ال30 من نوفمبر…ذكرى الانتصار ومقاومة الظلم والإستبداد
الرشاد برس | تقرير /صالح يوسف
تعتبر ذكرى الـ30 من نوفمبر عام 1967م والتى تصادف الاربعاء المقبل يوما تاريخيا في قلب كل يمني فبهذا اليوم التاريخي العريق يوم إجلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن، وفيه أعلن استقلال جنوب الوطن
إن يوم الـ30 من نوفمبر يوم خالد في قلوب أبناء الشعب اليمني الواحد فهو ذكرى تاريخ في حياتهم ويوم جلاء آخر جندي بريطاني من المحافظات اليمنية الجنوبية وذلك بتضحيات رجال الرجال في مقاومة قوة المستعمر البريطاني على مدى أكثر من 129عاماً حتى تم دحر المستعمر من جنوب اليمن الحبيب الغالية على كل أبنائها. هذا اليوم الذي يحتفل به شعبنا اليمني من كل عام يوم تاريخي في حياتهم وتاريخ جيل وراء جيل الى قيام الساعة.
مقاومة الظلم
تعتبر هذه الذكرى مثالا شاهدا على مقاومة الظلم دون النظر إلى حجم الدولة المحتلة وقدراتها لأن قوة الشعوب وإرادتها وعزيمتها في الدفاع عن حريتها وكرامتها لا يمكن أن تهزمها قوة .
عملت بريطانيا بكل ما أوتيت من قوة من أجل تثبيت احتلالها للجزء الجنوبي من اليمن، طمعاً في موقع اليمن الاستراتيجي والمتحكم في طريق الملاحة البحرية في البحر العربي والبحر الأحمر، وتركزت مطامع الاستعمار البريطاني على احتلال عدن وباب المندب وجزيرة سقطرى وجزر يمنية أخرى، وبالفعل وضع المستعمر البريطاني في 19 من يناير 1839م يده على مدينة عدن ولم يكن إحتلال مدينة عدن بالأمر السهل لولا استخدام المستعمر البريطاني سياسية فرق تسد وتمزيق الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي اليمني وافتعال الأزمات وتغذية النزاعات والصراعات البينية بين اليمنيين ، من خلال تشجيع طرف ضد طرف ودعم طرف ضد طرف بالمال والسلاح ، ولا تزال بعض الأطراف التي لا تريد للوطن الخير تسلك نفس الطريق الذي سلكه الاستعمار البريطاني في تجزئة الدولة اليمنيةمن خلال تغذية الصراعات ودعم الميلشيات وهذه ما يلاحظه اليمنيون وهم يعيشون هذه الذكرى لرحيل آخر جندي بريطاني من أرض الوطن، بأن التاريخ يعيد نفسه ، في حبك المؤامرات التي تستهدف أمن واستقرار اليمن ، وجعله بلدا مضطرباً خدمة للأجندة الخارجية.
ففي عام 1952م حاول الاستعمار البريطاني الإعلان عن دولة جديدة اطلق عليها دولة الجنوب العربي ، تدار عن طريق المندوب السامي البريطاني ، وهي نفس التسمية التي يطلقها الإنفصاليون اليوم ، على جنوب الوطن ، ولأن إعلان الدولة الجديدة التي أعلنها المستعمر البريطاني يتعارض مع الهوية الوطنية اليمنية ، لم يكتب لها النجاح ، حيث أعلنت الحكومة العميلة التي كان يطلق عليها حكومة الجنوب العربي حينها، أعلنت في مايو 1966 م اعترافها بقرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1965 أكدت فيه حق الشعب اليمني في الجنوب في تقرير مصيره.لم يستسلم اليمنيون لمؤامرة المستعمر البريطاني ، وسياسية التمزيق والانشغال بالأمور الحياتية ، لأنه شعب حر جعل حريته وكرامته على رأس سلم أولياته ، فانطلقت ثورة 14 من اكتوبر 1963 م بقيادة الشهيد البطل راجح لبوزة ، ورغم اتخاذ المستعمر البريطاني سياسية الأرض المحروقة في المناطق التي انطلقت فيها الثورة المسلحة ، إلا أن الثوار سلكوا طريق الشهيد البطل راجح لبوزة في الاستمرار في المقاومة حتى النصر .اثمرت الثورة المسلحة وأجبرت المستعمر البريطاني على الجلوس على طاولة مفاوضات الرحيل ، حيث بدأت مفاوضات الرحيل في 21 نوفمبر1967 في جنيف بين وفد الجبهة القومية ، ووفد الحكومة البريطانية من أجل نيل الاستقلال، وانسحاب القوات البريطانية من الجنوب، وجرى في ختام المفاوضات توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة البريطانية برئاسة اللورد .في 30 من نوفمبر 1967م رحل آخر جندي بريطاني من أرض الوطن ولا يزال أحفاد الثوار في الضالع ، وردفان والصبيحة ويافع ، وفي كل شبر من أرض الوطن يحملون نفس الروح التي كان يحملها أباءهم ، في الدفاع عن كرامتهم وحريتهم وهويتهم اليمنية .وبين الطلقة الأولى التي تفجرت شرارتها في الرابع عشر من أكتوبر 1962م من على قمم جبال ردفان على يد شهيد أكتوبر المناضل/ راجح غالب بن لبوزه.. وبين يوم إعلان الاستقلال الثلاثين من نوفمبر 1967م مراحل نضالية في سفر التاريخ الثوري لليمن السعيد الذي نحتفل اليوم بواحدة من أبرز أعياده الوطنية على أرض اليمن الواحد..
ثمرة لكفاح مسلح
بعد ستة أيام على إذاعة بيان أصدرته وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب أعلن فيه نبأ استشهاد المناضل “لبوزة”، وبمرور تسعة أيام على استشهاد لبوزة أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في (23) أكتوبر 1963م بياناً أعلنت فيه قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره.
وخلال أربع سنوات من الكفاح التائق للتحرير, قدم أبناء الجنوب اليمني, أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني بمشاركة مختلف الأطياف والتوجهات والتكوينات من الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.. تكللت في العام 1967م بإعلان استقلال الجنوب اليمني وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من مستعمرة عدن وكان الثلاثين من نوفمبر هو يوم الحرية وعيد الجلاء والاستقلال.
بعد تشعب المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتدادها إلى 12 جبهة، أعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها, حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص ببسالة المقاومة.. صدى إعلاميا عالميا يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه.
وقد شكّل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكّل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات الأجنبية, حيث عمل على تحقيق الضغط على الجبهات الريفية المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد الجبهة القومية لنشاطها النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب.
تطوير اساليب الكفاح
تطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً العمليات الفدائية, حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في التواهي، وحادثة مطار عدن ـ التي قتل فيها مساعد المندوب السامي البريطاني في عدن, وإصابة المندوب السامي، وعدد من مساعديه أثناء توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم إلى لندن.
عمليات فدائية جديدة ظهرت أيضاً فيها, كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها, حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيبن، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن “هيري ييري” ورئيس المجلس التشريعي “آرثرتشارلس”.
ليجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ورجاله، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم الدولي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو إلى متى البقاء في وجه الطوفان؟.
دلالات وابعاد
وتعتبر هذه الذكرى الخالدة تجسد دلالات وأبعاد في مسيرة الكفاح الوطني الطويل للخلاص من عهود التخلف وطغيان الإمامة وجوره وجبروت المستعمر الغاصب.
وتلوح في هذه الذكرى التضحيات الجسام والدماء الزكية الطاهرة للشهداء على دروب الحرية ونيل الاستقلال ورحيل آخر جندي من على الأرض اليمنية عام 1967 الذي تزامن مع ترسيخ النظام الجمهوري في صنعاء عقب ثورة 26 سبتمبر/أيلول ضد الإمامة تأكيدا على واحدية الثورة اليمنية وانتصارها.
و يتجدد هذا المعنىفي تاريخ اليمن المعاصر لهذا اليوم بالتوقيع على اتفاقية الوحدة في عدن عام 1989، لتكون البداية لانبلاج الفجر الوحدوي الأغر يوم 22 مايو/أيار 1990.
وتكمن أهمية هذه المناسبة في كونها تأتي متسقة ومتصلة بأفراح الشعب بذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول، و 14 أكتوبر/تشرين الأول التي كللت هذا العام بحزمة كبيرة من الإنجازات والتحولات واهمها مقارعة المشروع الصفوى الانقلابي في هذا الوطن