العشر الأواخر..صفاء للنفوس وموسم للطاعات
الرشاد برس | تقرير /صالح يوسف
ندخل اليوم في الليلة الثالثة من ليالي العشر المباركة من شهر رمضان والتي “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخلت شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله” متفق عليه. وشد المئزر كناية عن مضاعفة الجد والاجتهاد في العبادة، وإيقاظ الأهل يعني أن يشرك الرجل زوجه وأولاده في عبادة العشر الأواخر من رمضان، وإحياء الليل يعني إحياء غالبه وتقليل ساعات النوم فيه مقارنة بالعشرين الأول من رمضان، فالعشر الأواخر شفاء لأرواحنا، وتطهير لقلوبنا، ورحمة من ربنا، ومن لم تتزكَ نفسه ويحيا قلبه ويذرف دمعه في تلك العشر فمتى يخشع ويدمع؟!
الاجتهاد في هذه الايام
يجب على العبد المؤمن في هذه الليالي المباركة والتي وصفها القران الكريم بالايام المعدودات ان يضاعف من اجتهاده ومعروفه وبره ولنا قدوة في اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاده واعتكافه واجتهاد النبي الكريم في هذه الليالي يرجع لسببين: أولاهما وجود ليلة القدر فيها، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان” (رواه البخاري). والمتأمل في الأحاديث الواردة في فضل شهر رمضان يدرك أن ليلة القدر تعدل صيام رمضان وقيامه، حيث قال (صلى الله عليه وسلم): “من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري)، وقال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري). والسبب الثاني أنها ختام الشهر، والأعمال بالخواتيم كما في الحديث، وكما قال ابن تيمية: العبرة بكمال النهايات لا بنقصان البدايات، فمن قصر أو فرط أو كسل أو غفل في العشرين الأول من رمضان أمامه الفرصة للاستدراك والفوز والتنافس والمسارعة إلى الخيرات في عشر الرحمات.
أهم الأعمال في هذه العشر
العشر الأواخر من رمضان أوقات فاضلة ونفحات ربانية مباركة، والواجب على المسلم استثمارها واغتنام كل لحظة ونفس فيها بالطاعات والقربات، فقد بلغ من اغتنام الصحابة والسلف لها أنهم كانوا يفطرون على لقيمات ويؤخرون الفطور الكامل للسحور حتى لا يضيع الوقت في الطعام، فعن زر بن حبيش (رضي الله عنه) قال: “في ليلة سبع وعشرين من استطاع منكم أن يؤخر فطره فليفعل وليفطر على ضياح لبن”. ومن أهم أعمال العشر الأواخر من رمضان ما يلي:
ترك الخصومة والتلاحي
إن أول وأهم عمل في العشر الأواخر من رمضان هو ترك الخصومة والتباغض والتشاحن وتصفية القلوب من الغل والحقد والحسد تجاه المسلمين، فقد كانت الخصومة والملاحاة سببا في رفع تعيين ليلة القدر، وقد تكون سببا من الحرمان من العفو والمغفرة فيها، ومن أراد العفو من الله فليبادر في العشر الأواخر بالعفو عن الناس. عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم” (رواه البخاري).
الاعتكاف
الاعتكاف هو لزوم المسجد بنية الاعتكاف، ولا يكون إلا في المساجد قال تعالى: ﴿ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد﴾ [البقرة: 187]، وهو سنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فقد كان “يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما” (رواه البخاري). والحكمة من الاعتكاف اعتزال الدنيا والناس وهو بمثابة حمية روحية سنوية، يقول ابن القيم -في بيان حكمة الاعتكاف- إن “عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه، والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته فيستولي عليه بدلها ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه”.
وما أحوجنا في هذه الايام الى الاعتكاف والاعتزال والخلوة مع الله والأنس به بعد أن أجلبت علينا المادية بخيلها ورجلها، والاعتكاف بحق هو الذي يتجنب المعتكف فيه كل مشتتات القلب والمشوشات عليه من مخالطة لكل ما يذكره بالدنيا، هو الذي ينقطع فيه عن الخلق ويتصل بالخالق، هو الذي تستثمر فيه الأوقات والأنفاس ولا تضيع في التصفح الشبكي أو التسامر مع المعتكفين، فرب معتكف ليس له من اعتكافه إلا الحبس والبقاء في المسجد،
تحري ليلة القدر
إنما سن الاعتكاف والاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان لوجود ليلة القدر فيها، لهذا من أهم الأعمال في العشر الأواخر تحري وتلمس ليلة القدر، وفضلها كبير وعظيم كما في سورة القدر، فهي خير من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعدل أو تزيد على نيف و80 سنة، وقيل إن الألف شهر للتكثير، والعدد لا مفهوم له فلا حد لثواب العبادة فيها ولهذا قال الله تعالى: “خير من ألف
شهر”، ولم يقل: كألف شهر، والملائكة تتنزل فيها بإمامة سيدنا جبريل عليه السلام “والروح فيها”، وليس فيها إلا السلام حتى مطلع الفجر، ولهذا كان كثير من الصحابة وأئمة السلف يغتسلون ويتطيبون ويلسبون أجمل الثياب في ليالي العشر الأواخر من رمضان أو في الليالي الوترية التي يظنون أن ليلة القدر فيها، وكان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم وكان يلبسها في الليلة التي يترجى فيها ليلة القدر، وكان يتأملون بطهارة وجمال الظاهر تطهير وتجميل الباطن.
كما أثبتت السنة فضلها في حديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” (رواه النسائي وأحمد وصححه الأرناؤوط).
تلاوة القرآن: فرمضان هو شهر القرآن والإكثار من قراءته بتدبر وخشوع، قال تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”, فينبغي استغلال أوقاته لا سيما عشره الأخيرة في التفرغ لمدارسته ومذاكرته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل عليه السلام القرآن في كل يوم من أيام رمضان.
الإنفاق في سبيل الله: فيستحب الإكثار من الصدقة في رمضان عامة وفي العشر الأواخر منه خاصة في غير سرف ولا خيلاء، إذ ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه “كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ
الدعاء
سؤال العفو في ليلة القدر لون من ألوان الأدب مع الله، كأن العابد مع كثرة عبادته في تلك الليلة لا يراها شيئا ولا يرى نفسه شيئا، فيسأل الله العفو، والعفو من أسماء الله الحسنى ومعناه: المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها، والله تعالى يبتلى عباده بالذنوب ليعفو عنهم بعد توبتهم لأنه يحب العفو، قال يحي بن معاذ: “لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه” وخير الدعاء ما توازن فيه الداعي بين حاجات الدنيا والآخرة كهذا الدعاء القرآني الجامع: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾ [البقرة: 201]، والدعاء الصاعد إلى السماء ما كان بلسان الذلة والانكسار لا الفصاحة والانطلاق.
غذاء للارواح
كما ان الجسد يحتاج للغذا فالروح تحتاج لغذائها الروحي الذي يمدها بالطاقة الروحانية والنور الذي يستمده المؤمن من عبادة الله تعالى ان ايام العشر من رمضان هي من خير الايام في عبادة الله وطاعته والتقرب اليه تعالى بالنوافل حيث والاجر فيها مضاعف فهي موسم للتجارة الرابحة يتنافس فيها المتنافسون فهذه العشرهي المحطة الايمانية التي تتزود فيها الارواح لغذائها ومحطة لجلاء الران الذي تكدس على القلوب من الذنوب والمعاصي ومن فاته الاجر في هذه الايام فمتى يربح !ومتى يكسب !نسأل الله ان يتقبل صيامنا وقيامنا وان يزيل الغمة عن وطننا الحبيب انه على مايشاء قدير