مقالات

صراع “النفس الطويل” في اليمن

 

كــاتب صحــافي
كــاتب صحــافي

أمجد خشافة

يتساءل أحد الحوثيين، لماذا لم تتعاطف الدول مع الشعب اليمني مما يتعرض له من حرب من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية؟، هذا السؤال مهم جدا حين نظيف سؤال لماذا، أيضا، ابتلعت إيران لسانها عن التصريحات النارية بعد الاتفاق النووي مع أمريكا؟

 من المعلوم أن الصراع في اليمن لم يعد داخليا، بل درج ضمن ملفات صراع دولي في المنطقة، وأصبحت (تتقايض عليه الدول الكبرى فيما بينها)، حسب كلام مندوبة قطر لدى الامم المتحدة، وهذا المفهوم هو الذي يفسر توجه التحالف الدولي في حربه في اليمن، ليس مع الحوثيين كجماعة وأفراد، بل كمشروع له امتداد مع إيران.

على هذا النحو  تبدو تحركات الدبلوماسية السعودية الجديدة وسياستها، والتي اختصرها جمال خاشقجي الكاتب المقرب من سلطات المملكة، أن السعودية لها تصور استراتيجي في المنطقة تقوم على أساس التصدي لتمدد إيران في المنطقة، والحد من انهيار بعض البلدان العربية لاسيما المجاورة لها.

وللرجوع إلى السؤال، فإن ما يجعل طهران تخفف من حدة نقدها للسعودية في اليمن، هو لأنها- في المقام الأول- وصلت إلى مبتغاها بالاتفاق النووي باعتبار أنها كانت تريد أن تقدم نفسها كقوة فاعله في اليمن عبر سيطرة الحوثيين على الأرض، الامر الذي يمكنها من التقدم أكثر لصالحها في المفاوضات النووية، لكنها رمت الحوثيين عظما بعد أن أكلتهم لحما.

ثانيا- تعرف جيدا طهران أن التحالف استغل فرصة ذهبية لا تعوض حين قصمت ظهر حليفها في اليمن عبر طلب جاء من شرعية الرئيس هادي، مما جعل موقفها لا يتعدى عن الصراخ والعويل، وبنفس التدخل الذي عزز من شرعيتها في مساعدة نظام العبادي في العراق وجعل قاسم سليماني يتجول في مدنها، بحجة أن العراق طلبت التدخل والمساعدة!

إذاَ هناك صراع داخلي، وهو بين المقاومة وقوات الحوثيين وصالح، وصراع خارجي على نطاق أوسع بين التحالف وإيران.

ربما ليس الملف اليمني شائكا مثل العراق وسوريا، لكن دخول التحالف في الخط لن يُعجل من إنهاء الأزمة في  اليمن لسبب واحد:

 مادام والحوثيون لم يعترفوا بقبول شرعية الحكومة على أقل تقدير، والرجوع للتفاوض السياسي، فإن التحالف لن يتراجع عن الحرب والحصار المفروض.

واذا استمر الرفض من الحوثيين، فإن التحالف لن يقود حربا مستعجلة، بل سيأخذ نفس طويل، هي أشبه بالحرب التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية على طالبان في أفغانستان، حين قسمت فترات المعركة على ثلاثة أقسام، إضعاف طالبان بحث تفقدها القدرة على الرجوع للسلطة، وتثبيت نظام كرزاي، ثم تأتي الخطوة الأخرى مكافحة الإرهاب، حسب استراتيجية أوباما التي نشرت بشكل مفصل في الكتاب الشهير “حروب أوباما”.

 

ما يعزز من هذا التصور هو تصريح المتحدث باسم التحالف أحمد عسيري، مؤخرا، بأن مهمة التحالف إعادة الحكومة اليمنية لمزاولة مهاما إلى عدن، وأما صنعاء فإنها ستخضع للمفاوضات مع الحوثيين، فإن رفضت فإنه سيتم مواصلة المعركة، بعد أن تُعزز الحكومة تواجدها في عدن.

هذا التصريح جاء بعد أكثر من أربعة أشهر من استهداف قوات الحوثي وصالح، وحصار افقدهم القدرة على تلقي السلاح من إيران، بمعنى أن التحالف يقود حرب على نار هادئة.

وأما مسألة الحرب على أنصار الشريعة “القاعدة”، فذلك سيكون خطوة تالية بعد أن يكون للحكومة جيشا متكاملا هو من سيخوض الحرب ضدها، بتعزيزات ربما لوجستية من التحالف، وهو الأمر الذي جعل التحالف يرفض أي معركة مع القاعدة حتى الآن، رغم سيطرتها على أجزاء واسعة من حضرموت.

ما يزيد من القلق هو استمرار قوات الحوثي وصالح في حرب داخلية، على الرغم من انكشافهم أمام الضربات الجوية، فما تخوضها قوات الحوثي هي “حرب حمقاء”، باعتبارهم فقدوا لسلاح الدفاعات الجوية، وحين تفقد أي دولة دفاعاتها الجوية وانكشاف معسكراتها وبنيتها التحتية العسكرية أمام الخصم، يكون التفاوض السياسي هو الحل للخروج بأقل الخسائر، وهو ما فعله صدام حسين أثناء اجتياحه للكويت، وبعد أن فقد الجو وأصبحت الطائرات الامريكية تحطم كل ترسانة عسكرية على الميدان.

الأمم المتحدة ربما تدرك مدى إطالة أمد الحرب، بعد أن فشل مؤتمر جنيف في يونيوا الماضي ولهذا تأتي تحركات المبعوث الأممي ولد الشيخ في إطار كسر اليأس لدى الرأي العام، وإلا لطال صمتها عما يحدث في اليمن.

حين تتبنى الأمم المتحدة طلب  إرسال مراقبين لليمن الخميس الماضي لكشف من يحاول اختراق الهدنة الإنسانية نعرف مدى حالة الجمود للحل السياسي في البلد، وأن ما تفعله الامم المتحدة مجرد سد الفراغ حتى لا يقال فشل المبعوث الاممي الجديد في اليمن كالسابق، إذ يكون من المستحيل أن يعرف المراقبين من يخترق الهدنة في سبع جبهات قتال في اليمن وعلى مساحات واسعة.

 في الأخير التحالف ليس هو من يخسر بسبب الحرب بالمفهوم العام، بل اليمن، لأن دول الخليج لديها احتياط مالي مهول، هذا من الجانب المادي، وأما  سياسيا فهي تخوض حرب  بتفويض شرعي من هادي والحكومة المعترف بها دوليا، كما تفعل ايران في العراق، وأما الاهتمام الدولي على اليمن ربما سيتلاشى بعد أيام، وترك الامر للسعودية كما فعلت أمريكا بالصومال حين يئست من إعادة الأمل لذلك البلد فتركتها للجيش الأثيوبي، ولصراعاتها إلى اليوم.

…….

نقلا عن:

يمن مونيتور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى