مقالات

وقفة حول تعز

بقلم /الشيخ الدكتور. محمد بن موسى العامري *تعز عاصمة اليمن الثقافية ، تميزت بالتنوع الثقافي والمعرفي والسياسي والحزبي بالإضافة إلى التنوع القبلي ، والمدني ، وهي من كبرى المحافظات اليمنية إن لم تكن أكبرها من حيث الكثافة السكانية ، نالت من العقاب والحصار المليشاوي الحوثي الحظ الأوفر أكثر من غيرها ولاتزال .
هذه مقدمة ملحة وضرورية لأي نشاط يراد قيامه في هذه المحافظة العريقة .
ومنذ فترة برز إلى السطح فيها عراك فكري وثقافي حول جملة من أنشطة المنظمات المختلفة ، وبخاصة بعد انقلاب مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة ، وهنا أريد أن أسجل بعض النقاط عسى أن يكون فيها مؤشرات مفيدة للدعاة والعلماء والمثقفين والسياسيين .

أولاً :- إن أيّة معارك وصراعات لاتستصحب حالة الحرب التي فرضتها مليشيا الحوثي الإرهابية ولاتجعل من الأوضاع الكارثية وما تسببت به في نكبة اليمن عموماً ، وتعز خصوصاً أولوياً يعد في حقيقته تهرباً عن المسؤلية الدينية والأخلاقية والوطنية واشتغالاً بالمهم عن الأهم وبالعرض عن المرض وبالتفريعات عن الكليات .
ثانياً :- لقد تسبب الانقلاب الحوثي في اليمن بكارثة انسانية لم يشهد لها التاريخ اليمني مثيلاً ، فأورث فقراً ومجاعة وسوءاً في تردي الخدمات ، وفاقم من هذه المعاناة سوء الإدارة والفساد المستشري في بعض مؤسسات الشرعية وهذا الأمر لاينكر ، ومن بين هذه الثنائية البئيسة تولدت نشاطات متعددة ونشطت منظمات ، مختلفة بعضها ذات طابع إنساني وبعضها سياسي وبعضها مركب وبعضها ذات أنشطة مشبوهة في الترويج لأجندات تستغل حالة الفقر والبطالة وتعمل على الاستقطاب وخلخلة القيم المجتمعية .
وأمام هذه النشاطات المتعددة ،وقف بعض الدعاة والخطباء، والمثقفون والنخب يقدمون جملة من المواعظ والمحاضرات والمقالات محذرين من الإنزلاق القيمي والأخلاقي من منطلقات شرعية ومسؤلية دعوية وفق قراءات متنوعة ، لمجمل النشاطات التي أفرزتها الأحداث الجديدة .

ثالثاً :- وفي ضوء ماسبق – فإن الخطاب التوعوي المبني على أسس وقواعد شرعية ، يراعي مآلات الأمور ، بعيداً عن الخصومات والمناكفات التي لاطائل من ورائها ، ولاسيما إن كانت في دوائر الإختلافات وضمن أطر الإجتهادات – يعد ضرورة لاجدال فيها ، وحق أصيل لمن عمل لدينه ووطنه ، وفقاً لمعايير الخطاب الدعوي الرشيد والدقيق ، فالإحتساب على ما تنكره الشريعة والقيم والأعراف اليمنية الحميدة أمر لابد منه ويشكر من يقوم به على وجه البصيرة والحكمة ، والسالك في ذلك محمود سيرته ، وناصح لمجتمعه ، ويتعين نصرته ، وعدم خذلانه ، وما يعاب في ذلك أن بعض أهل الإحتساب قد يكون غيوراً قليل المعرفة بمقاصد الأمور مندفعاً بحماسة تفتقد الى الحكمة ، مخلاً بالأولويات ، ويتجاهل الواقع الكارثي ويعمم في التشنيع ويتسرع في الإنكار والأحكام غير متثبت وحينئذ تغيب المعاني والقيم التي يجب ان تكون حاضرة مثل ، الحكمة ، والرفق ، والرحمة ، والظنون الحسنة وحمل الناس على السلامة والتغافل ،، وحسن الخطاب والبعد عن مساوئ الألفاظ وهكذا .

رابعاً :- بناء على المأساة التي تسببت بها المليشيات الحوثية بحصارها الظالم في تعز على وجه الخصوص يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الاصطفاف الوطني من الرافضين للمشروع السلالي العنصري ،بمختلف توجهاتهم سواء كانوا في السلطة المحلية أو المؤسسات الأمنية أو غيرها أو كانوا عاملين في مساحات النشاط العام المتعدد سياسياً وثقافياً ودعوياً واجتماعياً وتلك بديهة لا تحتاج الى التذكير فوجود عدو متربص على البوابة الشمالية والشرقية والغربية كافٍ بحد ذاته وشر نذير ، وخير محفز للعدول أو التخفيف من الصراعات البينية التي يقوم بتغذيتها هذا العدو بمكائده المعهودة وبسذاجة كثير من الناس أو بانخراطهم في مشروعه من حيث شعروا أولا يشعرون .

خامساً :- إن كثيراً من المخاطر التي تستهدف القيم والعادات الحميدة مستغلة ظروف الناس المعيشية وتردي الأوضاع الإنسانية ، أمر في غاية الخطورة ويتطلب المسؤلية الجماعية ، وعلى السلطة المحلية أن تكون الحارس الأمين وفقاً لصلاحياتها الدستورية والقانونية في حماية الثوابت الدينية والوطنية ولديها من الإمكانات والقدرات ما يجعلها تميز بين ماهو نشاط انساني بناء ومثمر ويسهم في رفع المعاناة وبين ماهو من العبث والتوظيف للأجندات المشبوهة فيشجع النشاط الانساني المفيد وتفرض الرقابة على ما يتناقض أو يتعارض مع الدستور والقانون وقيم وعادات المجتمع اليمني لحماية للناس ورعاية لمصالحهم وفي ذلك مايدعو إلى التواصل بين قنوات السلطات المحلية والأمنية ، وبقية القوى المجتمعية المختلفة والمضي في تنسيق الجهود والعمل على تحقيق الأهداف والغايات التي ينشدها الجميع ، وتفعيل مؤسسات الدولة وأطرها القانونية ، والتجافي عن الأعمال المنافية لمفهوم الدولة من العصبيات والشللية والتحزبات المذمومة ، وضرورة إشراك جميع الفئات الوطنية المخلصة الرافضة للمشروع الإنقلابي الحوثي المتمرد في تجسيد نموذج للبناء والتعايش والتنمية في محافظة تعز ومواجهة المخاطر والتحديات .

*رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى