55ألف صورة تكشف عن حجم المأساة في سجون الأسد.. ضعاف ومخنوقون ومقيدون
الرشاد برس-متاعبات
هل تشكل الصور التي قدمها التقرير حول ‘مصداقية الأدلة المتعلقة بتعذيب وإعدام أشخاص احتجزهم النظام السوري الحالي’، أساسا لتقديمه لمحكمة جرائم الحرب؟ فالتقرير الذي قام على فحص 55 ألف صورة تكشف عن تعذيب وقتل معتقلين داخل السجون السورية يمكن أن يكون أساس قضية أمام محكمة جرائم الحرب الدولية.
ويرى الباحثون الذين شاركوا في التقرير وفحص مصداقية المصور وهو مصور سابق في الشرطة العسكرية إن الأدلة التي حصلوا عليها تمثل ‘الدليل القاطع′ على تورط النظام السوري بجرائم حرب.
وستجد الدعوات لتقديم نظام بشار الأسد لمحكمة جرائم الحرب مصداقية خاصة أنها فشلت في الماضي لأن سوريا ليست من الموقعين على ميثاق المحكمة الجنائية ولأن مجلس الأمن لم يستطع التوصل لقرار بسبب موقف روسيا.
من المسؤول؟
ونقلت صحيفة ‘غارديان’ التي نشرت التقرير أولا مع شبكة أنباء ‘سي أن أن’ عن جيفري نايس أحد المحققين الثلاثة والمدعي العام السابق في المحكمة الدولية ليوغسلافيا القديمة التي حاكمت الرئيس الصربي سلوفدان ميلوسفيتش قوله إنه وإن ‘لم يكن ممكنا تتبع مسؤولية القتل وبمستوى من اليقين لرئيس الدولة، لكن يمكن للمدعي العام في النهاية المناقشة في قاعة المحكمة أن أشكال القتل المنظمة لم تكن لتحدث بدون موافقة مستويات عليا’.
وأضاف أنه ‘سواء ذهبت أبعد من هذا وقلت إنه يجب أن يكون رئيس الدولة هو من قام بالمصادقة على هكذا ممارسة، سيظل الأمر صعبا، لكن الممارسات المنظمة والواسعة تعني كسر قدرة الحكومة على التحكم’.
فيما قال ديفيد كرين المدعي العام السابق في محكمة جرائم الحرب الخاصة لسيراليون ‘الآن وقد أصبح لدينا دليل مباشر حول ما كان يحدث للأشخاص الذين اختفوا، فما لدينا هو أول دليل ثابت ومباشر لما حدث لـ 11 ألف مختف ممن عذبوا وأعدموا وتم التخلص من جثثهم على ما يبدو’.
وقال ‘هذا أمر مثير للدهشة، فهذا هو النوع من الأدلة التي يبحث عنها محامي الإتهام ويأمل بالحصول عليها. ولدينا صور عليها أرقام سجلات رسمية عليها نفس الأرقام، ولدينا الشخص الذي قام بالتقاط الصور، وهذا دليل لا يمكن لأحد التشكيك به’.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله ‘نقف مع بقية العالم ونشجب فظاعة هذه الصور التي كشف عنها، ونشجب هذه الممارسات بكل العبارات الممكنة، وندعو النظام للإلتزام بواجباته الدولية واحترامها فيما يتعلق بمعاملة السجناء.
إستعداد النظام للقتل
وأضاف ‘لقد تحدثنا دائما عن معاملة السجناء وتدهور أوضاع السجون في سوريا، وهذه التقارير والصور الأخيرة تدعم أقوالنا وتظهر استعداد النظام الذهاب بعيدا ليس فقط من حرمان السجناء من حريتهم وكرامتهم بل التسبب بالألم الجسدي والنفسي لهم، وتؤكد التقارير انتشارا واسعا وانتهاكات منظمة للقوانين الإنسانية الدولية’.
وأضاف المسؤول ‘لدى النظام القدرة على تحسين الظروف للتفاوض في جنيف من خلال تحقيق التقدم في عدد من المجالات، وهذا التقرير عن احتجاز السجناء في ظروف وممارسات غير إنسانية يقضي على أجواء المفاوضات’.
وقال المسؤول الأمريكي ‘مثلما نقوم ومنذ سنتين ونصف، ندعو اليوم الحكومة السورية السماح وفتح السجون أمام توثيق الجثث بمن في ذلك مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة كي تفتح تحقيقا حول سوريا’.
ودعا المسؤول الأمريكي لتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم للمحاكم ومحاسبتهم ‘ لقد دعونا لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، ولا تزال الولايات المتحدة تدعم المحاسبة والعدالة الإنتقالية، وندعو المجتمع الدولي لعمل نفس الأمر’.
وقال ويليام هيج، وزير الخارجية البريطاني عن التقرير إنه يقدم أدلة جديدة على العنف المنظم والوحشية التي مارسها نظام الأسد على الشعب السوري و’سنواصل الدفع من أجل اتخاذ إجراءات حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ومن أجل محاسبة المسؤولين عنها’.
ونقل التقرير عن نديم خوري من منظمة هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط قوله ‘قمنا بتوثيق مستمر للكيفية التي قامت بها الأجهزة الأمنية بالتعذيب المنظم وأحيانا حتى الموت للمعتقلين’.
وهذه الصور ‘إن صحت فسنكون قد قشرنا سطح الأقبية السرية السورية المرعبة.
دليل قاطع
وترأس اللجنة التي قادت عملية التحقق من الصور سير ديزموند سيلفا المدعي العام السابق في محكمة جرائم الحرب لسيراليون ونقلت عنه ‘غارديان’ عن دي سيلفا عن أن الأدلة ‘وثقت عملية قتل على قاعدة واسعة’.
وقال إن ‘هذا الدليل القطعي لم نكن نملكه من قبل، ويقدم دليلا لحالة قوية بالتأكيد’. وبالإضافة للثلاثة قام خبراء طب شرعي بالتحقق من الصور وهم ديفيد هاميلتون وسوزان بلاك وستيفن بلاك.
ولدى الفريق خبرة واسعة في التحقيق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأشار التقرير إلى أن مصدر الصور واسمه ‘قيصر’ حفاظا على سلامته لديه خبرة واسعة في العمل لدى الحكومة- الشرطة العسكرية وقد تم التحقق من مصداقيته، وكان يعمل مع المعارضة قبل أن يخزن المعلومات على شريحة كمبيوتر وينقلها للخارج، حيث هرب لتركيا أولا وتمت مقابلته ولم يلحظ الفريق على المصدر/قيصر أي بحث عن الشهرة أو الإثارة أو التحزب لطرف.
ومع أنه كان يتعاون مع المعارضة للنظام لكن الفريق اقتنع بتجربته وإخلاصه وصدق روايته، ولو كان يريد المبالغة في الحديث عن الأدلة لقال أنه شهد عمليات قتل وإعدام.
بل في الحقيقة كان واضحا أنه لم يشهد أبدا عملية قتل. وهو ما دفع هذا الفريق للتوصل إلى أنه كان يقول الصدق.
وكان فريق التحقيق قد سافر من بريطانيا والولايات المتحدة بناء على طلب من شركة محاماة بريطانية ‘كارتر-راك وشركاه’ في لندن.
وكل ما كان لدى الفريق من معلومات قبل سفره للمنطقة أن هناك منشق من سوريا موجود في بلد ثالث، وقبل انشقاقه كان في الشرطة العسكرية، وتم إخبار الفريق أن 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل تعرضوا للتعذيب حتى الموت من الأجهزه الأمنية السورية. وقيل للفريق أن المنشق معه شريحة تخزين لصورة أخذها.
وكانت مهمة الفريق هي التحقيق مع المنشق والتأكد من صدقه. وقد تم التحقيق معه في 12 و 13 و14 كانون الثاني/يناير الحالي. وأثناء عمله تلقى فريقه أمرا من الشرطة العسكرية بأخذ صور للجرحى على الرغم من أن طبيعة عمله الأصلية هي التقاط صور للمجرمين ولأغراض جنائية. وعمل مع الشرطة العسكرية قبل انشقاقه مدة 13 عاما.
وبعد الحرب الأهلية تغيرت مهمته من التقاط صور لمشهد الجريمة إلى مصور لجثث المعتقلين الذين ماتوا أثناء التعذيب.
وقال ‘قيصر’ لفريق التحقيق أن مهمته سببت له ولرفاقه المصورين ‘معاناة نفسية’، والسبب الداعي لتصوير الجثث كما يقول قيصر ‘السماح بإصدار شهادة وفاة بدون أن تطلب العائلة مشاهدة الجثة، مما يجنب السلطات توضيح أسباب الوفاة، أما الأمر الثاني فهو التأكيد من أن أوامر إعدام الأشخاص قد نفذت’.
ويؤكد التقرير على الطريقة الحذرة التي تعامل فيها الفريق مع الأدلة خاصة أن الأزمة السورية تحمل الكثير من المخاطر فيها من ناحية اللاعبين وإمكانية استخدامها كوسيلة من قبل الآخرين لخدمة أغراضهم.
وفي الوقت ذاته فالأدلة التي كانوا يقومون بتقييمها إن ثبتت تعتبر جريمة وخرقا للقانون الدولي. ومن هنا عرض الفريق القانوني الأدلة التي قدمت لهم لفحص دقيق. وعن الطريقة التي تم فيها فحص الصور يقول التقرير إن كلا من ستيوارت وبلاك قاما بفحصها بدون معرفتهما بوجود شخص ‘قيصر’.
صحيحة
وتوصل الباحثان إلى أن الصور تم إنتاجها أثناء الحرب الأهلية وكانا والحالة هذه واعيان لإمكانية حصول الجروح على الجثث نتيجة مواجهات بين قوات الجيش والمعارضة.
وتم نقل 35 إلى مركز أكيوم للطب الشرعي في بريطانيا كي يقوم ستيفن كول بفحصهاـ وأكد للفريق أنه لم يتم التلاعب بها.
ومن بين 55 الف صورة ظهرت 26.948 أكثر من مرة في ملفات أخرى. وتأكد الفريق أن هذه الصور حصل عليها قيصر. وتوصل التحليل للصور إلى أن أصحابها عانوا من الهزال والتجويع أثناء فترة الإعتقال، وهناك أدلة عن تعرض السجناء للضرب الجسدي والتقييد، وظهرت على العديد من الجثث آثار الدم في غياب علامات الضرب على بعض الأجساد. وهناك أدلة عن تعرض المعتقلين للضرب أو تم اخفاء آثار التعذيب بشكل جزئي.
وفي بعض الحالات لا توجد علامات على الأجساد ولكن لا يعني هذا عدم تعرضهم لصدمات.
وقد أخذ المحققون بعين الإعتبار أنهم يقومون بفحص النتائج الجسدية فقط ولم يكن بإمكانهم التأكد من المظهر الجسدي وفيما إذا حصل تعذيب أم لا.
ويعترف الفريق بوجود حدود على فحص الطب الشرعي للصور، التي لم يتم التقاطها لتكون دليلا على جريمة كما يحدث عادة في مسرح جريمة القتل وفي حالات الإنتحار، ولكن تم انتاجها للتوثيق والحفظ في السجلات، ولهذا لا تحمل علامات ولم تلتقط عن قرب الجراح التي حصلت على الشخص. ومعظم الصور لم تظهر ظهر الضحية وعليه لم يتم التحقق أو تقييم أي إصابة ربما حدثت على ظهر الميت.
كما تظهر الصور المظهر الخارجي للجسد ولم تمكّن من التحقق من مشاكل داخلية أصابت الأعضاء الباطنية وفيما إن كان السجناء يعانون من أمراض معينة. وبسبب عدد الصور الهائل والقيود التي تفرضها طريقة تصويرها لم يكن الفريق قادرا على إنتاج تقرير مفصل حول طبيعة الإصابات.
ويكشف التقرير طبيعة الإجراءات التي كانت تتبع في تسجيل ونقل الجثث حيث كان يتلقى قيصر يوميا 50 جثة لتصويرها، كل جثة تحتاج إلى ما بين 15- 20 دقيقة.
وعن طريقة التسجيل يقول إن السجين عندما يموت في واحد من الأجهزة الأمنية كان يعطى له رقم ويعطى له رقم آخر عندما ينقل للمستشفى العسكري، وبعدها يتم التخلص من الجثث بدفنها في المناطق الريفية. وقال قيصر إنه فعل هذا من ‘أجل سوريا والشعب السوري وحتى يتم إلقاء القبض على القتلة لتحقيق العدالة’.
ويؤكد الفريق أنه لم يجد شهادة قيصر موثوقة فقط بل انها لا تدعو على الشك. ولاحظ المحققون إن أكثر ما سجله قيصر هو رؤية أجساد المعتقلين وقد أصابها الهزال مما يشير إلى عملية تجويع يتعرض لها السجناء كوسيلة من وسائل التعذيب.
ويمكن ملاحظة سلسلة من أساليب التعذيب التي استخدمت مثل الخنق والضرب والتعذيب بالعصي الكهربائية. وظهور عدد كبير من الشباب في الصور بدون آثار تعذيب يشير إلى وفاتهم بطرق غير طبيعية. ويبدو المحققون راضين عن الصور التي قاموا بفحصها، وهي 55 ألف صورة بمعدل 5 صور التقطت للشخص الواحد، والأدلة التي تم استخراجها من الصور كافية لأن تكون حالة تقدم أمام المحكمة وتؤكد وجود نوع من التعذيب الممنهج والقتل المنظم في السجون السورية.
ويرى التقرير أن الأدلة يمكن استخدامها لتوجيه اتهام ضد النظام الحالي بارتكابه جرائم ضد الإنسانية وقد تدعم تقديم النظام الحالي واتهامه بارتكاب جرائم حرب.
…….
عن القدس العربي