1.3 مليون عاطل عن العمل حول العالم في 2019
الرشاد برس تقرير اقتصادي….
هشام محمود
قبل أيام تداولت وسائل الإعلام العالمية خبرا مثيرا للانتباه، فقد أعلنت السكك الحديدية الهندية عن إطلاق أكبر عملية توظيف في العالم، تتمثل في توافر 90 ألف وظيفة، لكن عدد المتقدمين لشغلها تجاوز 28 مليون طالب عمل، أي بمعدل 311 طلبا لكل وظيفة في المتوسط.أهمية هذا الخبر أنه يختزل إلى حد كبير أبرز ملامح المشهد الاقتصادي العالمي، فمعدلات النمو الإيجابية للاقتصاد الدولي التي بلغت وفقا لمنظمة العمل الدولية نحو 3.6 في المائة العام الماضي،تسمح بإيجاد فرص عمل كبيرة، لكن في الوقت ذاته فإن مشهد التوظيف العالمي لا يزال ملتبسا ويتضمن خليطا من المؤشرات.ويتوقع أن يصل معدل البطالة العالمي في 2018 إلى 5.5 في المائة، منخفضا بشكل طفيف عن العام الماضي البالغ 5.6 في المائة، وهو ما يمثل تحولا بعد ثلاث سنوات من ارتفاع معدلات البطالة.ومع ذلك، فإنه توجد أعداد متزايدة من الباحثين عن العمل ينضمون إلى سوق العمل يوميا للبحث عن فرص توظيف، ولا رنة بالتحسن الذي حدث في هذا المجالحتى عام 2012، ففي العام الماضي كان نحو 42في المائة من إجمالي قوة العمل العالمية، أي نحو 1.4 مليار عامل ينتمون إلى تلك الفئة، وتصل النسبة إلى 76 في المائة في البلدان النامية، وسيزيد عدد المنتمين إلى تلك الفئة بنحو 17 مليون عامل هذا العام والعام المقبل.وأوضح كامبر أن القضية الثانية المؤرقة للمختصين تتعلق بالعمل والفقر، إذ لم يحدث سوى تحسن طفيف في هذا السياق، ولم يفلح الاقتصاد العالمي في تحسين مستوى معيشة ملايين الأشخاص العاملين، ففي 2017 كانت سوق العمل العالمية تضم 300 مليون عامل أغلبهم في البلدان الفقيرة، فيما لم يتجاوز معدل الدخل اليومي للفرد 1.90 دولار في اليوم، وبهذا فإن التقدم فيمسألة الحد من مشكلة الفقر بطيء للغاية، ويتوقع أن يزيد هذا العدد بنحو 114 مليون عامل هذا العام.وتعتبر قضية الشيخوخة وارتفاع متوسط عمر الإنسان واحدة من أكثر التحديات التي توجد ضغوطا مستقبلية على سوق العمل الدولية، فارتفاع متوسطالعمر وانخفاض معدلات المواليد في عديد من الدول، مسار يتوقع تواصله في السنوات المقبلة.ففي الدول المتقدمة يتوقع أن يكون هناك في المتوسط بحلول عام 2030 نحو خمسة أشخاص في عمر 65 وأكثر بين كل عشرة أشخاص، مقابل 3.5 فرد في العام الماضي، وتوجد مشكلة الشيخوخة تساؤلات حول قدرة القوى العاملة على مواكبة الوتيرة المتسارعة للابتكارات والتغييرات الهيكلة في سوق العمل.وفي مقابل مشكلة الشيخوخة وقوة العمل، تلقي كاثرين دين الباحثة الاقتصادية الضوء على التحديات التي تواجه الفئات العمرية الشابة الباحثة عن فرص عمل.وتقول كاثرين دين لـ “الاقتصادية”, “إن عدد الشباب في العالم زاد بين أعوام 1997-2017 بما يقارب139 مليون نسمة، بينما تقلصت نسبة الشباب في قوة العمل الدولية بنحو 35 مليون نسمة، إذ انخفضت نسبة الشباب في سوق العمل من 21.7 في المائة عام 1997 إلى 15.5 في المائة العامالماضي”.وتضيف أن “منظمة العمل الدولية أشارت خلال العام الماضي إلى أن عدد الشباب العاطلين عن العمل يبلغ نحو 70.9 مليون شاب حول العالم، ليصل معدل البطالة العالمي للشباب حاليا إلى 13.1 في المائة، حيث توجد أعلى نسبة في البلدان العربية وتصل إلى 30 في المائة، وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كان ما يقرب من 18 في المائة من الشباب العاطلين بدون عمل لمدة عام أو أكثر، ونحو 76.7 في المائة من الشباب العاملين يعملون في وظائف غير رسمية مقارنة بنحو 57.9 في المائة من البالغين العاملين، ومن الآن حتى عام 2030 سيكون 77 في المائة من القوى العاملة من الشباب في البلدان النامية وتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة”.وتشير كاثرين دين إلى أن “الظاهرة الإيجابية حتى الآنهى أنه كلما طالت فترة الدراسة قصرت الفترة التييجد فيها الخريج فرصة للعمل، وبالطبع قد لا ينطبق ذلك على جميع المجتمعات لكنها ظاهرة واضحة الملامح في الأسواق الناشئة والبلدان المتطورة”.لكن العلاقة بين الشباب وسوق العمل لا يمكن فصلها في الوقت الراهن عن التغيرات التكنولوجية التي تشهدها سوق العمل العالمية، إذ بات من المؤكد أن تثير تلك التغييرات التكنولوجية تساؤلاتحول طبيعة المهارات المطلوبة في سوق العمل، لكنها في الوقت ذاته تتيح فرصا أكبر للتدريب، وتقلص نطاق القطاعات الاقتصادية منخفضة الكفاءة.وتطرح الأمم المتحدة عددا من المبادرات لاستخدام التكنولوجيا لزيادة قدرة الشباب على الوصول إلى مصادر التمويل، وزيادة فرص التوظيفضمن الجهود الدولية لحماية البيئة، على أمل أن تنعكس أشكال العمالة المتنوعة في آليات جديدة وحديثة لضمان المشاركة النشطة للشباب في زيادة الناتج المحلي الإجمالي.إلا أن المشكلة من وجهة نظر سيمون بورلين الاستشاري في الأمم المتحدة، تكمن في أن تلك المبادرات لكي تؤتي أكلها، لا بد أن تتركزفي البلدان النامية أو منخفضة الدخل، والمشكلة التي تواجهها في التطبيق أن جزءا كبيرا من الشباب في تلك البلدان يعمل في القطاعات الاقتصادية غير الرسمية أو ما يعرف باقتصاد الظل.ويضيف لـ “الاقتصادية”، أنه “من المرجح في أغلب المجتمعات أن يكون العمال الشباب في وضع معيشي منخفض مقارنة بالعمال البالغين”، ويلاحظ أن أكثر من ثلاثة أرباع قوة العمل في قطاعات الاقتصاد غير الرسمي خاصة في البلدان النامية والناشئة من الشباب، وإمكانية الوصول إلى تلك المجموعات لإقناعها بالتأثير الإيجابي للتطوير التكنولوجي في قدرتها الإنتاجية أمر شديد الصعوبةلانخفاض المستوى التعليمي والثقافي لديهم.وترجح أغلب التقديرات أن تظل سوق العمل العالمية محافظة خلال السنوات المقبلة على مجموعة من الملامح الأساسية، ومن أبرزها تفاوت نسب التوظيف في القطاع الزراعي من بلد إلى آخروفقا لدرجة النمو، فكلما انخفضت درجة النمو زادت نسبة العمالة في القطاع الزراعي من إجماليالقوى العاملة، ومع هذا فإن الاتجاه العام يشير إلى تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي، وتتجلى تلك الصورة بشكل أوضح في البلدان ذات الدخل المتوسط.وبالنسبة إلى القطاع الصناعي، فإن نسبة العاملين فيه ستظل ثابته أو في تراجع كمثيلتها في القطاع الزراعي، وسيستوعب قطاع الخدمات النسبة الأكبر من الأيدي العاملة على المستوى الدولي، وسيظل ذلك أحد المؤشرات المهمة على درجة التطور الاقتصادي فكلما ذادت نسبة العاملين في قطاع الخدمات في اقتصاد ما، بات ذلك مؤشرا على درجة تطوره.وتشير أغلب التحليلات المتاحة حول مشكلة البطالة في العالم العربي، إلى أن التوترات والصراعات الجيوسياسية في المنطقة العربية انعكست سلبا على معدلات نموه الاقتصادي التي لم تتجاوز 0.1 في المائة العام الماضي، وفقا لمنظمة العمل الدولية، وأدى ذلك بصفة عامة إلى أوضاع غير إيجابية في سوق العمل العربية.ومن المتوقع أن تظل ظروف سوق العمل مستقرةنسبيا في الدول العربية، مع توقع انخفاض معدل البطالة الإقليمي قليلا إلى 8.3 في المائة في عام 2018 والارتفاع في عام 2019.وبالنسبة إلى منطقة شمال إفريقيا، ترى منظمة العمل الدولية أن عدد العاطلين سيظل ثابتا عند 8.7 مليون شخص في ظل النمو القوي في قوة العمل، مؤكدة أهمية خفض معدل البطالة من 11.7 في المائة العام الماضي إلى 11.5 في المائة هذا العام، وعلى الصعيد العالمي، تتسم المنطقة بأعلى معدل بطالة بسبب الفجوات الكبيرة التي تواجه الشباب والنساء اللاتي يمثلن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل.ويرى الدكتور خلدون محمد الأستاذ الزائر في كليةلندن للاقتصاد أن الأوضاع في سوق العمل العربيةخاصة في بلدان مجلس التعاون الخليجي ستتحسن هذا العام.ويضيف لـ “الاقتصادية”، أنه “من المتوقع أن ينتعش النمو الاقتصادي في المنطقة العربية ليصل إلى 2.3 في المائة هذا العام، وفي الأغلب سيتم الحفاظ على ذلك المعدل العام المقبل، ويرجع ذلكإلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، إذ يتوقع أن يتوسع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2 في المائة عام 2018، ارتفاعا من 0.5 في المائة العام الماضي، مدفوعا بالنشاط القوي في القطاعات غير النفطية واستمرار التوسع المالي”.وأشار الأستاذ الزائر في كلية لندن للاقتصاد إلى أنه يمكن القول إن سوق العمل الخليجية مستقرة، لكن هناك حاجة ماسة إلى تغييرات هيكلية لتحسينالوضع الاقتصادي، ومن المرجح أن ينخفض معدل البطالة هذا العام بشكل طفيف، أما في البلدان غير الخليجية فلا تزال المخاوف السياسية والاضطرابات تهيمن على المشهد، والصراعات المسلحة تكبح النشاط الاقتصادي، ومن ثم فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي يحوم حول 2 في المائة…..