مقالات

بأسُ الرجال

بقلم /فيصل الحفاشي

تنتابني الدهشة البالغة حين أشاهد الأماكن المشتعلة في أجساد أمتي، ليست الدهشة من ذات الاشتعال الحاصل، فهو أمرٌ طبيعيٌ بنظري؛ لكون الله قد جعل بأس هذه الأمة بينها جرَّاء تفرقها وفشوِّ الفاحشة فيها وابتعادها عن تشريع ربها ..

وقد سأل النبي –عليه الصلاة والسلام- ربَّه ألا يجعل بأس أمته بينها فمنعه الله إياها؛ لحكمةٍ بالغة لربنا في ذلك..

فالاقتتال الداخلي بين الأمة ليس مستغرباً وإنما المستغرب بحقٍّ أن تضيع أخلاق الرجال في مثل هذا الاقتتال، فترى بعض المتحاربين كمجرد وحوشٍ جارحةٍ .. لا تحمل أي مقدارٍ من أخلاقيات حربِ الرجال !

لا أقول أخلاق الإسلام، ولا أخلاق العرب، وإنما أخلاق الرجال، بكل ما تعنيه كلمة الرجولة من معنى!

إن الرجولة تقتضي ألا تعتدي على من ألقى سلاحه وسلَّمَ لك قياده ..

والرجولة تقتضي ألا تستهدف تجمعاً سكانياً مدنياً ..

والرجولة تقتضي ألا تستهدف سوقاً شعبياً ..

والرجولة تقتضي ألا تستهدف أطفالاً ونساء ..

والرجولة تقتضي ألا تزج بالأطفال في ساحة المواجهة الحربية ..

والرجولة تقتضي ألا تغدر بخصمك حال اتفاقك معه ..

والرجولة تقتضي ألا تبرز عضلاتك على الأسرى والمخطوفين والمستضعفين ..

والرجولة تقتضي ألا تمسكَ الناس من أمعائهم ليغيروا أفكارهم وقناعاتهم ..

والرجولة تقتضي ألا تكويَ شعباً بأكمله بآثار جنونك ورغبتك الجامحةِ في سيلان الدماء وتمزق الأشلاء!

إنّ الرجولة تقتضي أن تفهمَ جلياً أن الحربَ غير مقصودة لذاتها في الشرائع السماوية والقوانين الأرضية ..

أمّا إن كان تاريخُك مفعماً بالحروب العمياء، ومقروناً بالأشلاء، وممتلئاً بالدماء، فاعلم أنك قد أضعت البوصلة، وانتقلت من كونك رجلاً مقاوماً شجاعاً إلى كونك مجرماً قاتلاً سفاحاً .. لا تستمتع إلا عند رؤية الأشلاء .. ولا يهدأ روعك إلا عند جريان الدماء!

وأنت لعمري حينئذ إلى البهيمية أقرب .. ومن الآدميةِ أبعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى