كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟
بقلم /موسى المقطري
يوافق اليوم الأربعاء 1مايو/أيار يوم العمال العالمي (International Workers’ Day) أو يوم العمل (Labour Day) وهو حدث نقابي سنوي يقام في دول عديدة احتفاءً بالعمال في أغلب دول العالم، ويعتبر لدى هذه الدول عطلة رسمية للعاملين في القطاعات المختلفة ومنها الجمهورية اليمنية، وتجده أغلب النقابات والاتحادات العمالية فرصة للفت الانتباه للمصاعب التي تواجه العمال ، والدعوة لتحسين الأجور وظروف العمل وتوفير متطلبات السلامة والتأمين الصحي لهم ، واقرار القوانين التي تحفظ حقوقهم وتحسين ظروف تقاعدهم . تقول الامم المتحدة إن اليمن يعد “الأفقر عربياً” إذ “يحتل المرتبة 151 من بين 177 دولة على مؤشر التنمية البشرية (HDI) وهو مقياس لمتوسط العمر المتوقع والتعليم ومستوى المعيشة”، وهذا التصنيف صادراً قبل العام 2014م ، وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي فإن العمال اليمنيون يعانون كغيرهم من عمال العالم من مصاعب جمة في كفاحهم لتوفير لقمة العيش لأسرهم ، لكن ما استجد في العام 2014م والمتمثل بانقلاب جماعة الحوثي الإرهابية على الحكومة ونهب إمكاناتها وتعطيل مؤسساتها وما أعقب الانقلاب من حرب كل ذلك ترك اثراً بالغاً على العمال في اليمن بمختلف تصنيفاتهم (قطاع عام – قطاع خاص – قطاع مختلط) . المؤشرات الاقتصادية لمرحلة ما بعد الانقلاب الحوثي مخيفة إلى حدٍ كبير، ومؤخراً قالت الحكومة إن نسبة الفقر في اليمن ارتفعت إلى 80% فيما كانت 40% في العام 2014م كما تراجع الاقتصاد بنسبة 50% ، وأكدت هذه النسبة لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) والتي تسلط الضوء على البلدان العشرين الأكثر عرضة لخطر حالات الطوارئ الإنسانية الجديدة في عام 2024، كما أضافت أن 23% من الأسر ليس لها دخل بالمطلق ، وكل هذه المؤشرات تنعكس بشكل سلبي بالتأكيد على العمال الذين يشكلون الطبقة الأكبر في اليمن . منذ الانقلاب الحوثي في 21سبتمبر 2014م وما أعقبه من تدمير لمقدرات لدولة اليمنية وممارسة سياسات النهب للأموال والعقارات والمنشآت الصناعية أدى ذلك إلى توقف شبه كلي للحياة العامة ، وعلى رأس ذلك قطاع البناء والتشييد في جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية ، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على حياة ملايين العمال اليمنيين الذين يعملون بالأجر اليومي، وغيَّر من واقعهم المعيشي إلى الأسوأ ، وباتت الجولات ومواقع التجمع تغص بهم بشكل يومي دون أن يجدوا فرص عمل متاحة . وتقدر مصادر نقابية عدد العاملين بالأجر اليومي في اليمن بـ 8 ملايين نسمة أصبحوا عاطلين عن العمل بفعل الانقلاب والحرب الحوثية ، وتحولوا بالتالي إلى خانة الفقراء ، ويمر عليهم عيد العمال للمرة العاشرة وقد اصبحت حياتهم أكثر صعوبة ، وباتوا غير قادرين على توفير الحد الأدنى من المعيشة لأسرهم ، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار وعجز المنظمات الدولية العاملة في اليمن عن سد الفجوة الغذائية لأسباب كثيرة في مقدمتها ممارسات الحوثيين لنهب المساعدات ثم بيعها بالأسواق ، أو تحويلها إلى أفرادها الذين يشاركون في القتال التي تخوضه الجماعة ضد الحكومة الشرعية .
منذ بداية العام 2016 قرر الانقلابيون الحوثيون قطع رواتب العاملين الحكوميين في مختلف القطاعات واستمر هذا الحال حتى اليوم إلا من نصف راتب يُمنح كل عام أو أكثر ! ، رغم أن الانقلابيين سيطروا على كل الأوعية الإيرادية في مناطق سيطرتهم ، بما في ذلك الضرائب على جميع السلع الواردة إلى مناطقهم ، كما نهبوا إيرادات ميناء الحديدة التي تم الاتفاق برعاية دولية لتسخيرها لصرف رواتب العاملين الحكوميين . تنصل الحوثيون من الاتفاق الذي وقعوه في “استوكهولم” وقاموا بنهب الإيرادات وسخروها لحربهم على اليمن واليمنيين ولممارسة الإثراء الشخصي للقادة والمشرفين في الجماعة ، وكانت نتيجة هذه الممارسات الحوثية تضرر قطاع واسع من العمال الحكوميين في اليمن ، وتحولهم إلى ما يطلق عليهم اقتصادياً “الفقراء الجدد” وهم طبقة حولتهم الأوضاع الاقتصادية السيئة إلى دائرة الفقر فيما كانوا يعدون قبلها خارج هذه الدائرة .
والوضع ليس بأحسن حالاً في مناطق الحكومة الشرعية مع فارق أن العاملين في القطاعات الحكومية يحصلون على رواتبهم بشكل منتظم لكن التضخم الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية للريال اليمني والتي سارت بشكل متصاعد منذ الانقلاب الحوثي كل هذه الأسباب جعلت من الصعوبة بمكان على العامل توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته بشكل كامل. منذ الانقلاب الحوثي وما تلاه من حرب أشارت تقارير اقتصادية أن الاوضاع المضطربة وممارسات الانقلابيين بحق مؤسسات القطاع الخاص حولت بيئة العمل في مناطق سيطرتهم الى أن تصبح طاردة للاستثمار والعمل التجاري ، وهذا ما انعكس سلباً على قطاع واسع من العمال كانوا يعتمدون على وظائفهم في القطاع الخاص اليمني .
وشملت الانتهاكات الحوثية بحق القطاع التجاري الخاص النهب والمصادرة والتضييق ، إضافة إلى فرض الجبايات المتعددة والرسوم الجمركية المزدوجة والضرائب المرتفعة، ناهيك عن الإتاوات المفروضة بشكل مخالف للقانون، وهي جميعها عوامل أسهمت في تجميد أو تدني مستوى حركة النشاط التجاري ، وكل ذلك دفع 26% من الشركات إلى الإغلاق التام أو نقل النشاط ، كما اضطرت 41% من الشركات إلى تسريح جزء من العاملين فيها ، وكل هذا يعني فقدان العاملين المسرحين من هذه الشركات لأعمالهم وانضمامهم لقائمة البطالة ، ودخولهم تحت دائرة الفقر في ظل انعدام فرص عمل بديلة . في كل عام ومع مرور “يوم العمال” يقوم الحوثيون بتكريم قيادتهم المليشاوية كبديل عن “عمال اليمن” وهو أمر يزيد من حالة الحنق الشعبي على الانقلابيين ، ويعطي للمتابع صورة متكاملة عن حالة الإفلاس الأخلاقي الذي يستوطن هذه الجماعة المليشاوية التي لم تكتفِ بتدمير حياة اليمنيين عامة والعمال بصفة خاصة بل زادت على ذلك بسرقة فرحهم بيومهم العالمي وإحلال من أجرموا بحق البلد واهله بديلاً عنهم ، وهي جريمة تضاف إلى سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات التي مارسوها منذ انقلابهم المشئوم .