجبال، لا يلقي بالاً لكل ما يحصل، وهذا ما كشفت عنه السنوات الخمس من انقلاب الحوثيين، إذ يرون أنفسهم رغم تواصل الحرب، بأنهم في موقع قوة، فتوقف المرتبات على موظفي الدولة لا يلقون له بالاً، بل عملوا على منع وصول الإغاثات إلى المواطنين، ويقومون بنهبها، كل ما يهمهم هو أن تكون المجاعة ورقة للربح السياسي، وهو الأمر الذي ينسحب إلى الموانئ والمطارات، إذ جعلت من الحديدة ورقة للمساومة في المفاوضات وتحقيق نقاط على حساب اليمنيين وزيادة معاناتهم.
نظرة فوقية
أمر آخر عانى منه اليمنيون هو غياب العدل والمساواة في النظام الإمامي، الذي يتعامل معهم من منظر فوقي ونظرة استعلاء بل يتأفف من كونه يمنياً، وهو ما أشار إليه الشهيد محمد محمود الزبيري، في كتابه «المنطلقات النظرية في فكر الثورة اليمنية» بأن الإماميين من جانب لا يمثلون هذا الشعب بل إنهم ليأنفون أن يكونوا ممثلين له، فهم يعتبرون أنفسهم من عنصر أسمى ووطنية أرقى وهم أسياد هذا الشعب غير منبثقين من صفوفه، بل هم مفروضون عليه.
مقت تاريخ اليمنيين القديم
تاريخ من الكره الذي تكنه الإمامة لليمنيين، فهي لا تحب حضارتهم القديمة، وعملت من أجل الانسلاخ منه، ويتهم كثير من الباحثين بأن الإمامة جنت على آثار الدول القديمة وعملت على تدميرها وإزالتها من الوجود، وسهلت أعمال النهب والسلب واعتبرت الاهتمام بها كفر وخروج من الدين، مقللة من حضارة جابت الآفاق وخلدها القرآن الكريم نفسه.. وهو ما يؤكد بأن الإمامة رأت في حضارة اليمن القديمة عدوا لها ولمشروعها التمزيقي الطائفي، فهي لم تتخذ من اليمن إلا منطلق لتحقيق مآربها ولحكم الأمة كما تقول أدبياتها، وهو ما ذكره الزبيري في أكثر من موضع إذ يقول بأن الإمامة تمقت تاريخ اليمن وأمجاده، بل إن كلمة الوطن واليمن وسبأ وحمير وقحطان وغير ذلك من الكلمات إذا هي جاءت في معرض التمجيد والاعتزاز أثارت فيهم أمارات الغضب الشديد والامتعاض المرير والويل لم تشتم فيه رائحة الحب والاعتزاز بهذه الأرض الطيبة، وتاريخها المجيد وشعبها العظيم…
واحتفل الحوثيون في 21 سبتمبر الماضي بذكرى انقلابهم الخامسة على الجمهورية بدعم إيراني باحتفالات أضفيت عليها المسحة الطائفية، وهو الانقلاب الذي أرادوا منه أن يكون بديلا عن الثورة الخالدة ثورة اليمنيين في 26 سبتمبر من عام 1962م، وأشار ناشطون يمنيون إنهم اختاروا يوم 21 سبتمبر ليكون متوافقاً مع ذكرى تولي الإمام البدر العرش بعد وفاة أبيه الإمام أحمد متأثراً بإصابته بعد أن أطلق عليه الثوار الثلاثة «العلفي واللقية والهندوانة» في الحادثة المشهورة في مدينة الحديدة
سبتمبر نت