يوم عرفة.. يوم اكتمال الدين وإتمام النعمة
بقلم /توفيق السامعي
يومُ عرفة.. هو أفضلُ أيام الدنيا، وأعظمُ أماكنِ الأرض.. يومُ اكتمالِ النعمةِ واكتمالِ الدين وإعلانِ سيادتِه على الأرض، وخُتمَ فيه نزول القرآن، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
إنه زمانٌ ومكانٌ ومعملٌ تُصهرُ فيه القلوب لتخشعَ بين يديِ الرحمن، وتُنقّى فيه الأعمالُ من الشوائبِ والدّخائنِ التي يمقتُها اللهُ في أعمال الإنسان، وهو صعيدُ الاعترافِ بالخطايا بين يديِ الرحمن طلباً للمغفرة والتطهير في أجواءٍ شديدةِ القيظ، تُحرقُ تلك الشوائبَ والأعمالَ غيرَ السويةِ، وتُنقّي فيها معادنُ الحجيجِ وقلوبُهم ليعودوا كما ولدتهم أمهاتُهم، مغفوري الذنوب، أنقياءَ الأعمال والمعادن، خُشّاعَ القلوب.
تتجلى عظمةُ الموقِف في هذا اليوم في الفصل بين مرحلتين من مسيرةِ المسلمين؛ مرحلةٍ سابقةٍ كَدَّرتها الأدْرانُ الإنسانيةُ وعلائقُ هوى النفس، ومرحلةٍ أقبلَ فيها الحاج على الله معترفاً بخطاياه طالباً المغفرة والتزود بالزادِ الإيماني الحقيقي ليكونَ الطاقةَ التي تمضي به في مسيرتِه الحياتية وتدفعه نحو الباقياتِ الصالحاتِ واللقاء الأعظم في الآخرة بعد اللقاء الأول في بوابةِ عَرَفة، وليعودَ فيه الحجاج بالجائزةِ الكبرى من ربهم؛ جائزة المغفرة والتطهير.
فمن صعيدِ عرفة يتلقى المؤمنون تعاليمَهم ومناسِكَهم عبر وفودِهم وسفرائِهم الحجيج، وهو غايةُ هذا اللقاء ومقصده الأكبر، كما فعلها النبي – صلى الله عليه وسلم- في ذاتِ الموقف وهو يقول للناس: “خذوا عني مناسككم..” فيضعُ لهم التعليمات والتشريعات، ويصدر القوانين، ويسن للمسلمين سنةَ القيادة وسنةَ التعليماتِ والتشريعاتِ من ذلك الصعيد، ليَتَعمم على كافة المسلمين عبر مُبَلِّغين هم شهودُ الموقف، والذي قال لهم فيه (وليبلغ الشاهدُ مِنكُمُ الغائب.. فرُبّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامع).
لم يكن يوم عرفة مجردَ نفيرِ الحجاج إلى ذلك الصعيدِ ووقوفِهم في حرِّ الشمس على ظهر جبل عرفة وانقطاعٍ تامٍ للموقف؛ بل إنه استعراضُ رسالةِ السماء، والتحليقُ الروحيُّ في عليائها ربطاً بين العبد والرب، وبلوغُ الدينِ غايتَه واكتمالُ بدرِه، والتعبيرُ عن قوَّته، ومباهاةُ الله بهم ملائكَتَه، واستلامُ الجوائزِ الربانية، وبدءُ مرحلةٍ جديدةٍ من مراحلِ الدعوة الإنسانية، وليس مجردَ مظاهرَ أو مشاعرَ ووقوف او مناسكَ وطقوس عادية.
«فمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟، فتقولُ الملائكة: يطلبون مغفرتَك، فيقولُ الله: أشهدُكُم أني قد غفرتُ لهم».