من الشراكة إلى الانقلاب: قراءة في مسار الحوثيين لإسقاط الدولة اليمنية
مقال تحليلي مستند إلى لقاء الدكتور محمد بن موسى العامري
في واحدة من أدق شهادات المرحلة، يروي الدكتور محمد بن موسى العامري، مستشار رئيس الجمهورية اليمنية، كيف تحوّل الحوثيون من شركاء سياسيين ظاهرًا إلى منفذين لانقلاب كامل على الدولة اليمنية. من خلال هذا الحوار تتكشف ملامح مسار طويل لم يكن وليد اللحظة، بل مشروعًا تصاعديًا استغل هشاشة الداخل وتشابكات الخارج.
الشراكة كمدخل تكتيكي
جاء الحوثيون إلى طاولة الشراكة السياسية في اليمن في مرحلة انتقالية مضطربة. ظاهرهم كان الالتزام بمخرجات الحوار الوطني، والمشاركة في إطار السلطة الانتقالية، لكنهم في العمق حملوا مشروعًا فكريًا وعسكريًا يسعى للسيطرة المطلقة على القرار السياسي اليمني.
حسب ما أوضحه الدكتور العامري، فإن الحوثيين استطاعوا أن يقدموا أنفسهم أمام بعض القوى السياسية كطرف يسعى للإصلاح ومواجهة بعض مظاهر الفساد والفوضى، بينما كانوا عمليًا يعملون على التمدد العسكري وتحقيق المكاسب الاستراتيجية على الأرض. وقد بدأت ملامح هذا التمدد تظهر منذ السيطرة الكاملة على محافظة صعدة، ثم التحرك المدروس نحو عمران.
انهيار الداخل: فجوة استغلها الحوثي ببراعة
يشير الدكتور العامري بوضوح إلى أن البيئة السياسية اليمنية في تلك المرحلة كانت مثالية لطرف يخطط للانقلاب:
* ضعف السلطة المركزية بعد الثورة.
* غياب التوافق الصلب بين القوى السياسية الوطنية.
* تنافس الأحزاب والمكونات على تقاسم النفوذ في السلطة الانتقالية.
في هذا المناخ، تحولت الشراكة السياسية في حقيقتها إلى *نافذة تمكن الحوثيون من التغلغل في مؤسسات الدولة تدريجيًا*. فعبر السيطرة على بعض المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارية، بدأوا بتعزيز حضورهم كقوة مسيطرة فعليًا، قبل الوصول إلى مرحلة الحسم في صنعاء.
التصعيد الخارجي: الدعم الإيراني كرافعة انقلابية
يُبرز الدكتور العامري في حديثه الأثر الحاسم للدعم الإقليمي الذي تلقاه الحوثيون، وخصوصًا من إيران. حيث لم يقتصر هذا الدعم على الجوانب الإعلامية والسياسية، بل امتد إلى:
* تطوير القدرات العسكرية.
* تزويدهم بالتقنيات المتقدمة.
* تقديم الدعم اللوجستي والتخطيط الاستراتيجي.
هذا العامل الإقليمي، وفق قراءة الدكتور العامري، أسهم في تضخيم القوة العسكرية للحوثيين بصورة فاقت قدرة الدولة اليمنية الممزقة على المواجهة، خصوصًا في غياب موقف وطني موحد.
لحظة الانقلاب: من الحسم العسكري إلى تعطيل الدولة
مع وصول الحوثيين إلى صنعاء، دخل اليمن مرحلة الانقلاب المكتمل:
* سيطرة على مفاصل السلطة التنفيذية.
* فرض استقالات قسرية على الرئيس والحكومة.
* إصدار “الإعلان الدستوري” الذي منحهم الغطاء الشكلي لشرعنة سيطرتهم.
هذه اللحظة المفصلية أنهت عمليًا مشروع الدولة اليمنية كمؤسسات دستورية معترف بها دوليًا، وأدخلت البلاد في حالة من الانقسام العميق.
النتائج الكارثية: دولة منهارة وشعب يدفع الثمن
يصف الدكتور العامري الآثار الكارثية للانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية والشعب اليمني:
* انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة الإدارية والأمنية.
* تفاقم الأزمة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة.
* تعطيل منظومة المساعدات الإنسانية واستخدامها كورقة ضغط سياسي.
* إطالة أمد الحرب وتحويل اليمن إلى ساحة صراع إقليمي معقد.
هذه النتائج لم تكن سوى امتداد طبيعي لمنطق القوة الذي اتبعته الجماعة في إدارة الدولة، بعيدًا عن مفاهيم الشراكة أو المسؤولية الوطنية.
الطريق نحو استعادة الدولة: لا حلول تجميلية
في قراءة الدكتور العامري، فإن أي تصور لحل سياسي حقيقي لا يمكن أن يقوم على شراكة مع مشروع انقلابي مسلح، بل ينبغي أن يرتكز على:
* استعادة الدولة بكل مؤسساتها تحت مظلة الدستور والقانون.
* نزع السلاح غير الشرعي وإنهاء مظاهر المليشيا.
* توحيد الجبهة الوطنية كضرورة أولى لأي مشروع إنقاذ حقيقي.
* دور إقليمي ودولي حقيقي لدعم اليمن في استعادة مؤسساته.
فاليمن اليوم ـ كما يرى ـ أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما استعادة الدولة الوطنية، أو استمرار مشروع الفوضى والانهيار.
ختامًا: ليس مجرد انقلاب عسكري
ما حدث في اليمن ـ كما يتضح من شهادة الدكتور العامري ـ ليس مجرد انقلاب عسكري مباغت، بل مشروع انقلابي تراكمي استغل الفجوات الداخلية والتحولات الإقليمية والدعم الخارجي، لينتقل من مرحلة الشراكة السياسية إلى إسقاط الدولة اليمنية بالكامل، وفرض نموذج مليشياوي يعيد صياغة الدولة وفق مشروع مذهبي مسلح.