مقالات

عن العودة الثانية للحوثيين

قلم

أمين الصلاحي

   لا أحد منا يجهل ثورة 1948م التي تولى فيها عبدالله بن أحمد الوزير منصب الإمام الدستوري بعد اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في 17/ فبراير 1948م.

    لقد كانت ثورة 1948م محاولة لإصلاح النظام الإمامي من الداخل، ولذلك جاءت بواحد من رجال الدولة الإمامية هو عبدالله الوزير وبايعته إماماً دستورياً.

   لكن الإمام أحمد الذي عرف بدهائه استطاع حشد وتجييش القبائل ضد الثوار بحجة أنهم قتلوا الإمام يحيى، وأنهم يريدون اختصار القرآن! وسمى الإمام أحمد تلك الحشود: ((أنصار الله)) في رسالة بعث بها إلى عبدالله الوزير وخاطبه فيها قائلاً: ((وإني زاحف إليك بأنصار الله الذين سترى نفسك تحت ضرباتهم معفراً))([1])!!

   ودخل الإمام أحمد بــ (أنصار الله) صنعاء وأباحها لهم، وتمكن من إسقاط الثورة الدستورية، والتنكيل برجالها وإعدامهم.

     وفي 11 فبراير 2011م قامت ثورة في اليمن عرفت باسم الثورة الشبابية الشعبية، وكما كانت ثورة فبراير 1948م ثورة تصحيحية هدفها إصلاح النظام الإمامي من الداخل، وتطويره من إمامة استبدادية مطلقة إلى إمامة دستورية، وجاءت بأحد رجال الدولة الإمامية وبايعته على هذا الأساس إماماً دستورياً،  فكذلك ثورة فبراير 2011م كان هدفها تطوير النظام السياسي في الجمهورية اليمنية، وتحريره من قبضة القبيلة والعسكر، ليصبح نظاماً جمهورياً بحق، ويمثل كل أبناء اليمن، ويعبر حقيقة لا ادعاءً عن تطلعاتهم في الحرية والكرامة وبناء دولة المؤسسات، وقد جاءت ثورة فبراير 2011م بأحد رجال النظام وانتخبته رئيساً توافقياً على هذا الأساس!

   لقد حصلت أخطاء فادحة في النظام الجمهوري، وكان مشروع التوريث لنجل الرئيس المخلوع هو أفدح تلك الأخطاء، ولقد كان الإماميون سعداء جداً بذلك الخطأ الكبير والانحراف الخطير الذي أصاب الجمهورية في مقتل، وأصبح لسان حالهم: حلال لكم وحرام علينا! وقد استشعر المؤمنون بالنظام الجمهوري خطورة مشروع التوريث، وجاءت ثورة 2011م لتضع حداً له، ولتعيد قطار الجمهورية إلى مساره الصحيح بعد أن خرج كثيراً عن مساره، ولذلك لم يكن غيظ الإماميين من ثورة 2011م  وحنقهم عليها بأقل من غيظ وحنق المخلوع علي صالح! وقد عملوا كل ما في وسعهم لاختراقها وإفسادها من الداخل.  

      لكن التآمر والكيد لثورة 2011م بلغ ذروته باقتحام (أنصار الله) لصنعاء في 21 سبتمبر 2014م أي بعد (66 عاماً) من اقتحامهم الأول!

    وكما دخلوا صنعاء في 1948م ليجاهدوا الدستوريين الكفرة الذين يريدون اختصار القرآن، فقد دخلوها في 2014م ليجاهدوا الدواعش الكفرة الذين لا يؤمنون بالمسيرة القرآنية!

   وكما أباح الإمام أحمد في 1948م صنعاء لــ (أنصار الله) فاستباحوها وقصدوا منازل الثوار بالنهب والسلب والتخريب، واعتقلوا الثوار ونكلوا بهم وأسلموهم لسيف الإمام لينفذ فيهم أحكام الإعدام.

    فكذلك أباح الإمام غير المتوج عبدالملك الحوثي ومن ورائه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح صنعاء لــ (أنصار الله) في 21 سبتمبر 2014م فدخلوها واستباحوا مؤسساتها، بالنهب والسلب، وقصدوا منازل ثوار 2011م بالنهب والتفجير، ثم شنوا حملة اعتقالات وتنكيل طالت كل قيادات ثورة 2011م!

   وعلى الرغم من طول المدة الفارقة بين دخول أنصار الله الأول لصنعاء في 1948م  ودخولهم الثاني في عام 2014م فلم يكن ثمة فارق كبير… لا في المنطلقات الفكرية، ولا في الممارسات العملية…لقد رأينا (أنصار الله) في خروجهم الثاني يخرجون من كهوف صعدة وبقية المحافظات في شمال الشمال كالجراد المنتشر، حاملين معهم أكياس الشمة (البردقان)، وكل الأمراض المذهبية والسلالية والمناطقية، يحركهم الجهل، والتبعية العمياء لمن يسمونه (السيد)… نعم لقد رأيناهم بأثوابهم الرثة، وصرخاتهم العبثية، وسلوكياتهم البدائية، وأفعالهم الإجرامية، يحولون محافظات ومدن اليمن إلى خرائب، ويعودون بها إلى عصور الجهل والتخلف والظلامية، حتى إن البعض أخذ يتساءل: هل حقاً قامت في اليمن ذات يوم جمهورية؟!

   والسؤال هنا: ماذا قدمت الجمهورية لهؤلاء الأشرار البؤساء لتخرجهم من ظلمات التخلف والجهل والبدائية؟

   هنا يمكننا أن نسجل فشلاً ذريعاً للنظام الجمهوري في تنمية مناطق شمال الشمال، وتعليم أبناءها، وتنوير عقولهم، وإخراجهم من عبودية (السيد) و(الشيخ) إلى عبودية الله الواحد الأحد، ومن الولاءات الصغيرة : مذهبية، وسلالية، ومناطقية، إلى الولاء الكبير للوطن كله، ولليمن كل اليمن..

    إن هذا الانبعاث الثاني لــ (أنصار الله)  قد أكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن القبائل اليمنية في شمال الشمال قد بقيت فيها حاضنة قوية للفكر الإمامي السلالي العنصري المتدثر بالهادوية الزيدية، وأنه ما لم يتم القضاء على تلك البؤر الإمامية، ونزع الألغام الفكرية التي غرسها دعاة الإمامة باسم المذهب الهادوي الزيدي في تلك المناطق فلن نضمن مستقبلاً آمناً لليمن أبداً…  



([1])عبدالفتاح البتول: خيوط الظلام.. عصر الإمامة الزيدية في اليمن، ط1، صنعاء 2007م، ص315.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى