تقارير ومقابلات
المصالح والأحقية بالحكم.. صراع الأجنحة الحوثية المدمر لليمن
الرشاد برس | تقارير كتبه جلال محمد
منذ أن فرض الإمام الهادي بن حسين الرسي حكمه عام 284هـ على اليمن بدأت جرائم السلالة التي أشعلها الهادي وأصلها من خلال نظرية حصر الإمامة في البطنين، نسل الحسن والحسين (جزء من عقيدة الهادوية)، وواجبا شرعا وواقعا فرضه على مخالفيه بحد السيف، وما زال هذا النهج تقليداً متبعا من قبل السلالة في كل مرة يصلون إلى السلطة ويستأثرون بالحكم في اليمن.
وبدأ الصراع يدب في البلاد منذ تأسيس الهادي دولته عام 284هـ.، كتب الدكتور حسين العمري عن تلك الحقبة يقول: ’’أصبح الصراع تقليدا دمغ الحياة السياسية والاجتماعية بميسم الانقسام والاقتتال بين الطامحين والمتصارعين من أئمة البيت الحاكم، حتى أرهق المجتمع وفقدت الدولة المركزية السيطرة، وانجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى‘‘.
صراع وتصفيات بينية
وكعادة الإمامة ودأبها في السيطرة على الحكم، متبعين نهج الصراعات والحروب الدموية بين أبناء السلالة وأولاد عمومتهم المدعين للإمامة، وكانت مدن اليمن وسكانها يدفعون ثمن تلك الصراعات دائما، فقد دُمرت صنعاء وصعدة بمنازلها ومزارعها أكثر من عشر مرات خلال الحقب التاريخية المختلفة، لكن كل ما سبق سيكون مجرد رتوش خفيفة مقارنة بالقادم الأكثر عنفا في ظل تزايد الرغبة في السيطرة التي تبديها جماعة الحوثي اليوم، وما يدور داخل هذه الجماعة من صراع أجنحة بين (هاشميي صعدة وهاشميي صنعاء) والذي نجم عنه كثير من الإقصاءات والتجاوزات وصولاً إلى الاغتيالات التي يتهم كل طرف الجناح المناهض له بتدبيرها.
ففي أكتوبر 2018 اندلعت اشتباكات عنيفة في محافظة صعدة -منطقة آل حميدان، بين أبناء العمومة (داخل الأسرة الحوثية، حيث هاجم الجناح المتشدد والمتهم باتباع إيران بقيادة عبد الملك الحوثي، وقام بمداهمات واعتقالات استهدفت أتباع محمد عبد العظيم الحوثي، أحد علماء المذهب الزيدي الذي يرفض التبعية لطهران، نتيجة لمعارضتهم الشديدة للانقلابيين ولممارساتهم، وأسفرت عن مقتل نحو 40 شخصًا من أنصار العالم الزيدي بينهم أطفال ونساء نتيجة القصف الهستيري والعشوائي الذي شنه الحوثيون على قرى آل حميدان الواقعة في مديرية سحار).
وفي أغسطس 2019 قتل إبراهيم الحوثي، شقيق زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، إثر تعرضه للتصفية في منزله بمنطقة حدة بصنعاء، نتيجة صراع بين عبدالكريم الحوثي وإبراهيم الحوثي، وكل واحد مع فريقه، أي إبراهيم الحوثي ومهدي المشاط وآخرين، وعبدالكريم الحوثي ومحمد علي الحوثي وآخرين، مدعومين من (هاشميي صنعاء)، وأشارت التقارير والمعلومات حينها أن هذا الصراع الكبير بينهما غذته مسألة استيلاء واستحواذ إبراهيم الحوثي على النفوذ والأموال والسلطة والمنهوبات بالإضافة لتحكمه وقيادته للأمن الوقائي الخاص بالحركة الحوثية، والذي كان يقوده عبدالكريم الحوثي، واكتفاء الأخير بقيادة وزارة داخلية صنعاء فقط. كما تغذى الخلاف كثيراً بعد إقالة محمد علي الحوثي من المجلس السياسي وضمه إلى مجلس الشورى حينهالم يقبله وظل وما زال هو المتحكم الأول بالمشهد السياسي في صنعاء.
وبعد 14 شهراً على اغتيال شقيق عبدالملك الحوثي، يبدو أن (هاشميي صعدة) ردوا باغتيال القيادي البارز حسن زيد الذي كان يعمل (وزيراً للشباب والرياضة في حكومة الحوثيين) في ذات المنطقة التي اغتيل فيها إبراهيم الحوثي (منطقة حدة) جنوب صنعاء، في مؤشر واضح على أن الصراع بين أقطاب وأجنحة جماعة الحوثي قد انتقل إلى مرحلة متقدمة من الصعب التكهن بمآلاتها نظرا للسجل الإجرامي للجماعة والذي شمل خصومها وحلفاءها ومؤيديها وقادتها على حد سواء وشملت الصراعات الجوانب الأمنية والنفوذ السياسي والعسكري والخلاف على الجبايات والمنهوبات بشكل عام..
في مطلع العام 2021، توافدت حشود مسلحة من قبائل أرحب إلى شمال صنعاء بعد إقدام مسلحين حوثيين على قتل أحد أبرز القيادات القبلية الموالية لهم، الشيخ علي حزام أبو نشطان وثلاثة من أولاده وشقيقته فيما أصيبت زوجته بجروح خطرة، إثر اقتحام منزله في منطقة الروضة بصنعاء، من قبل المدعو علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة الحوثية.
ولكن جماعة الحوثي كعادتها أطفأت تلك التحركات بالتحكيم القبلي، وتدخلت وساطات قبلية للتهدئة.
وفي مارس 2021 توفي القيادي الحوثي زكريا الشامي وزير النقل بحكومة الحوثيين، ونجل مستشار المجلس السياسي الأعلى يحيى الشامي.
حيث تم الإعلان عن وفاته بفيروس كورونا، لكن ذلك ما رفضه والده رفضا قاطعا وشكك أن يكون ولده قد توفي بالفيروس.
وبتاريخ 21 مارس طالب الشامي تشريح جثة ولده زكريا لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة.
ولكن المفاجأة كانت حينما تم الإعلان عن وفاة يحيى الشامي أيضا إلى جانب نجله زكريا، وكانت تلك الشرارة التي أشعلت صراع الأجنحة مجددا في صفوف الجماعة الحوثية.
إذ ما يزال الغموض سيد الموقف حول وفاة اللواء زكريا الشامي ووالده اللواء يحيى الشامي بالإضافة للعميد سلطان زابن مدير البحث الجنائي والمدرج على لائحة العقوبات بعد اتهامه بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، وإدارة سجون خاصة تمت فيها تعذيب واغتصاب لعدد من النساء.
النفوذ والثروة.. معركة مفتوحة بين محمد علي وأحمد حامد
مع تزايد الصراع من جانب محمد علي الحوثي الذي كان يطلق على نفسه الرئيس، اضطر المشاط إلى ضمه إلى عضوية المجلس السياسي الأعلى في مارس 2019، لكنه عاد في يوليو وعزله من المجلس بتعيينه عضوا في مجلس الشورى.
لم ينفذ القرار على الإطلاق، وما زال محمد علي يسمى نفسه عضو المجلس السياسي الأعلى، لكنه يعمل منفردا عن الجماعة، وصنفه تقرير خبراء العقوبات بأنه طامح بقوة إلى السيطرة على الجماعة كلها بدلا عن عبد الملك الحوثي، ويصف تقرير نشره موقع « Responsible Statecraft » الأمريكي، محمد علي بأنه الأخطر على حياة عبد الملك.
ويشير التقرير إلى أن “محمد الحوثي” لجأ إلى إنشاء قوة خاصة به عسكرية وأمنية واقتصادية، وتعمل باسمه وتنفذ أوامره، دون الرجوع للمجلس السياسي الأعلى للحوثيين ولا حكومة ابن حبتور في صنعاء -غير المعترف بها دوليا- المعينة من المجلس، وأيضاً أنشأ المنظومة العدلية في سبتمبر 2020، ورد عليه أحمد حامد بإنشاء هيئة الإنصاف والمظالم.
ولتعزيز موارده الاقتصادية، استمر في تطوير منظومته العدلية بإضافة هيئة التسويات العقارية، للسيطرة على قطاع العقارات والإنشاءات الذي يقدر حجم التداول فيه باليمن بأكثر من ثلاث مليارات دولار سنويا، ورد عليه “حامد” -مدير مكتب المشاط أو ما يطلق عليه مكتب الرئاسة- الذي يشرف على الإعلام الحوثي كله وله علاقة مباشرة بإيران، بالسيطرة على قطاع الوقود واحتكره لصالح نفسه عبر القيادي الحوثي محمد عبد السلام، الذي يقيم في مسقط منذ خمس سنوات لإدارة التجارة الخارجية الحوثية.
ثم ما لبث حامد أن استولى في نوفمبر الماضي، على هيئة أراضي وعقارات الدولة بصنعاء، التي كانت تعتبر ضمن نفوذ محمد علي الحوثي، وفصل منها أكثر من 21 مسؤولا حوثيا محسوبين على “محمد الحوثي”، وجرّد شركة كبيرة تعمل واجهة لنفوذ محمد علي الحوثي من آلاف اللبنات العقارية في صنعاء ومحافظات أخرى، وهي شركة عبده حسن القاعدي أو شركة الديار العقارية.
ولذا، ليس من المستغرب أن يكون “محمد الحوثي” ومع تراجع قوته بعد تجريده من النفوذ في الطاقة والعقارات وحتى القضاء الذي ما زال يهيمن عليه لكن نسبياً، أن تحوم الشكوك حوله عن عقد صفقات مع جهات أخرى، حيث وصفه أحمد حامد: بشكل غير مباشر في يوليو 2021 بأنه “منافق”، في أحد أشهر الصراعات العلنية للقيادات الحوثية المتناحرة.
بوادر صراع جديد.. «حوزات حُوث» في مواجهة «حوزات صعدة»
يبدو أن العام 2022 سيشهد صراعاً من نوع آخر، بعناوين دينية، حيث ظهر مكون جديد يضم في جنباته دعاة ووعاظ “المذهب الزيدي” في اليمن، منطلقاً من مدينة حوث شمال عمران والتي جعلها الحوثيون مقراً ومركزاً لأنشطتهم واجتماعاتهم.
ويتم خلال هذه الأيام تداول وثيقة موجهة من “العلامة الزيدي” محمد عبدالله عوض، كبير “مرشدي حوث”، يناشد فيها زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي بوقف الحملة العسكرية التي خرجت على مدينة حوث وما زالت مرابطة في المدينة منذ أسبوع وأغلقت مساجد و”حوزات” أصحاب محمد عبدالله عوض، بعد أن أصدر مكون “علماء حوث” فتاوى بعدم جواز القتال تحت راية عبدالملك الحوثي، وذلك لعدم أهليته للحكم، وأن حكم اليمن، كما يرونه، لا بد أن يكون في شخص يمتلك شروط الإمامة كاملة، ومنها العلم والفقه، وهذا الشرط لا يمتلكه عبدالملك بدرالدين الحوثي، بحسب فتواهم ومحاضراتهم في مساجدهم، وهو ما يعتبر إعادة إنتاج لذات الفكرة التي تصارع بها الأئمة في اليمن طيلة قرون من حكمهم، حيث يدعي كل طرف عدم أهلية الآخر بالحكم، ويقوم بالدعوة لنفسه ليشتعل بعد ذلك صراع بدماء أبناء القبائل اليمنية، كما حدث بين الإمام العياني ويوسف الداعي في القرن الرابع الهجري.
بالنهاية.. تشير التقديرات والتقارير إلى أن صراعات القيادات الحوثية خصوصا الهاشمية منها، مثلما قال السفير السعودي آل جابر، بلغت حد تسريب أخطر المواقف والأدلة لضرب بعضهم ببعض، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الصراعات والتسريبات والاغتيالات بين قيادات الحوثيين أنفسهم، وربما كان هذا هو الدافع الرئيس في كشف إيران عن مسؤول إيراني كبير لأول مرة يدعى فؤاد المالكي بسفارتها بصنعاء، وعزمها إرسال قيادي عسكري آخر من الحرس الثوري لإدارة الصراعات الحوثية التي تتفاقم داخليا.