مقالات

وقفة مع عالم الأفكار وتغير القناعات .

الرشادبرس _ مقالات

بقلم الشيخ .د/محمد بن موسى العامري _ رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

كثير من الناس لايبقون على وتيرة واحدة في قناعاتهم ، وآرائهم ، ويتقلبون في المواقف ، والقليل من يظل باقياً على حاله لا يتزحزح ، ولا يتغير ، فيختلف الناس حينئذٍ في تقييم ذلك ، سلباً وإيجاباً ، فيعد بعضهم ذلك التغير نضوجاً ، وتطوراً ، وتجديداً ، ويرى في ثبات الأخرين ، جموداً وتخلفاً ! وآخرون يرون ذلك تذبذباً ، وتناقضاً واضطراباً ، وانهزاماً ويرون في الثابتة ، تمسكاً ورسوخاً يستعصي على عواصف الرياح يمنة ويسرة ، فيحمدونها على ذلك .

 

ولتجلية ذلك نتوقف حول نقاط منها :- 

أولاً :- الثبات ، والحقائق المطلقة لا تكون إلا للوحي المنزّل – كتاباً وسنة – لأنّها صادرة عن عالم الغيب والشهادة الذي يعلم ما كان ، وما يكون ، وهذه الصفة لاتكون إلا لله سبحانه وتعالى ، وأما البشر فمداركهم محدودة ، بحسب علومهم التي تحصلوا عليها ، وتجارب الحياة التي اكتسبوها ، ومن المؤكد أن ما تحصلوا عليه من العلوم ينمو ويتطور ومن ثم تتغير أفكارهم ومواقفهم ، وربما معتقداتهم أيضاً ، وقد تتراجع علومهم ومداركهم ، فيحصل العكس وإن كان قليلاً

ثانياً :- بالتتبع لسير العلماء ، والمفكرين والمصلحين ، وقادة الرأي والفلاسفة وجميع المبدعين في شتى المجالات نجد أن حركة التغيير هي السمة البارزة في مسيرتهم ، ومن ثم فلا غرابة أن يكون لهم تجدد في مواقفهم وآرائهم ، وربما يكون موتهم حائلاً دون تحديث آرائهم وقناعاتهم في ما لو كانوا على قيد الحياة ولم تُخترم مناياهم بينما أتباعهم مستمرون ، في تقليدهم غير قابلين للنظر في أقاويل ومواقف متبوعيهم لما قد ترسخ في أذهانهم من تبجيلهم وتعظيمهم ، ولزوم طريقتهم ، على كل حال .

ثالثاً :- بناء على ماسبق فتغيير القناعات ذوشقين محمود ومذموم ،

 

أ- فأما المحمود

فهو ما كان عن علم وبصيرة ، وزيادة في المعرفة ، وتجرد للحق ، وطول التجربة ، ومثل هذا يقع للعلماء الراسخين وسائر المصلحين والمبدعين ، ولايعدون ذلك منقصةً أو مثلبةً وشعارهم الحكمة ضالة المؤمن ، أنّى وجدها فهو أحق بها، وإنّا لنقول القول اليوم ونرجع عنه غداً ، والمؤمن أوّاب إلى الحق .

 

ب – وأمّا المذموم

فهو ما كان عن تقصير في التحري وطلب الحق ، وغالب ما يدعو إلى ذلك أمور خارجة عن النظر والبحث ، والتحقيق ، كضغوط اجتماعية ، أو سياسية ، أو مصالح شخصية أو قراءات خاطئة ، أو طلباً للشهرة والنجومية ، أو تنصلاً من الواجبات ، أو هزيمة نفسية وحضارية ، أو شبهات ، ونحو ذلك من العوارض

وخلاصة القول :- 

1- إنّ تذبذب الانسان وتنقله من فكرة الى أخرى ، قد يدل على خلل في طريقة تقبله للأفكار ابتداءً دون غربلتها كأن يتلاقها بصورة مبتورة ، دون رسوخ ، أو يتلقفها تقليداً ومحاكاة لبيئته ، أو عصبية لقومه وقبيلته ، أو مذهبه وحزبه ، فيجعلها من المسلمات ، التي لاتقبل النقد ، مع عجزه عن الفرز والتمييز بين الأفكار ، صحيحها وسقيمها .

2- إنّ تغيير القناعات صفة مدح متى ماكانت ثمرة للتجديد وتطوير الذات ، ومبنيةً على دراية وخبرة و مقدمات صحيحة ، تقود إلى نتائج سليمة ، فمثل هذا التغير نستطيع الجزم بأنه شقيق الإبداع ودهليز النجاح ، ومفتاح الفلاح وسنة المجددين والمصلحين وقد خرجوا – جميعهم – عن المألوفات التي نشأوا عليها خروجاً محموداً عواقبه مثمرة كما حصل لكثير ومنهم على سبيل المثال طائفة من علماء اليمن ، كابن الوزير والصنعاني والشوكاني ونحوهم .

3- إنّ كثيراً من الناس لم يعد لديهم قناعات في جملة الأفكار التي نشأوا عليها وتلقفوها ولا يحول بينهم وبين رفضها وصدعهم بقناعاتهم الجديدة سوى البيئة المحيطة بهم ، وما ألفوه من محيطهم الأسري أو محيطهم العلمي أو السياسي أو الإرتباطات والمصالح الخاصة ، أو التخوف من مفارقة الخلّان وشبكة العلاقات التي تركبت مع تلك القناعات ، فيؤثرون البقاء على ما هم عليه .

4- يتوجب على المسلم ، و ذوي العلوم والإبداع خاصة ، أن تكون لديهم الجرأة الأدبية في بيان ، ولزوم ما توصلوا إليه من قناعات صحيحة في مسيرتهم – وإن خالفت مألوفاتهم التي نشأوا عليها – إن كان قد تبين لهم مجانبتها للصواب – فالحق أحق أن يتبع ، ورضا الله فوق رضا الخلق ، وفي القرآن الكريم ، ذم صريح لمن ترك الهدى وتمسك بمألوفات الآباء والأجداد ، أو الكبراء ، والسادة ، والمتبوعين ،وفيه ذم لمن أعرض وتولى عن سبيل المؤمنين ، ولاملامة حينئذٍ من مقولة ( كنّا كذا وصرنا كذا )

اللهم اهدنا في من هديت .

رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى