فشل نقل التجربة الخمينية لليمن
أمجد خشافة
خمسةُ أشهر هي المرحلة التي انتفخت فيها أوداج الحوثيين مُنذ سيطرتهم على صنعاء وحتى 28مارس الماضي بضربة التحالف بعد أن كان منطقهم “إن الأرض يرثها عبادي الصالحون” وهم الصالحون الذين مكنهم الله في اليمن وسيتم تطهير الجزيرة العربية من “إسلام أمريكا”.
قبل أن يدخل الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر العام المنصرم كان اقتلاعهم لمركز دماج أول ضربة في مدماك البلد، وفتحت شهيتهم للتوسع حتى سواحل عدن بانكفاء واضح لأصحاب القرار المحلي والاقليمي.
وفي وقت كانت دول المنطقة تخطط على رقعة ضيقة لضرب حواضنها من الجماعات السنية السياسية الذين صعدوا السلطة بعد الثورات العربية كانت إيران تدفع إمكانياتها لتقوية أذرعها الشيعية حتى تكمنت من تلغيم محيط الجزيرة العربية.
وعلى هذا النحو، استيقظت الرياض ودول الخليج على صوت إمبريالي لمسؤول في البرلماني الايراني علي رضا زاكني وهو يقوله إن أربع عواصم عربية بيد الثورة الاسلامية الايرانية وصنعاء العاصمة الرابعة في طريقها للالتحاق بأخواتها.
شعر الحوثيون بانتفاشة حين قدمت طهران سلسة من تصريحات الاعجاب بهذه “الثورة العظيمة”، وأقنع عبدالملك الحوثي نفسه أن ثورة “21 سبتمبر” آخر ركن من أركان مما توصل إليه الخميني في ثورته 1979م، ولم يتبقى سوى أن يُعلن نفسه رجل مُلهم ثورة يبعث إلهاماته من جبال مران إلى اليمن وإلى جزيرة العرب.
استمرار الحوثيون في التوسع وشعرت دول المنطقة أن هذه الجماعة أصبحت شوكة جديدة وضعتها طهران في خاصرتها بعد أن فرضت حصار على وزراء الدولة بما فيهم الرئيس هادي نهاية يناير الماضي.
وفي أثناء ما كان الحوثيون فارضين حصاراً على قيادات الدولة في صنعاء كانت السعودية مشغولة في مرض الملك عبدالله ووفاته في توقيت يصعب عليها تنفيذ قرار رغم الخطر الذي أصبح تلوح به إيران عبر حلفائهم في اليمن، حتى تمكن الملك سلمان من استلام السلطة فتغيرت المعادلة في اليمن والمنطقة ككل.
أعلن الحوثيون عن “إعلان دستوري” والتلويح بتشكيل حكومة باندفاع متسارع رغم إبلاغهم من قبل روسيا أن أي سلطة لن يتم الاعتراف بها دولياً، وكذلك إيران، حسب ما تحدث به الحوثي السابق علي البخيتي، لكن الغرور أيضا دفعهم لتوجيه منصات صواريخ في صعدة باتجاه الاراضي السعودية أعقبه مناورات عسكرية طائشة على الحدود.
ربما لم يعرف الحوثيون أو أنهم تعمدوا ذلك؛ بأن المناورات العسكرية على الحدود تعني باللغة العسكرية إعلان الحرب، لكن الأمر حدث، وأصبح بالنسبة للملكة مجرد وقت حتى أعلنت عن تحالف عربي بعد أول ضربه وجهتها في 28 مارس الماضي.
فاجأت الضربة العسكرية الجميع باعتبار أن المملكة ظلت خلال السنوات الماضية تمضي في الظل وتدفع بغيرها للواجهة، لكن طهران واصلت في “الزعيق” والتصريحات النارية ضد الرياض، والتحريض ضدها، حتى تخيل للجميع أن اشتعال الحرب في المنطقة باتت وشيكة.
مضى التحالف في ضرب قوات الحوثي وصالح فغيرت من المعادلة السياسية التي كانت جميع القوى السياسية خاضعة لإملاءات الحوثيين تحت تهديد البنادق، وأصبح هادي في عدن مع بعض الفارين من الوزراء، وهنا أصبحت القوة النارية متوازنة.
وفيما كانت السعودية تقول إن تدخلها جاء بطلب من الحكومة الشرعية، طبقا لما هو معمول به في المواثيق الدولية؛ فهو يعني بالمقابل تقزيم لدور إيران والتقليل من تهورها في أي صدام عسكري مع الرياض.
أدركت إيران أنها تعرضت لضربه قاصمة في اليمن، فاستوعبتها، لكنها ظلت تُصَعّد إعلاميا ضد الرياض وتزامن ذلك مع إرسالها بأساطيل بحرية قالت إنها مساعدات إنسانية لليمن مهددة بعدم تفتيشها من قبل التحالف العربي حتى تصل إلى السواحل اليمنية.
في تلك الاثناء كانت إيران أمام اتفاق مع أمريكا حول ملفها النووي، وحين صفق الطرفين بالاتفاق، ابتسمت إيران بلوم، فأدارت طهران ظهرها عن الحوثيين، ووصلت سفنها الإنسانية لسواحل عدن بعد أن خضعت للتفتيش ومواد فاسدة، في نفس الوقت.
استوعب الحوثيون أنهم وقعوا تحت انتهازية إيران، حسب ما كان يصرح بعض قياداتهم، لكن الهوس الفكري والانشداه التي تركها حسين الحوثي في ملازمه عن الخميني وإيران افقد الجناح الديني لدى الجماعة القدرة عن الفكاك منها، ولذلك استمرت الحرب غير المتكافئة وواجهة الحوثيين حربا شرسة من المجتمع في جبهات القتال.
في أبريل الماضي أعلن عبدالملك الحوثي عن خيارات استراتيجية وهي الحرب مع السعودية، لكن هذه الخيارات مرت دون أن يتقدم انصاره الذي زج بهم في الحدود على قدر حجم اسم (الخيارات الاستراتيجية) ما يحمله من معنى، وبعد مرور ثمانية أشهر أعلن ناطقهم العسكري “بخيارات صعبة” ولا جديد سوى بيع الوهم لأنصارهم.
وحين وجد الحوثيون أنفسهم أمام جفاء دولي، حاولوا تثبيت المناطق التي سيطروا عليها بالبحث عن ثغرات للسعودية وبما يمكن أن يلفت نظر أمريكا، فقال محمد عبدالسلام ناطق الحوثيين: إننا انسحبنا من عدن حتى يعمل المجتمع الدولي أن البديل هي القاعدة و”داعش”.
ورغم التقدم الذي حققه التحالف في المناطق الجنوبية إلا أن إخفاقات الجانب الأمني وجد الحوثيون، من خلالها، فرصة للضرب على وتر (الإرهاب) أمام المجتمع الدولي، باعتبارهم أفضل من قدم حربا ضد القاعدة خلال الأشهر الماضية، وهو ما فعلته إيران حين قدمت نفسها المنقذ للحد من تنامي “تنظيم الدولة الاسلامية” في سوريا والعراق، وظلت تتهم السعودية بأنها وراء تلك الجماعات.
وجدت السعودية أن إيران احتالت عليها وتتذرع في تجذير تواجدها في اليمن والسوريا والعراق باسم الحرب على (الإرهاب)، فأعلنت عن تحالف إسلامي للحرب على ذات الملف، وجمعت حولها 34 دولة اسلامية وعربية خلاف إيران الذي لم تمضِ معها سوى روسيا، فقطعت الرياض إلى حدٍ ما، سياسيا، الطريق أمام ذرائع طهران في المنطقة وعلى الحوثيين في اليمن.
الحوثيون وبعد مرور ثمانية أشهر من انتفاضة المقاومة عليهم بمساندة من قوات التحالف تحولوا من الصوت المرتفع الذي يصعب إخراجهم لعدن للحل السياسي إلى إجبارهم للذهاب إلى جنيف لكيفية انسحابهم والاعتراف بشرعية الحكومة.
وفضلا عن مراوغة الحوثيين في الحل السياسي وتأخيره، إلا أن حُلم وجود ثورة، ورجل مُلهم في جبال مران قد تهشم، وأفشلت المقاومة ودول التحالف نقل التجربة الخيمنية إلى اليمن.