مقالات

نفس كبيرة

بقلم | الشيخ /محمد شبيبة *
أتت غزوة تبوك في وقت شدة وحاجة،
الحر شديد، والمسافة بعيدة، والرواحل قليلة، والتموين مفقود حتى أنها سميت بغزوة العسرة لشدتها
واجه النبي هذه الضائقة المالية بدعوة الصحابة للتبرع وحثهم على الصدقة لتجهيز المعركة، فلبوا رضي الله عنهم وأسرع كل واحد منهم لتجميع ماعنده والتصدق به للدفاع عن الأمة والملة ضد عدوان الروم الغاشم،
هذا تصدق بالخيل، وهذا تصدق بالناقة، وهذا بالذهب، وهذا بالفضة، وهذا بالسلاح، وهذا بالتمر، وهذا بالشعير، وهذا بالحنطة… منظر مهيب كل نفس تجود بما عندها، وكل يد تعطي مابحوزتها، والنبي الكريم ينظر إلى هذا التسابق الإيجابي فيتهلل وجهه كفلقة القمر، لأنه يكره الشح ويحب الكرم، عليه الصلاة والسلام.
إلا أنَّ أحد الصحابة من أجدادنا الأنصار ذهب إلى بيته فلم يجد ما يتصدق به، ثم عاد إلى المسجد فوجد زملاءه يحملون ويقودون صدقاتهم ليضعوها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
دخل جدنا الأنصاري وخرج، قام وقعد، حاول وكرر ، يخرج من المسجد إلى البيت ويعود من البيت إلى المسجد ويده خالية ونفسه حزينة، ولو وجد الفقر ذاك اليوم على هيئة رجل في أحد أزقة المدينة لطعنه،
لم يجد مايتصدق به، وليس عنده مايعطي، وعندما فقد الحيلة والوسيلة عاد إلى بيته وفي ظلمة الليل قام وتوضأ وصلى وبكى ودعا:
اللهم إنه ليس لي مالٌ أتصدق به، وإني قد جعلت عرضي صدقة، فمن كان قد سبني أو شتمني أو نال من جسدي أو مالي فقد عفوت عنه وسامتحه وأحللته وجعلت هذه صدقتي عندك التي لا أجد غيرها، وأرجوك أن تقبلها.
فلما أصبح الصباح والرسول يجهز المعركة نادى:
أين المتصدق البارحة؟!
أين عُلْبة بن زيد الأنصاري؟!
يا عُلْبة بن زيد الأنصاري لقد سمع الله مناجاتك البارحة ولقد قبل صدقتك وجعلها بين الصدقات المُتَقَبلة.
رضي عن علبة بن زيد وكل صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام.
أولئك أبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا ياجرير المجامع

وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً
تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ

*وزير الأوقاف والإرشاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى