عن اجتماع الرئيس بالقوات المسلحة
بقلم / أحمد شبح
الاجتماع العسكري الرفيع الذي ترأسه يوم أمس فخامة الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة، يكتسب أهمية خاصة من حيث الرسائل والدلالات، زمانا ومكانا.
انعقد الاجتماع من القصر الجمهوري بالعاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وهو الأول من نوعه منذ تشكيل المجلس الرئاسي، كما انه الاكبر حضورا، التحمت فيه كامل صنوف وتكوينات المؤسسة العسكرية برئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة، تحت راية الجمهورية اليمنية.
من حيث الحضور الوازن فقد ضم الاجتماع: وزير الدفاع، رئيس الأركان ونائبه، رئيس اللجنة العسكرية العليا، المفتش العام، مدير مكتب القائد الاعلى.
قادة القوات البحرية والجوية، الكليات العسكرية.
هيئات وزارة الدفاع، وهيئة العمليات المشتركة.
قادة المناطق العسكرية، الاولى سيئون، الثانية المكلا، الثالثة مارب، الرابعة عدن، الخامسة حجة، السادسة الجوف، السابعة صنعاء.
المحاور العسكرية، العند، طور الباحة، تعز، ابين، عتق، الغيظة، محاور صعدة. اجتمعت قيادة القوات المنتشرة على امتداد مسرح العمليات للجمهورية، من شرق الوطن إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله.
جدول أعمال الاجتماع تناول جملة مواضيع ذات أهمية رئيسية وأساسية على صعيد المشهد العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي في ضوء تطورات جارية داخليا واقليميا وعالميا، وفي ظل “تحديات متشابكة” تواجهها القوات المسلحة ويواجهها الوطن بشكل عام. خصوصا في ظل حالة اللاحرب واللا سلم، وتصعيد ايران والحوثي عملياتها العدائية برا وبحرا.
الاجتماع سبقه بأيام لقاءا موسعا عقده عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في مدينة عدن، لقيادة القوات العسكرية والاحزمة الامنية التابعة للمجلس، وكذلك قادة الوية العمالقة ودرع الوطن. وسبقهما ايضا اجتماعا مماثلا عقده عضو مجلس القيادة عبدالرحمن المحرمي بقادة ألوية العمالقة.
كلمة الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي ركزت على الاولويات وتضمنت جملة من القرارات والاجراءات ومصفوفة موجهات وتوجيهات. على أمل أن يتم الوقوف المباشر أمام المشكلات والشروع اللحظي في الحلول.
تطرق الرئيس العليمي، وهو ابن المؤسسة العسكرية القادم صروحها العلمية ومحاضنها العملية، المتشرب لشرفها وقيمها ومواثيقها، إلى جملة أمور تستحوذ على هموم واهتمامات القادة والجند، وبعض اجابات لأسئلة شائكة تشغل بال اليمنيين، كل اليمنيين، وبعض العرب.
واستمع من وزير الدفاع إلى احاطة ملخصة حول سير الخطط التدريبية والقتالية وما تم تحقيقه في الجوانب الادارية والهيكلية. فيما قدم رئيس هيئة الاركان تقريرا موجزا حول الموقف الميداني ومستوى جاهزية القوات وجملة الانجازات والتحديثات المحققة على الجوانب العملياتية والقتالية.
تحدث القادة بشفافية وصدق، وألقوا أمام القائد رزم متطلبات ملحة واحتياجات ماثلة تفرضها المعركة، دفاعا وهجوما، وضرورات ميدانية، تعبويا وتكتيكيا واستراتيجيا.
**
الرسالة الأبرز للاجتماع هي التأكيد على وحدة المؤسسة العسكرية وتماسكها وواحدية هدفها، كمؤسسة وطنية تخضع لقيادة شرعية وتلتزم بدستور الجمهورية اليمنية وبالنظام والقانون، وهي القلعة الحصينة لليمن الكبير، وفق نظام دقيق ركيزته الانضباط والربط واطاعة الاوامر، قيادة وقرار واحد، تخضع القوى والفروع وجميع المستويات التنظيمية لنظام تراتبية صارم المهام والاختصاصات وهياكل تعمل بانسيابية وانسجام من اعلى رأس الهرم إلى أصغر جندي.
هي رسالة اطمئنان شعبي، واستعراض قوة امام العدو الحوثي، مضمونها: لدينا جيش قوي وقادر على انجاز مهامه الدستورية والوطنية وفرض خيار السلام الدائم، بالسلم و/ أو بالسلاح.
وقد تحدث الرئيس في كلمته أن المليشيات الحوثية الارهابية الايرانية “ما تزال تراهن على خيار الحرب رغم فشلها الذريع على مدى السنوات الماضية التي لم تأت سوى بمزيد من التنكيل والانتهاكات، والمعاناة والتضييق على فرص مساعدة شعبنا خصوصا في المناطق الخاضعة لها بالقوة”.
ترتكز مصلحة اليمن ومصائر اليمنيين، حاضرا ومستقبلا، على وجود جيش وطني قوي موحد القيادة والقرار.
وقد أكد الرئيس المضي قدما في برنامج توحيد القوات المسلحة والأمن وكافة التشكيلات العسكرية واعادة تنظيمها وتكاملها تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، وفقا لما نص عليه اعلان نقل السلطة.
قالها بوضوح: أن مبدأ الجيوش الوطنية بوصفها صمام أمان للأوطان لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار واحدية القرار العملياتي على مختلف المستويات.
**
العنوان العريض، لاجتماع بهذا الحجم، أن المؤسسة العسكرية الوطنية هي الضامن الاساسي لاستعادة الدولة وانهاء التمرد ومكافحة الارهاب، والدعامة التي يرتكز عليها هدف تحقيق أمن واستقرار اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، والأمن القومي العربي والعالمي.
ومن واقع الايمان العميق بهذه المعادلة أكد الرئيس إدراك القيادة لمتطلبات الظروف الراهنة ومساراتها المحتملة، وما تتطلبه المؤسسة العسكرية للاستجابة الفاعلة لمتغيرات المرحلة، وتداعياتها بما في ذلك تعزيز قدرات الردع والجهوزية العالية لأية خيارات.
تعزيز قوة الجيش وتطوير قدراته تعتمد على مسارات رئيسية متوازية، أهمها، مواصلة جهود بناء الجيش ومؤسساته واستكمال الملاك البشري والمادي، والسير بوتيرة أعلى في مهام وبرامج التدريب والتأهيل استنادا إلى الانجازات المحققة، وايضا البحث عن فرص وبدائل لدى الاشقاء والاصدقاء لتوفير سلاح نوعي متغلب ضامن لفرض نفوذ الدولة واخضاع الحوثي للسلام او تحقيق حسم المعركة، من خلال عقد صفقات، نقدا او بالآجل، من السوق العالمية المفتوحة، وتوقيع اتفاقيات دفاعية وتعاونية عسكرية وأمنية، بما يلبي مصلحة الوطن ومصالح الجوار.
**
تزامن الاجتماع مع انتهاء اللجنة الامنية والعسكرية العليا المشكلة بموجب إعلان نقل السلطة، ابريل2022م، من اعداد الخطط والرؤى النظرية لمهامها، على أمل انتقال اللجنة للتنفيذ عمليا، وتوسيع عملها إلى بقية التشكيلات والقوات العسكرية والامنية، بعد تركز قراراتها واجراءاتها خلال الفترة الماضية على مؤسسة الجيش والامن.
أمضى رئيس مجلس القيادة، القائد الأعلى، قبل أيام على الهيكل الجديد للقوات المسلحة اليمنية (وزارة الدفاع) ولقوات الامن (وزارة الداخلية)، استنادا الى مقترحات اللجنة، بما يعني ذلك ادخال تعديلات وبعض التحديثات للهياكل التنظيمية التي تضمنتها القرارات الرئاسية الصادرة في 2012، 2013م، واللوائح الداخلية الجديدة المنبثقة عن مخرجات الحوار الوطني.
انصراف اللجنة منذ تشكيلها على وزارتي الدفاع والداخلية والقوات النظامية دونا عن بقية التشكيلات التي أنشئت خلال الحرب التي فرضتها ايران وذيولها الحوثية، ألقى بأحمال اضافية على القوات المسلحة في جوانب شتى، ويفاقم الانعكاسات السلبية التي تحملتها المؤسسة خلال الحرب نتيجة الاختلال العميق في طبيعة اداء الدولة وسلطتها الشرعية وادارتها للمعركة المصيرية، وما نتج عن ذلك من تأثير حاد على مستوى كفاءة القوات ومضاعفة الكلفة البشرية والمادية وخسارة جغرافيا وجبهات استراتيجية.
**
المعول على المجلس الرئاسي واللجنة المشكلة تحقيق اجراءات عاجلة وجوهرية في إطار تقليص الفجوة بين القوات المسلحة وباقي التشكيلات والقوات في الدعم والرعاية وتحقيق مقاربات في جانب القدرات، ليس أقلها توحيد مرتبات القوات العسكرية.
فبينما يتقاضى الجندي في تلك التشكيلات راتبا شهريا منتظما لا يقل عن ألف ريال سعودي يتقاضى الجندي المقاتل في الجيش راتب غير منتظم بما يعادل 140 ريال سعودي.
في 2016 تم تحديد راتب الجندي التابع لوزارة الدفاع بمبلغ 60 الف ريال يمني، كان يعادل يومها الف ريال سعودي، ولايزال الجندي يستلم 60 الف بالعملة الوطنية الى اليوم رغم فوارق التضخم المهول في سعر الصرف خلال المدة الماضية. فضلا عن غياب المساواة بين القوى والمناطق العسكرية.
ومن بين صور التقصير هرولة الحكومة نحو فرض تطبيق ما يسمى الاصلاحات الاقتصادية واشتراطات المنح النقدية المقدمة للحكومة على المؤسسة العسكرية عبر فرض صرف مرتبات الجيش عبر البنوك والصرافات وفرض نظام البصمة، واجباره على تسليم الكشوفات لتلك البنوك، بما يتناقض مع خصوصية مؤسسة الجيش وأسرارها كأمن قومي.
هذه الحوكمة وهذه الاجراءات بما فيها من انتقائية في التنفيذ على مختلف الجهات والمؤسسات وفي مقدمتها النفقات الحكومية في الخارج بالعملات الصعبة، لم يسبق أن تم تنفيذها في عهد نظام صالح وفي غير ظروف الحرب!
مقتضيات المعركة تتطلب معالجة اختلالات السنوات الماضية من الحرب، بإعلان التعبئة العامة ووضع كل مقدرات الدولة وإمكاناتها تحت تصرف الجيش وتسخيرها للمعركة.
**
ملف الشهداء والجرحى يمثل العبء الأكبر على المؤسسة والتحدي الأثقل أمام قيادتها، فالقوات دفعت كلفة غير قليلة في المعركة، واحصاءات الشهداء والمعاقين والجرحى بالآلاف، بما يتطلب ذلك من فاتورة باهظة لمواجهة هذه الالتزامات القانونية، فضلا عن الحاجة الماسة لاستعواض القوة البشرية الخارجة عن الجاهزية.
رئيس مجلس القيادة تعهد في الاجتماع بالتسريع في انشاء هيئة وطنية لرعاية الجرحى وأسر الشهداء، وقال إن الهيئة سوف ترى النور في القريب العاجل.
هذه ليست المرة الاولى يتناول الرئيس موضوع الهيئة التي كلما تأخرت يوما واحدا يخسر الوطن أبطالا جدد وتتفاقم اوجاع المصابين ومضاعفات جراحهم، ويمتد ذلك التأثير السلبي إلى المساس بالروح المعنوية والقتالية المقاومة.