مقالات
العَلْمَنَةُ في اليمن .
🖌🖌🖌/ د. محمد بن موسى العامري *
منذ فترة ليست بالقصيرة ، وأنا أتابع بعض أنشطة العلمنة في اليمن ، وكثيراً ما تحاورت مع دعاتها في قضايا متعددة ، وقد خلصت من ذلك إلى أهمية تصنيفهم وفرزهم لمخاطبتهم ومحاورتهم دعوياً وفقاً لمواقفهم قرباً أو بعداً من الشريعة الإسلامية ، ومنظومة القيم والمبادئ في الإسلام ، ويمكن الإشارة إلى أصنافهم وفقاً للآتي :-
الصنف الأول :- الجاهلون بالشريعة.
وهم الذين يجهلون أحكام الشريعة ، وما هو من مسلماتها ومحكماتها ، وما هو من اجتهادات أو شذوذات الفقهاء ، وهؤلاء غالباً ليست لهم مواقف حادة من الشريعة وأحكامها ، وإنما تكمن مشكلتهم في الجهل بها – مع أنّ بعضاً منهم ذو حظ وفير في مجالات العلوم الطبيعية أو السياسية أو الإجتماعية إلا أنهم فقراء – أو بالأصح لم تتح لهم الفرصة – في التفقه في العلوم الإسلامية – القرآن الكريم والسنة النبوية وأدواتهما – ، وقد يكون لبعضهم ثقافة عامة عن الإسلام وآدابه وأحكامه لكنها غير مؤصلة علمياً ، ومحور دوران أفكار هذه الشريحة حول متطلبات العصرنة ، والتحديث في مجالات الحياة بما فيها التحوير أو التغيير في التشريعات الاسلامية لتتواءم مع القوانين والمواثيق الدولية ! ، ويكثرون من الحديث عن المرونات وتطويع النصوص ، جاهلين بموازين الثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية ، معتبرين كل ما وصلهم من الحديث والآثار والفقه والسير من صلب الشريعة الإسلامية ، وليست لهم آلية علمية لتمييز الشرع المنزل من الشرع المؤل ، والصحيح من الضعيف ، ومواطن الإجماع والإختلاف ، وما هو من الخلاف السائغ وماليس كذلك ، وكثير منهم قد نفروا من الشريعة بسبب جرائم الحوثيين الشنيعة ، وأفعالهم القبيحة التي ينسبونها زوراً وبهتاناً إلى دين الإسلام ، – وهو منها براء – ومثلهم في الصدود أعمال الغلاة والتطرف والعنف كالدواعش والقاعدة ، وربما نفر بعضهم من سلوك مشين لبعض الدعاة ، من أهل التنفير وفتاوى التشديد في ما فيه ترخص وفسحة وضمن دوائر العفو والاختلاف المقبول ، والتسليم حاصل بوجود هذا النوع من المحسوبين على الدعوة الصادين عن الشريعة بأفعالهم وأقوالهم .
ويقابلهم سلوك آخر دأب عليه بعض المنتسبين إلى التوجهات الإسلامية وهو مسار التفريط وتمييع القضايا المحكمة وتفريغها من مضامينها ، زاعمين أنهم يقدمون نموذجاً براقاً وحضارياً وجذاباً للآخرين بينما هم في الحقيقة يقدمون آراءهم البشرية وتنازلاتهم ، وضعف انقيادهم ليتحول المسار مع الزمن شيئاً فشيئاً إلى تذويب خصائص الإسلام الربانية والمحكمات الآلهية ، بما يفضي إلى فقدان هيبة الشريعة الإسلامية ومكانتها ، وتوهين الإنقياد والتسليم لها ، ومساواتها بالمنتجات البشرية ، وقللوا من عظمتها في نفوسهم فضلاً عن المدعوين إليها .
وثمت سلوكيات أخرى من بعض من يرجى منهم النموذج الأمثل والقدوة الحسنة، في الوظيفة العامة أضحوا نماذج سيئة وفشا فيهم الفساد والعبث والتلاعب كغيرهم وربما أسوأ ، ومثل هؤلاء يعتبرون من عوامل الصد عن سبيل الله ، – مهما تأولوا لأنفسهم أوبرروا لأفعالهم أو شرعوا لها – فمحصلة الفساد والعبث هي الصد عن شريعة الله ، وبعض من تعلمنوا من ذوي الجهالات مرد ذلك إلى هذا الصنف من أهل الصدود .
الصنف الثاني :- المنهزمون.
وهؤلاء لم يكونوا في أصلهم من الجاهلين بالاسلام وأحكامه ، بل هم في الجملة من ذوي الفهم والوعي بحقيقة الإسلام إلا أن داءهم الحقيقي هو الهزيمة النفسية الداخلية، وتهويل صولة المناوئين للإسلام والإنحناء لثقافة أهل السطوة والغلبة وهجماتهم على الثوابت والمحكمات في الإسلام ، فتولد من ذلك هروب كثير منهم من دائرة الاستهداف والوصف بالتشدد أو النّبز بالرجعية والتخلف ، ونحوذلك ، إلى دائرة البحث عن مراتع الدّعة والأمان والسلامة ، – وإن فرطوا في سلامة المنهج وصفائه – وبالغ هؤلاء في التنقيب والحديث عن الضرورات والحاجيّات والإكراه والتيسير وسماحة الدين ، أو التخفى ، والاستسرار، والتقية ، مستخدمين هذه المصطلحات في غير ما وضعت له ، ومرد ذلك إلى فتور إيماني، ووهن تزكوي ، وضعف وتربوي ، وهزيمة حضارية ، وبعد عن المواعظ القرآنية ، والإغراق في مجالسة ذوي الأهواء باحثين – بكل شغف – عن الترخص في كل باب ! متكئين على شذوذ الآراء وغرائب الفتاوى ، جاعلين أنفسهم في مصاف كبار المجتهدين ، متعالمين ، ومتعالين بلا علم أوبصيرة ، مائلين إلى التسهيل و هوى النفوس مطلقاً – وإن كان في ذلك عطبها- ولايزالون كذلك حتى تتشرب نفوسهم بالعلمنة ويتقبلونها ، كواقع لا مناص منه – حسب ظنهم – ويسايرونها لما يرون فيها من مواءمة الهوى والتنصل من أعباء العزائم والتكاليف الشرعية .
الصنف الثالث :- المعاندون .
وهذا الصنف غالباً لديه خصومة مع الإسلام والشريعة في أصل نشأته وتكوينه، أو انتكاسته ، غير آبه بدين الإسلام ولا بأحكامه ، يستوى عنده المحكم والمتشابه والحق والباطل والهدى والضلال ، ليس له من الإسلام الا الإنتساب العام ، وشهادة الميلاد في الجغرافيا، فلا الرسول قدوته ولا هو ملتفت إلى سنته ، وهم دركات :-
أ- فمنهم أهل التّلون كالحرباء ، متدسّسون يبثون سمومهم – حول قيم الإسلام ومبادئه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك ، قد مردوا على النفاق لاتعرفهم إلا بلحن القول ، وفلتات اللّسان ، لايجهرون بما في طوياتهم إلا بقدر ما يشفي غيظهم ، يوسوسون ثم يخنسون ، ويظهرون ثم ينكمشون ،
ب- ومنهم من جاهر وجند نفسه لمحاربة الخير وأهله جملة وتفصيلاً ، فلاتراه مع الحق إلا كما قيل: كأني تنوين ٌ وأنت إضافةٌ فحيث تراني لاتحل مكاني ، قد انتكست فطرته نحو كل فضيلة ، بائع للدين بأبخس الأثمان ، لا تعنى له الأحكام والشريعة شيئاً ولايرى في الحشمة والفضيلة إلا تقاليد وأعراف عفى عليها الزمن – حسب زعمه وخسته – قد ركبت به أمواج الهوى كل مركب ، غير منفك عن تتبع الشبهات ، والبحث عن الشهوات والترويج لها ، مفتون بكل عفن قادم من مزابل الغرب ، لا يميز بين ضاره ونافعه ، ومن عجيب أمرهم ، أنهم يعشقون كل الملل والنحل – ماعدا دين الإسلام ! – ويدافعون عن المسيئين للإسلام ورسوله، تحت مزاعم الحرية ! – وإن صدرت من عابدي البقر والأوثان – وهذا الصنف وإن كان هو الأقل تواجداً إلا أن نعيقهم قد ازداد في الآونة الأخيرة بسبب غياب سلطة العدل والقضاء وظهور مشروع بدع الحوثية الإيرانية ، وقيام أسواق الدجل والكهانة من مروجي الضلالات ومستوردي الزبالات البشرية وبعض هؤلاء آل به الأمر الى الإلحاد والزندقة وسقوط الأخلاق جهاراً ونهاراً .
ج- وكثير منهم يتاجرون بالإلحاد والترويج للباطل والفساد ، والإنحراف مع علمهم بباطل ما يدعون إليه إلا أنهم عبيد للمال باحثون عن سبل الأضواء والشهرة وعالم النجومية من كل مزبلة غارقون في مستنقع المنظمات المشبوهة داعون إلى كل قبيح مستورد لايعرفون من الحضارة المعاصرة إلا أسوأ ما فيها ، حُطّاب ليل لكل منتجاتها الدنيئة معرضين عن كل نافع مفيد للبشرية فيها .
منهج الدعوة :-
يتميز الإسلام بمنهج فريد دعوياً ومنهجياً في التعامل مع مخالفيه والشاردين منه ، وفقاً لنوعية الإنحراف الذي تلبس به أربابه ، وفي هذه الآية القرآنية إشارة إلى مجمل الوسائل الناجعة مع المخالفين وهي قوله سبحانه ( ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ)… وكتطبيق لجانب من دلالة هذه الآية يمكن القول :
إن الصنف الأول بحاجة إلى :- الحكمة .
في التوجيه والإرشاد بمفهوم الحكمة الشامل للعلم النافع المبني على الفقه الرشيد ، ووضع كل شئ في موضعه ، ولزوم العدل والميزان ، وبيان مزايا الإسلام ومحاسنه ، وإبراز معانيه العظام، وفي مقدمتها التوحيد والإيمان وما يتصل بعظمة الخالق – سبحانه – وأحكامه والإعجاز في تشريعاته ، وحقه على العبيد وكذلك إبراز مقاصد الشريعة، وغاياتها ومراميها وما يترتب على لزومها من فلاح ونجاح ، في الدارين ، وسموها ، وعلوها على ما سواها ، وتقديمها بثوب حسن ، يتميز فيه بين ما هو منزل من الله في كتابه، وما صح من سنة نبيه، – عليه الصلاة والسلام – وبين ما هو من الإجتهاد والرأي الذي يصيب ويخطئ ويقترب أو يبتعد من الوحي ، ويسترشد في ذلك ، بمورثنا الفقهي وتاريخنا الحضاري ، بتحقيق ، وتدقيق ، وبصيرة ، دون جمود أو تقليد وهذا باب واسع يدركه المتخصصون .
الصنف الثاني .
وهم الذين يحتاجون إلى:-
الموعظة الحسنة .
والتذكير بالمعاني الإيمانية وحقيقة الدنيا والآخرة وشدهم إلى جانب الهُوية الإسلامية والإعتزاز بالدين والصبر على ذلك مع التأكيد على قراءة السنن الإلهية والإعتبار بالقصص والتواريخ وإزالة الرّان الذي تكاثر بسبب البعد عن محاضن التأثير الروحي والوجداني حتى قست القلوب فتصحرت وتحجرت وضعف فيها التعلق بالله والمداومة على القرآن والذكر والصلاة وسائر أنواع التعبدات – وبخاصة – أعمال القلوب ، وما يتصل بها من معاني الإخلاص والرجاء والخوف والخشية والتوكل واليقين ويضاف الى ذلك ضرورة هجر منابر المنهزمين أو اتخاذهم قدوات وجلساء لما في مجالستهم من الآفات – وبخاصة – المتشبعين بالشبهات والأهواء .
والتزهيد في قربهم ليس لقوة ما يقدمونه وإنما لضعف المتلقي وقلة تحصينه، بما يزيل ما عندهم من شبهات وضلالات وهو منهج قرآني متبع في الإعراض الجاهلين وأهل الزيغ والمنحرفين والخائضين في الباطل وعدم مجالستهم ، وترك الركون إليهم ، ولاسيما من يتوقع منه التأثر بهم والميل إليهم .
الصنف الثالث .
وهم الذين يحتاجون إلى:-
المجادلة بالتي هي أحسن .
وكلمة أحسن تقتضي حسن اختيار أقوم السبل لفظاً ومعنىً و تمنع من السقوط في الإسفاف- وإن سقطوا – وترك المراء المذموم أو الوقوع في ما يتنافى مع قيم الإسلام وآدابه في مخاطبة المخالفين ، وتعني إقامة الحجة من أهلها المتمكنين لإزالة الشبهات ، وردها بالعلم واليقين والأدلة القاطعة ، مهما عرضوا من الإفك والبهتان ، ومن تأمل القرآن الكريم ، وجده مليئاً بمحاججة المشركين والمنافقين والملاحدة الدهريين ، وأرباب الطغيان وفيه من الحجج العقلية والأقيسة والبراهين ما يدمغ كل صاحب شبهة أو ضلالة ، والمهم من ذلك هوالتمكن بالعلم المتين ، وفقه واقع الزائغين والملحدين الثرثارين بكفرهم ، وإلحادهم وكأنما هم بذلك مبتكرون ومبدعون ، فإنّ الكفر بالخالق – سبحانه – و الشرك والجحود ، وإنكار البعث والجزاء والجنة والنار وتكذيب الرسل وإنكارالنبوات والسخرية والإستهزاء بآيات الله وإشاعة الفواحش والمنكرات كلها مواقف وأقاويل محكية عن أهل العناد في القرآن ، وما من شبهة تطرح صغرت أم كبرت إلا وقد قال بها أسلاف من أهل النفاق أوالكفار والملاحدة، وقد عرضت شبهاتهم ورد عليهم بأحسن الردود والدحض لباطلهم وصدق الله .
( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)
* رئيس حزب الرشاد اليمني